قضايا وآراء

معركة سعد الحريري بدأت للتوّ!!‎‎

1300x600

مع حالة الغليان التي يعيشها العالم بانتظار الغزو الروسي المفترض للأراضي الأوكرانية، وما يعنيه ذلك من مخاطر الانزلاق إلى حرب عالمية، وبالتزامن مع بلوغ مفاوضات فيينا مرحلة ما قبل إعلان التوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى الغربية، يبدو أن لبنان يأخذ مكانه على قائمة الاهتمامات الدولية بقدر ارتباطه بالملفين، سواء لناحية ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي وما له من تأثير في أزمة الطاقة المنتظرة أو لناحية حسم موقع لبنان في توزيع خارطة النفوذ في المنطقة.

وهذا يعطي هامشا أكبر من حرية الحركة للفاعلين السياسيين في الداخل؛ لتعديل قواعد الاشتباك التي فرضتها ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر وانفجار 4 آب/ أغسطس وما رافقهما من انهيار اقتصادي وعجز سياسي وتقويض للسلطة القضائية.

وانطلاقا من أن شكل التحالفات الداخلية ومآلات الحالة "السنيّة" بعد انكفاء سعد الحريري غير محسومة النتائج بعد، يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات وفقا للمشهد من أمام ضريح الرئيس رفيق الحريري في الذكرى 17 لاغتياله.

معركة الغياب: "يأكلها السَبع ولا يأكلها الضَبع"

إن اقتصار الذكرى للمرة الأولى منذ العام 2005 على زيارة سعد الحريري برفقة وفد من العائلة لضريح والده، مع غياب لأي شخصية سياسية أو حتى قيادي من تيار المستقبل، لم يكن وليد الصدفة ولكنها خطوات مدروسة أراد منها زعيم المستقبل إيصال مجموعة من الرسائل:

1- فكّ الارتباط من أي نوع مع الأطراف السياسية، وإسدال الستار على حفلة التكاذب بُعيد تعليقه العمل السياسي.

2- رفع الغطاء عن مساعي الرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة لتشكيل حالة سياسية تغطي غيابه، ولكن الرجلين اللذين ترافقا لتلاوة الفاتحة على روح صاحب الذكرى يبدو أنهما على عزمهما رغم رفض الحريري مرافقتهما إياه أو حتى لقائهما.

3- قطع الطريق أمام نواب ومرشحي تيار المستقبل لاستخدام العلم الحزبي وعنوان رفيق الحريري في حملاتهم الانتخابية.

4- تأكيد حفاظه على موقع المسيطر على الحالة الشعبية "السنية"، من خلال الحشد الغفير الذي وُصف بالعفوي والمعبر في استقباله وسط بيروت، مع إشارة إلى دعمه أو تفضيله استفادة قوى التغيير من مقاعده في المجلس النيابي على السماح للحزبيين أو الحلفاء أو الخصوم على السواء باستغلالها.

الاشتراكي والقوات وما تبقى من 14 آذار

بدوره أعطى وليد جنبلاط بُعداً عاطفيا وكذا سياسيا لزيارته ضريح الحريري التي كانت مع أفراد عائلته وتَقصُّده التصريح ببعض الكلمات لإحياء الربط بين اغتيال والده كمال جنبلاط ورفيق الحريري، واستحضار شعار المواجهة والصمود الذي طغى بعد 14 شباط/ فبراير 2005، في إشارة إلى نفوذ حزب الله وإيران في لبنان، وهو ما يفسر حسمه التحالف مع القوات اللبنانية على الرغم من اضطراب العلاقة بين الحزبين واختلاف الرؤى حول كثير من الاستحقاقات، وتحديدا ما تعلق منها بزعيم المستقبل. مع الإشارة إلى حرص رئيس المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني في لبنان، أحمد فتفت، على الظهور في الصورة خلف جنبلاط.

أما غياب قائد القوات اللبنانية سمير جعجع والطابع الرسمي لكلماته في الذكرى فيفسر استمراره في مسار الطلاق مع الحريرية السياسية؛ التي كانت سببا في إخراجه من السجن وعودة خصمه رئيس الجمهورية ميشال عون من المنفى، ويبدو أنه مقتنع بأن الضرب على وتر الوجود المسيحي بالتوازي مع إعلان المواجهة مع حزب الله أجدى خلال المرحلة الراهنة.

حزب الله وحلفاؤه

الحزب والتيار الوطني الحر قررا أخيرا وقف عزف "سمفونية" الأسف على غياب الحريري، الأب والابن، ووفرا حتى الكلمات التي تدخل ضمن المجاملات السياسية والاجتماعية، علهما يستفيدان منها في حلّ الخلافات ورصّ الصفوف لخوض الانتخابات المقبلة للحفاظ على الأكثرية، وعلى طريقهما حكما يسير الملحقون بهما في اللقاء التشاوري (السنة المحسوبون على حزب الله) الذي سجل أعضاؤه اليوم حضورا بالغياب، معتبرين الفرصة سانحة لتوسيع حالتهم. ويبدو أنهم أقرب ما يكونون لإقناع الناظم السياسي لحركتهم، حزب الله، بأن الاستثمار بتعويمهم مجد هذه المرة.

ويبقى الثابت أن مسار العدالة في لبنان عقيم بغياب الدولة العادلة والقادرة، سواءً بالاحتكام للقضاء الدولي كما في زلزال 14 شباط/ فبراير أو باللجوء إلى القضاء العدلي كما في جريمة انفجار المرفأ.