من المنتظر أن تناقش الدورة الخامسة والثلاثون للقمة الأفريقية المزمع عقدها يومي 5 و6 شباط/ فبراير الجاري بأديس أبابا جملة من القضايا، من بينها النظر في طلب جملة من الدول مراجعة قرار إسناد دولة الاحتلال الإسرائيلي صفة عضو مراقب بالاتحاد الأفريقي.
يذكر أنه في 22 تموز/ يوليو الماضي، أعلنت وزارة خارجية دولة الاحتلال أن "سفيرها لدى إثيوبيا، أدماسو اليلي، قدم أوراق اعتماده عضوا مراقبا لدى الاتحاد الأفريقي".
وتقول هاجر قلديش أستاذة القانون الدولي وعضو منتخب ومقرر عام للجنة القانون الدولي بالاتحاد الأفريقي لـ"عربي21"؛ إن موضوع مراجعة قرار إسناد دولة الاحتلال الإسرائيلي صفة عضو مراقب بالاتحاد الأفريقي"، تم مناقشته من قبل المجلس التنفيذي (اجتماع وزراء الخارجية)، وتم الاستفاضة في الجدال إلى الساعة الرابعة فجرا دون الوصول إلى حل، مما استوجب ترحيل الموضوع إلى اجتماع القمة يومي السبت والأحد".
قرار غير قانوني
شغلت دولة الاحتلال الإسرائيلي صفة عضو مراقب بمنظمة الوحدة الأفريقية، إلا أنها فقدت هذه الصفة منذ سنة 2002 تاريخ تأسيس الاتحاد الأفريقي، وتسعى منذ عقدين عبر بذل جهود دبلوماسية كبيرة إلى الحصول على هذه الصفة.
وقرر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي (تشادي الجنسية) تمكينها من هذه الصفة بشكل فردي، إلا أن قراره لم يحظ بالإجماع، بل لقي رفضا واستنكارا من قبل عديد الدول الأفريقية، على غرار جنوب أفريقيا والجزائر؛ لعدم قانونيته.
وجاء في بيان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي الصادر في 6 آب/ أغسطس 2021 حول إسناد دولة الاحتلال صفة العضو المراقب: "قد تم اتخاذ القرار لكون أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي قد اعترف بدولة إسرائيل وأقام معها علاقات دبلوماسية، كما أن عددا معتبرا من تلك الدول قد طالب بقرار في هذا الصدد".
اقرأ أيضا: الجزائر وجنوب أفريقيا ترفضان وجود إسرائيل بالاتحاد الأفريقي
وتجزم هاجر قلديش في حديثها لـ"عربي21" أن قرار إسناد الاحتلال الإسرائيلي صفة عضو مراقب غير قانوني لا شكلا ولا مضمونا، وهو مخالف لأحكام القانون الدولي ولروح وفلسفة ميثاق الاتحاد الأفريقي الذي يفرض على الدول الأعضاء احترام مبادئ حقوق الإنسان ومناهضة العنصرية، ورفض الجرائم ضد الإنسانية، بالإضافة إلى احترام سيادة القانون وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها".
وتضيف: "لذلك يعتبر قرار فتح الباب أمام دولة مجرمة ومارقة عن القانون ومخالفة لحقوق الإنسان والقانون الدولي غير مقبول ولا مشروع".
عمل إسرائيلي مستمر وراء القرار
وتعتبر جميلة الكسيسكي العضو السابق بالبرلمان الأفريقي في تصريح لـ"عربي"21، بأن دولة الاحتلال "تمكنت للأسف من الحصول على هذه الصفة بعد سنوات من العمل المركز على اختراق دول القارة الأفريقية، وذلك لغايات اقتصادية، ولكن أساسا من أجل تحقيق أهداف سياسية تحد من دور هذه الدول في دعم القضية الفلسطينية، خاصة في المحافل الدولية".
وتضيف بأن "دولة الاحتلال تمكنت من الحصول على اعتراف عدد كبير من الدول الأفريقية، أصبح لها معها علاقات دبلوماسية"، معتبرة أن "بعض الملفات التي راهن الكيان على التأثير فيها على غرار سد النهضة وملف الصحراء الغربية، عزز أدوارها في القارة دون أن ننسى دور البلدان العربية المطبعة، التي لها علاقات قوية مع بعض البلدان الأفريقية في تحسين وضع إسرائيل في أفريقيا".
كما تؤكد الكسيكسي في نفس السياق بأن "للكيان الصهيوني لوبيّا اقتصاديّا قويّا في أفريقيا، خاصة قطاع التكنولوجيا والزراعة، وقد ساهم هذا الحضور الاقتصادي في تطبيع علاقات دولة الاحتلال سياسيا مع عدة أقطار أفريقية".
انعكاسات القرار على القضية الفلسطينية
ويقول الدكتور محمد صالح عمر مدير المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات؛ إن "المسعى الإسرائيلي بالأساس من وراء المطالبة بهذه الصفة، هو محاصرة القضية الفلسطينية على مستوى الاتحاد الأفريقي، وتعزيز الرواية الإسرائيلية فيما يخص الصراع، ولا شك إذا نجحت إسرائيل في نيل العضوية فهو تتويج دبلوماسيتها التي انطلقت في أفريقيا قبل قيام دولتها على أرض فلسطين، إضافة إلى المكاسب التي ستحققها والفرص التي ستتاح لها من خلال المشاركة المباشرة في اجتماعات الاتحاد الأفريقي".
في نفس الاتجاه تقول جميلة الكسيكسي بأن "إسرائيل تعلم جيدا أهمية حضور القضية الفلسطينية عند دول قوية في الاتحاد الأفريقي على غرار الجزائر وجنوب أفريقيا، ولذلك تبحث من خلال هذه العضوية ومن قبلها تطبيع علاقاتها مع عديد الدول الأفريقية إلى الحد من حضور القضية الفلسطينية في القارة السمراء، كما تسعى أيضا إلى مزيد محاصرة بقية الدول الرافضة للتطبيع".
في السياق ذاته يقول السفير التونسي السابق، أحمد بن مصطفى في تصريح لـ"عربي21"؛ إن "انعكاسات قرار إسناد دولة الاحتلال صفة عضو مراقب بالاتحاد الأوروبي سلبية بالضرورة؛ فهدف إسرائيل هو العمل على وقف تضامن أفريقيا مع القضية الفلسطينية وإدانة المقاومة الفلسطينية وتبييض الإجرام الإسرائيلي، بالإضافة إلى ضمان تصويت أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية في الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية لصالح مواقف إسرائيل".
هل تنجح المساعي العربية في إبطال القرار؟
يقول الدكتور محمد صالح عمر: "سعت الدول العربية بقيادة الجزائر لحشد الاتجاه الرافض لقبول عضوية إسرائيل وبذلت جهودا دبلوماسية كبيرة، كما قامت بتوجيه رسائل قوية للدول الداعمة، مفادها أن الاتحاد الأفريقي مهدد بالانقسام إذا تم قبول إسرائيل، وأعتقد أن الجبهة الرافضة حشدت عددا مقدرا من الدول الأفريقية الوازنة، والأغلب أنه لن يمر قرار قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي".
اقرأ أيضا: كاتب إسرائيلي: المغرب شريكنا في صد نفوذ إيران بأفريقيا
في المقابل، يقول السفير السابق التونسي أحمد بن مصطفى لـ"عربي"21؛ إن الجهود العربية "محتشمة ولا تعكس موازين القوى الحقيقية في القارة الأفريقية".
ويحمل ابن مصطفى جامعة الدول العربية والدول الأعضاء فيها مسؤولية تمدد دولة الاحتلال في أفريقيا، بعد تخليها عن دورها في التعاون الاقتصادي مع عديد الدول الأفريقية، فاسحة المجال أمام إسرائيل للقيام بهذا الدور.
ويضيف السفير السابق أحمد بن مصطفى: "يجب ألّا نفصل الاختراق الإسرائيلي للدول الأفريقية عن مسار التطبيع الحاصل مع الدول العربية، ويجب أن نقر بأن موجة التطبيع العربية شجعت مفوض الاتحاد الأفريقي على القيام بهذه الخطوة".
ويرجح ابن أحمد بأن تنجح الدول الداعمة لإسرائيل في تمرير قرار عضويتها.
في نفس الاتجاه، ترى أستاذة القانون الدولي هاجر قلديش أنه "في ظل اختلال التوازن بين القوى الداعمة لدولة الاحتلال والقوى الرافضة لقرار إسنادها صفة عضو مراقب بالاتحاد الأفريقي، وفي ظل تشبث مفوض الاتحاد؛ من المرجح أن يتم القرار بالمغالبة".
من جهة أخرى تقول جميلة الكسيكسي: "أرجح ألّا تتوصل القمة المنعقدة إلى قرار جديد في الموضوع، ويؤجل التصويت إلى جلسة أخرى، خاصة بعد حالة الانقسام التي سادت جلسة المجلس التنفيذي، وإن تم تمرير القرار باعتماد المغالبة، فسيكون على حساب وحدة المنظمة الأفريقية وسير بقية جلساتها".