" من كان يحيا بمحاربة عدو ما، تصبح له مصلحة في الإبقاء على هذا العدو حيا" فريدريك نيتشه باستثناء أصحاب المصلحة المباشرة في مجلسي النواب والدولة، أو غير المباشرة ممن ارتبطت مصالحهم الخاصة بالمجلسين، فإن غالبية الشعب باتت على قناعة راسخة أن المجلسين لن يتزحزحا عن السلطة، وما تمنحه لهما من نفوذ ونقود وامتيازات. وهما بصدد التحالف في هذه المرحلة لمواجهة عاصفة الانتخابات. فلم يبرع المجلسان في تحقيق شيء لصالح الوطن والشعب، قدر براعتهما في صناعة العراقيل، وإحباط أي تحرك يمكن أن يؤدي إلى إزاحتهما عن المشهد.
لقد نجحا في البقاء والاستمرار،
رغم كل التحديات التي فرضتها أزمة الصراع بكل فصولها المأساوية طوال السنوات
الماضية، وهي الأزمة التي كان بالإمكان تطويقها ومعالجتها قبل تجذرها، إذا أصر
الشعب على ممارسة حقه في التغيير عبر الانتخابات مبكرا.
إفشال الانتخابات هو آخر فصول عبث
الشخصيات المسيطرة على المجلسين، مع حلفائهم في الداخل والخارج. ولكي يتم الإجهاز
عليها تماما أو تأجيلها إلى أبعد مدى، فإن هذه الشخصيات تستعد الآن لجولة جديدة من
التقارب أو التحالف المؤقت لتغيير حكومة الوحدة الوطنية.
حين يفرض الموقف السياسي القطيعة
والتصعيد الإعلامي، لا ينفك رئيس المجلس الأعلى للدولة عن انتقاد رئيس مجلس
النواب، بينما تتولى أبواق رئيس مجلس النواب الترويج للدور الهامشي الاستشاري
لمجلس الدولة، وتفشل كل الوساطات في المغرب للجمع بينهما، وعندما تتغير الظروف
يعود الطرفان للحديث بلغة التعاون والحوار، والاستعداد للقاء مباشر لمعالجة
الانسداد السياسي. لقد آن لهذه اللعبة أن تنتهي.
صرف الأنظار عن المسبب الرئيس في الأزمة، وحرف
الاتجاه عن الانتخابات والتغيير الشامل بإطاحة المجلسين، هو الدافع الوحيد لأي
تقارب محتمل بين مجلسي النواب والدولة، والهدف هو تثبيت بقائهما في المشهد، وتوجيه
نيران الغضب الشعبي نحو الحكومة، مع حملات إعلامية تقودها محطات تلفزيونية، وصفحات
رائجة على مواقع التواصل، وصحف إلكترونية. كلها تستهدف الإطاحة بالحكومة، وتشكيل
حكومة جديدة تضم نفس شخصيات الحكومات السابقة، المتهمة بالتجاوز والفساد حسب
تقارير ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية، وفقا لخارطة التحالفات الجديدة التي
نسجتها هذه الشخصيات مؤخرا.
النيابة العامة بدأت تتحرك بشكل
فاعل وعملي ضد بعض وزراء الحكومة بسبب تجاوزاتهم الإدارية واختلاساتهم المالية،
ولا نملك إلا أن نشيد بأي خطوة ضد الفساد ونقدم لها كل الدعم والتأييد، وفي الوقت
نفسه نتوقع أن يشمل هذا التحرك القانوني للنيابة العامة، كل الشخصيات والمؤسسات
التي رصدت تجاوزاتها ومخالفاتها في تقارير ديوان المحاسبة السنوات الماضية. فهي
المؤسسة القضائية المحايدة المؤمنة على المال العام وكافة ممتلكات الدولة ومصالحها.
لا توجد حكومة خالية من الفساد
والتجاوزات، ومن ثم لن ينبري للدفاع عن حكومة أو أي مؤسسة تفوح من جنباتها روائح
الفساد، إلا صاحب مصلحة أو مغفل ساذج، فالفساد ملة واحدة، ولا يمكن أن تتشكل حكومة
شفافة طاهرة في هذا المحيط من الفساد، ومن دفع بالوزراء الفاسدين من أعضاء مجلس
النواب في حكومة محاصصة، يتحمل بعض المسؤولية عن تجاوزاتهم، ويتوجب أن تشمله
المحاسبة. ثمة عدة خطوات يتعين اتباعها لاجتثاث الفساد من جذوره. أولها الإطاحة
بالهيئات التي تتحكم في هذه الحكومات، وتفعيل الرقابة والمحاسبة، وإنهاء حالة الإفلات
من الحساب، بمحاسبة كل من اتهمتهم التقارير الرقابية السابقة. أما بقية الخطوات
فهي تحتاج إلى زمن وجهد، لأن الفساد ترسخ كشجرة خبيثة، ضاربا بجذوره في ثقافة
مريضة انقلب فيها سلم القيم، وبات الفاسدون يشار لهم بالبنان، وتستدير الرؤوس
نحوهم في كل المناسبات، ويحظون بكل الحفاوة والتكريم. فيما تتراجع قيم العمل
والاجتهاد والشرف والكرامة وصون المال العام.
الليبيون أمام فرصة لا تعوض
للحفاظ علي زخم الانتخابات عبر التظاهر السلمي، لإسقاط كل سلطات الأمر الواقع،
وإنهاء هذا العبث بالدعوة للانتخابات البرلمانية. إذ لم يعد للبرلمان ولمجلس
الدولة، وكل الجهات التابعة لهما أي شرعية تمنحهم الحق في رسم معالم المستقبل، عبر
مؤامرة انتخابات رئاسية من دون أي سند دستوري، لتسليم البلاد لأحد عملاء الخارج.
وانتخابات برلمانية بقانون مشبوه يقصي الأحزاب ليحافظ على القوالب الجهوية
والقبلية العتيقة. فهل ينتهز الشعب هذه الفرصة ويفرض إرادته في مواجهة قوى الخارج
وحلفائهم في الداخل؟ ويستعيد زمام المبادرة بالفعل الثوري الحقيقي، أم سيلدغ مرة
أخري من نفس الأفاعي التي تناسلت وتكاثرت، ويتلاشى حلم التغيير وتتأبد المعاناة؟
(ليبيا أوبزيرفر)