يصفه
المقربون منه بأنه "رجل صادق وشفاف ومنفتح على النقاش وتبادل الآراء".
يعشق
القراءة كما لو كان يلتهم أوراق الكتب، يقول عن عشقه القراءة: "أشعر بالراحة عندما
أقرأ الكتب. أنا أنحدر من منطقة باتاغونيا حيث يبدأ العالم وتلتقي جميع الحكايات والقصص
الخيالية في مضيق ماجلان الذي ألهم العديد من الكتاب".
غابرييل
بوريك، المولود عام 1986 بمدينة بونتا أريناس، أقصى جنوب البلاد في القطب الجنوبي،
لعائلة يسارية من أنصار "الحزب الاشتراكي". انتمى في وقت مبكر إلى اليسار
التشيلي قبل التحاقه عام 2004 بكلية الحقوق بـ"جامعة تشيلي" في العاصمة سانتياغو.
ظهرت
شخصيته القيادية بعد تزعمه جمعية طلاب الحقوق أثناء دراسته الجامعية، وقاد احتجاجات
الطلاب في عام 2011 للمطالبة بتطوير النظام التعليمي قبل أن يقتحم عالم السياسة عام
2013 ويشارك في الانتخابات البرلمانية كمرشح مستقل، ورغم صغر سنه، انتخب عضوا في مجلس
النواب عن منطقة ماغالانيس والقطب الجنوبي التشيلي.
أصبح
في عام 2018 عضوا في "حزب التقارب الاجتماعي"، وهو حزب يساري يعد جزءا من
الائتلاف اليساري المسمى "الجبهة الموسعة" في الانتخابات الرئاسية لعام
2021.
ورغم
أنه لم يكن متحمسا لخوض غمار الانتخابات الرئاسية مبررا ذلك بأنه لا يمتلك الخبرة الكافية
لتسيير البلاد، إلا أن بوريك تشجع فيما بعد ونافس مرشح اليمين المتطرف القوي، خوسيه
أنطونيو كاست، وفاز عليه بالجولة الثانية (جولة الإعادة) من الانتخابات الرئاسية في
تشيلي، وهو انتصار اعترف به رسميا خصمه اليميني المتطرف الذي سبق له أن فاز بالجولة
الأولى.
وحقق
الائتلاف اليساري انتصارا ساحقا في هذه المواجهة الانتخابية غير المسبوقة، منذ العودة
إلى الديمقراطية في عام 1990 بعد حقبة الرئيس الدكتاتور أوغستو بينوشيه
(1973-1990).
وتعهد
بوريك خلال حملته الانتخابية بإلغاء نموذج عدم تدخل الدولة في الاقتصاد، مع تعزيز حماية
البيئة وحقوق السكان الأصليين. ووعد بفرض قيود على النموذج الاقتصادي "النيوليبرالي"
في تشيلي.
وتعاني
تشيلي، التي تعد أكثر الاقتصاديات استقرارا في أمريكا اللاتينية، واحدة من أكبر فجوات
الدخل في العالم، وتعهد بوريك بمعالجة هذا التفاوت من خلال توسيع الحقوق الاجتماعية
وإصلاح نظامي المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية، فضلا عن تقليص ساعات العمل الأسبوعية
وتعزيز الاستثمار في المجالات غير المضرة بالبيئة.
ونظرا
لحجم التوتر في المنطقة العربية واتساع دائرة الصراع العربي الإسرائيلي فإن الأضواء
تسلط على مواقف أي سياسي جديد من هذا الصراع.
وعلى
هامش هذه المنطقة الملتهبة يأتي هذا الشاب اليساري ليحاكم منذ فترة الاحتلال الإسرائيلي
لفلسطين.
وبدأ
ذلك معه في أول تجربة برلمانية له عندما كان نائبا في البرلمان، فقد أيد مشروع قانون
يقترح مقاطعة البضائع الإسرائيلية من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلة ومرتفعات
الجولان، وفقا لموقع "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيلي.
وعلق
رئيس الجالية اليهودية في تشيلي، غابرييل كولودرو، على فوز بوريك، في تصريحات لوسائل
إعلام عبرية، بأن بوريك "صوت لصالح كل مشروع قانون ضد إسرائيل، ووصف إسرائيل بأنها
دولة قاتلة في التلفزيون العام، ويدعم باستمرار مقاطعة إسرائيل".
وزار
بوريك عام 2018 الضفة الغربية المحتلة مع نائبين في البرلمان، والتقى خلالها رئيس السلطة
الفلسطينية محمود عباس.
وفي
عام 2019، قدمت منظمة يهودية في تشيلي هدية إلى بوريك؛ بمناسبة عطلة رأس السنة، فعلق
على حسابه بـ "تويتر" قائلا: "أقدر هذه اللفتة، ولكن يمكنهم البدء بمطالبة
إسرائيل بإعادة المحتل لفلسطين بشكل غير قانوني".
وقبل
انتخابه بقليل قال في عام 2021 في مقابلة تلفزيونية: "نعم، إسرائيل دولة إبادة
ودولة إجرامية. يجب أن ندافع عن حقوق الإنسان مهما كانت قوة الدول".
وتعتبر
الجالية الفلسطينية في تشيلي أكبر جالية فلسطينية في العالم، والأكبر في تشيلي، ويصل
عددها حسب مصادر رسمية فلسطينية في تشيلي إلى 300 ألف فلسطيني.
وهاجر
الفلسطينيون إلى تشيلي في وقت مبكر، مقارنة مع هجراتهم إلى باقي دول العالم. وكان معظمهم
من بيت لحم، وبيت جالا، وبيت ساحور حيث بدأت في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن
العشرين، إلا أن أكثر موجات الهجرة كانت بعد نكبة عام 1948، وحرب عام 1967، وتبعها
موجات هجرة واسعة في أعقاب الحرب الأهلية في لبنان، والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام
1982. وكذلك جاءت موجات أخرى بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، وترحيل الفلسطينيين
من الكويت والعراق، على أثر حرب الخليج الأولى والثانية.
ويمثل
فوز بوريك عودة قوية لليسار في أمريكا اللاتينية الذي يحكم في عدد من دولها مثل المكسيك
والأرجنتين وبيرو وفنزويلا وكوستاريكا وبنما وبوليفيا.
ويتوقع
محللون أن يسلك بوريك مسار بعض الزعماء اليساريين، على غرار رئيس فنزويلا الراحل هوغو
تشافيز، والزعيم الكوبي فيدل كاسترو، في مناكفة الغرب والاحتلال الإسرائيلي.
لكنه
سيحاول أن يكون متوازنا في سياساته الاقتصادية والاجتماعية وحتى المواقف السياسية حتى
لا يخلق عداوات مع الغرب.
بوريك
سيتولى المنصب بـ"تواضع" و"إحساس هائل بالمسؤولية"، كما قال عقب
إعلان فوزه، متعهدا بـ "النضال بحزم ضد امتيازات قلة".
وبدا
فوز غابرييل بوريك وكأنه صوت تشيلي لعصر جديد ولنوع جديد من الرؤساء ولسياسات اقتصادية
واجتماعية مغايرة تماما. أو كأنه كبح لعربة التطبيع في أمريكا اللاتينية مع الاحتلال
الإسرائيلي التي بدأت مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
يعرف
بوريك تماما بأن معارضيه المتطرفين يرون أن تشيلي ستصبح فنزويلا أو كوبا في عهده، لكنه
سيحاول أن يقدم نموذجا يستلهم النموذج الاقتصادي في أوروبا ليضمن إعادة توزيع الثروة
في دولة رفاهية يتمتع فيها كل فرد بالحقوق نفسها دون النظر إلى الأموال التي يمتلكها.