اقتصاد عربي

التضخم يلتهم الدعم بمصر.. هل تتدخل الحكومة لحماية الفقراء؟

"تموين الفقراء" يتبخر خاصة بعد تحوله من عيني لا يتأثر بارتفاع الأسعار إلى دعم نقدي يتآكل بفعل التضخم- أ ف ب/أرشيفية

يواجه ملايين المصريين، خاصة الفقراء ومحدودي الدخل، موجة من تضخم الأسعار، تبتلع حصصهم التموينية بعد تحولها من حصص عينية، قبل سنوات، لا تتأثر بارتفاع الأسعار إلى دعم نقدي (مشروط) يتآكل بفعل التضخم.

منذ تعويم الجنيه في تشرين الأول/ نوفمبر 2016، رفعت الحكومة المصرية، لمرة واحدة فقط، قيمة الدعم للفرد ببطاقة التموين من 21 جنيها إلى 50 جنيها (الدولار= 15.70 جنيه) حتى الفرد الرابع في البطاقة، وما زاد عن الفرد الرابع يصرف له دعم سلعي بقيمة 25 جنيها.

ووسط موجة عالمية من ارتفاع الأسعار، قرر وزير التموين، علي المصيلحي، للمرة الثانية خلال أقل من أربعة شهور، زيادة أسعار زيت التموين بنحو 20 بالمئة، وارتفع سعر عبوة اللتر إلى 25 جنيها بدلا من 21 جنيها، وقبلها كان 19 جنيها، لافتا إلى ارتفاع أسعار السلع منذ مطلع العام الجاري؛ منها السكر والزيت والقمح.

ومن شأن زيادة أسعار السلع التموينية أن تؤدي إلى تراجع حصص 64 مليون مستفيد مقيدين في نحو 22.5 مليون بطاقة تموينية، نتيجة ارتفاع أسعار السلع وتثبيت قيمة الدعم عند 50 جنيها منذ عام 2016، ولكن الأكثر تضررا هم الفقراء، حيث تقترب نسبة الفقر من 30 بالمئة.

وطالب وزير التموين، في تصريحات تلفزيونية، بأن يشارك المواطن في امتصاص موجة التضخم القادمة مع القطاع العام والخاص، ويصل الحد الأجور 2400 جنيه فقط، (153 دولار)، مؤكدا في تصريحات متلفزة أن الدولة لن تستطيع زيادة النقدي الدعم للسلع التموينية، وهو ما حذر منه خبراء ومتخصصون من أن التضخم سوف يبتلع الدعم النقدي للسلع.

 


وقيدت القفزات الكبيرة في أسعار السلع والمواد الغذائية عالميا، مساعي الحكومة المصرية لخفض الدعم عن الخبز، أهم مكون غذائي في سلة الغذاء، وقال رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي في تصريحات صحفية، إن "الدولة تدرس بدقة تدابير خفض الدعم عن رغيف الخبز لتجنب أي ضرر يلحق بالفئات الأكثر احتياجا".

وتستورد مصر نحو 12 مليون طن من القمح سنويا (حكومي وخاص) وتستهلك قرابة 20 مليون طن من بينها نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم الذي يُصرف على البطاقات التموينية لإنتاج ما يقرب من 270 مليون رغيف يوميا.

بحسب بيانات مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لأسعار الغذاء الصادرة في تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ارتفعت أسعار الغذاء عالميًا بمتوسط 32.8% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى زيادة منذ عشر سنوات.

انعكس ارتفاع أسعار المواد الغذائية على معدلات التضخم السنوي في مصر، الذي ارتفع بنسبة 8 بالمئة لشهر أيلول/ سبتمبر 2021 مقابل 3.3 بالمئة لنفس الشهر من العام السابق، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

ارتفاعات غير مسبوقة

واعتبر خبراء ومحللون في الاقتصاد والزراعة، في تصريحات لـ"عربي21" أن استيراد مصر لمعظم احتياجتها الغذائية جعلها تتأثر بقوة بارتفاعها عالميا؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط، وزيادة تكاليف النقل والشحن، وتراجع سلاسل الإمداد الغذائي بسبب تراجع الإنتاج.

وحذر تجار جملة وأصحاب مخابز تحدثوا لـ"عربي21" من استمرار ارتفاع الأسعار منذ بداية العام الجاري، حيث يتواصل ارتفاع سعر القمح والسكر والزيوت والحبوب بجميع أنواعها، والأعلاف، واللحوم البيضاء والحمراء، والتي تراوحت بين 20 و 50 بالمئة.

وأدى توجه الحكومة برفع الأسعار في التعامل مع الأزمة إلى فتح باب زيادة أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق المحلية، حيث ارتفع بعضها إلى مستويات غير مسبوقة، مثل اللحوم الحمراء والبيضاء وبيض المائدة، والزيوت، وسط شكاوى المواطنين من الزيادات المطردة.

 

اقرأ أيضا: مصر ترفع أسعار "زيت الفقراء" للمرة الثانية.. ماذا عن الخبز؟

زيادة الدعم لا تقليصه

واعتبر الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أن قرار الحكومة بزيادة أسعار بعض السلع التموينية خاطئ؛ لأنها يجب أن تدعم الفقراء الذين يشكلون 30 بالمئة من سكان مصر، قائلا: "أن تختار الحكومة مواجهة زيادة الأسعار عالميا بالضغط على الفقراء من خلال زيادة أسعار بعض السلع يعد إجراء غير صحيح؛ والواجب أن تتخذ الدولة إجراءات لحماية هذه الطبقة، بل وزيادة الدعم المقدم لها".

وانتقد في تصريحات لـ"عربي21"، "سياسات الحكومة المالية التي تتسم بالجباية؛ فهي ترفع الضرائب والرسوم بشكل كبير ولكنها لا تقدم خدمات حقيقية للمواطنين، خاصة الفقراء، ولذلك فإن قرار الحكومة برفع الأسعار هو إجراء سلبي وينبغي أن تكون هناك مسائلة ضده".

وأرجع الخبير الاقتصادي الموجة التضخمية إلى "ارتفاع أسعار السلع الغذائية في السوق الدولية على رأسها القمح بأكثر من 40 بالمئة، والسبب الآخر، ارتفاع تكلفة الطاقة بعد تجاوز برميل النقط 86 دولارا للبرميل، وبالتالي زيادة تكلفة النقل والشحن".

شركات تحذو حذو الحكومة

وقررت العديد من شركات المواد الغذائية في مصر رفع أسعار منتجاتها، وقال رئيس مجلس إدارة شركة "أطايب البدر للصناعات الغذائية"، إن الشركة تعتزم رفع الأسعار  بنسبة تتراوح من 15 إلى 20 بالمائة قبل نهاية العام الحالي 2021.

وأرجع، في تصريحات صحفية، مساعي الشركة لزيادة أسعار البيع إلى أنها تأتي نتيجة لزيادة التكاليف التى تتحملها، فى ظل استمرار تراجع القوى الشرائية فى السوق، تزامنًا مع استمرار تداعيات فيروس "كورونا" السلبية.

 

اقرأ أيضا: دمج 55 بالمئة من اقتصاد مصر غير الرسمي.. ضرائب بالطريق

سيناريوهات تعامل الحكومة

بشأن سيناريوهات الحكومة للتعامل مع أزمة التضخم، قال مستشار وزير التموين الأسبق، إسماعيل تركي، إن "الحكومة ستقوم برفع أسعار السكر والخبز بعد رفعها سعر زيت التموين بأكثر من 25 بالمئة، وسوف يتقلص الدعم عبر رفع أسعار باقي السلع مع بقاء قيمة الدعم عند 50 جنيها وإلغاء المزيد من بطاقات التموين".

أما في ما يتعلق بدعم رغيف الخبز، فأوضح في تصريحات لـ"عربي21": "سوف يتم رفع سعر الخبز للمستهلك وتخفيض عدد المستهلكين، أو تحديد مبلغ ثابت لكل فرد مثل السلع التموينية ثم يتم تحرير سعر الرغيف وبذلك فإن أي زيادة يتحملها المواطن ولا تتحملها الدولة هي طريقة أخرى لتقليل الدعم تمهيدا لإلغائه، وتتحين الدولة الفرصة المناسبة فقط".

وأكد أن "مصر ملتزمة مع صندوق النقد بخفض الدعم لا زيادته"، مشيرا إلى أن "هذا هو توجه الدولة حتى قبل موجتي الغلاء والتضخم العالميتين، ولجأت الحكومة في السابق إلى خفض دعم الخبز عن طريق تقليل الوزن، وبعد أن وصل إلى أقل وزن فليس هناك سوى تقليل عدد الأرغفة ورفع سعرها، ما سينعكس بالسلب على ملايين الفقراء الذين يعتمدون بشكل رئيسي على الخبز".