وافق مجلس النواب الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون في منتصف الشهر الجاري، على مشروع قانون أقره مجلس الشيوخ لرفع حد الاقتراض الحكومي مؤقتا إلى 28.9 تريليون دولار، مما يحول دون خطر التخلف عن سداد الديون حتى مطلع كانون الأول/ديسمبر على الأقل.
وأقر بذلك
المجلس زيادة سقف الدين 480 مليار دولار بواقع 219 صوتا مقابل 206 أصوات، وجاء
التصويت على أساس حزبي، فجميع من صوتوا بنعم من الديمقراطيين وكل من صوتوا بلا من
الجمهوريين.
ووقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن، القانون الذي يرفع سقف الدين العام للولايات المتحدة كانون الأول/ديسمبر، في إجراء مؤقت
يجنب أكبر قوة اقتصادية في العالم التخلف عن سداد ديونها لأول مرة في تاريخها.
اقرأ أيضا: خلافات "سقف الدين" في أمريكا تهدد العالم بكارثة اقتصادية
الأزمة متكررة ولن تنتهي
ويبقى السؤال مع توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن لمرسوم
رفع سقف الدين الأمريكي، هل انتهت أزمة المديونية الأمريكية؟
أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة جنوب كاليفورنيا، "روبرت
ديكل"، بأن "الأزمة لم
تنته، ولكن تم تأجيل القرار الخاص بالديون إلى أوائل كانون الأول/ديسمبر فقط، وبالنهاية المشرعون بحاجة
إلى رفع سقف الدين رسميًا بعد ذلك".
وأوضح ديكل
خلال حديثه لـ"عربي21"، بأنه "في نهاية المطاف سيتم رفع سقف الدين
ولكن فقط بعد أن يناقش الديمقراطيون والجمهوريون قضايا أخرى، مثل إنفاق 3.5
تريليونات دولار على البنية التحتية".
من جهته يرى الأستاذ الفخري في كلية الخدمة الدولية، بالجامعة الأمريكية في واشنطن، "ستيفن دي كوهين"، بأن "المعركة التشريعية بين الديمقراطيين والجمهوريين لم تنته بعد ولم يتم حل أزمة الدين بشكل دائم".
إلا أن كوهين استدرك بالقول لـ"عربي21"،
"ولكن يوسع التشريع الذي أقره الكونغرس قدرة الحكومة الأمريكية
على زيادة مستويات الاقتراض حتى كانون الأول/ديسمبر فقط، لذلك في نهاية المطاف، من شبه المؤكد أن
يتوصل الطرفان إلى حل دائم".
اقرأ أيضا: استمرار أزمة تمويل الحكومة الفيدرالية الأمريكية
بدوره لفت أستاذ
الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، الدكتور مصطفى شاهين، إلى أن "أزمة إقرار
رفع سقف الدين تتكرر كل عام تقريبا"، مضيفا: "لكن هذه المرة كانت المشكلة
أكبر وأعقد، لأن المعضلة بتفاقم الدين الأمريكي ليست بالدائنين، بل بمخاوف واشنطن
من تأثير بعض الدول الدائنة على الاقتصاد الأمريكي".
وأوضح شاهين
خلال حديثه لـ"عربي21"، بأن "الولايات المتحدة تستشعر أنها قوة
عظمى، لذلك هي لديها مخاوف من أن بلدا مثل الصين تستطيع التأثير على الاقتصاد الأمريكي،
وذلك لأن أمريكا مديونة للصين، ولهذا الأمر أثران، الأول هو على الدولار
والأمريكان يحسبون ألف حساب لهذا الأمر".
وأضاف: "الأمر
الثاني الذي يخشاه الأمريكيون هو التأثير في الموازنة العامة الأمريكية، وذلك عبر
بدء الحكومة بتقليص بنود النفقات ومنها العسكرية والنفقات الأخرى التي تذهب
للخدمات الاجتماعية للمواطنين وهذه مشكلة تواجهها الحكومة الأمريكية".
وأكد على أن
"أزمة المديونية لن تنتهي لأن حجم الدين أصبح يتجاوز حجم الناتج القومي
الأمريكي الذي يصل تقريبا إلى 22 تريليون دولار، بالمقابل حجم الدين الخارجي
تقريبا 27 تريليون دولار، وهذا الأمر يشكل ضغطا، وبالتالي الأزمة لن تنتهي ويختلف
التعامل معها من إدارة لأخرى، بمعنى أن كل إدارة ستقول كيف أستطيع التقليص من عجز
الموازنة العامة للدولة حتى أسدد المديونية".
مشيرا إلى أن "الأزمة ستستمر لفترة طويلة ولن يكون لها حل قريب، لأن الحكومة الأمريكية لديها برامج توسعية ولديها مشاكل في العلاقات الدولية مرتبطة بالتحدي الصيني والروسي وهذه المشاكل تفرض على الإدارة الأمريكية زيادة النفقات العسكرية وهو ما يفاقم الدين الخارجي".
ما تأثير الأزمة دوليا وعربيا؟
وتعيد أزمة
المديونية الأمريكية الحالية، الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008 للذاكرة، حيث
ساهمت الفقاعة العقارية هناك بنشوب أزمة اقتصادية في أمريكا ولاحقا في العالم أجمع، وقد وصل
عدد البنوك التي انهارت في الولايات المتحدة خلال العام 2008م إلى 19 بنكاً، كما
توقع آنذاك المزيد من الانهيارات الجديدة بين البنوك الأمريكية البالغ عددها 8400
بنك.
ما يدفع
للتساؤل عن تأثير الأزمة الحالية على الدول الأخرى بشكل عام والعربية بشكل خاص.
يؤكد الخبير
الاقتصادي مصطفى شاهين على أن "الدول الأخرى ومنها العربية لن تتضرر، ولكن من آثار الأزمة احتمالية عجز الحكومة الأمريكية عن السداد، وإذا فرضنا جدلا أنه حدث مع العلم أنها لن تعجز عن السداد فعلا، قد يؤثر ذلك على دائني أمريكا منها الدول العربية والصين".
وأضاف: "ولكن
هذا لن يحدث، بمعنى لن يأتي الوقت الذي تقول فيه الحكومة الأمريكية إنني سأتوقف عن
السداد، ولم يحدث بتاريخ أمريكا أبدا، وأزمة الدين الأمريكية 99 في المائة من
آثارها ستكون على الاقتصاد الأمريكي".
واستدرك
بالقول: "لكن هناك أمر وهو احتمال شبه مستحيل حدوثه وهو انهيار الولايات
المتحدة، بالتالي انهيار الدولار، وفي هذه الحالة الدول العربية وخاصة النفطية التي
لديها احتياطات من الدولار يمكن أن تتضرر، لأن الدولار وقتها سيصبح لا قيمة له، وهذا
الأمر لن يحدث ولا أراه بالمنظور القريب".
وفيما يخص تأثر
الدول العربية بأزمة المديونية الأمريكية قال شاهين: "في حال خفضت الحكومة
الأمريكية قيمة الدولار، وإن كان ذلك في صالح الولايات المتحدة، يمكن عندها القول إنها
ستؤثر على الدول العربية، ولكن التأثير سيكون بخفض قيمة الاحتياطات، ولكن في الوقت
الراهن أسعار البترول ترتفع بالتالي هذا الأمر في صالحها، بالتالي لا أعتقد بأن الدول العربية ستتأثر بقضية الدين الخارجي الأمريكي".
من ناحيته قال
ديكل: "إذا أصبح
النقاش بين الديمقراطيين والجمهوريين ساخنا، عندها سيحدث تقلب في أسواق الأسهم
والسندات الأمريكية، وبالتالي ستتضرر الدول التي تمتلك أسهمًا وسندات أمريكية، مثل
الدول العربية الأكثر ثراءً".
بدوره رجح كوهين، أن "يؤدي الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين إلى جعل
الدول الأجنبية التي تمتلك حيازات كبيرة نسبيًا من أذون وسندات الخزانة الأمريكية
تتساءل عما إذا كان ينبغي عليها تنويع أي احتياطيات إضافية بالدولار، وقد تقوم بتجميعها إلى أصول بغير الدولار".
وحول تأثير
الأزمة على الدول العربية استبعد كوهين أن "تكون هناك تداعيات مباشرة على
الدول العربية".
اقرأ أيضا: الكونغرس يقر ميزانية مؤقتة لتجنيب أمريكا "شللا فدراليا"
ما هو سقف الدين؟
يعرف سقف
الدين بأنه الحد الذي يفرضه الكونغرس لقيمة الدين العام الذي يمكن للحكومة أن
تقترضه خلال فترة معينة من الزمن، وعندما تصل الحكومة للحد الأقصى المسموح به من
سقف الدين عندها لن تستطيع استصدار أي سندات مالية أو نقود".
وحاليا قيمة
الإنفاق في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من الناتج المحلي، لهذا تقترض لتعويض
النقص، ويتم الاقتراض عبر وزارة الخزانة الأمريكية، من خلال إصدار السندات.
وينظر إلى
سندات الحكومة الأمريكية على أنها من بين أكثر الاستثمارات أمانا وموثوقية في
العالم.
ووضع الكونغرس
في عام 1939 حدًا إجماليًا أو "سقفًا" لمقدار الديون التي يمكن للحكومة
أن تتراكم عليها، ولكن تم رفع السقف في أكثر من 100 مرة على مدار عدة سنوات للسماح
للحكومة باقتراض المزيد، وغالبا ما يتم حل الأزمة عبر اتفاق الحزبين لذلك نادرًا
ما يكون موضوع مواجهة سياسية.
ومع ذلك كان
المشرعون الأمريكيون يستخدمون التصويت على سقف الديون كورقة ضغط حزبي في قضايا
أخرى، وكانت المواجهة الحزبية الأخيرة في عام 2013، حيث كانت الولايات المتحدة وقتها
في خطر جسيم من تجاوز "جرف الديون"، وذلك عندما وضع الجمهوريون عقبات
أمام خطط الإنفاق للرئيس الديمقراطي باراك أوباما.
وتبلغ قيمة الدين
في الولايات المتحدة الأمريكية حاليا 28 تريليون دولار، ولأول مرة تتخلف عن سداده
وكان ذلك في منتصف الشهر الجاري، وقد يؤدي ذلك إلى تأخير أو إجراء تعديلات على
الخدمة لكل برنامج حكومي متاح حاليًا، بينما يؤثر أيضًا على التمويل الفيدرالي
الفردي للولايات.
اقرأ أيضا: بايدن يقترح ميزانية بـ6 تريليونات لخطة طموحة لتجديد الاقتصاد
ووفقا لتقرير التقدير "المسبق" الصادر عن مكتب التحليل الاقتصادي، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل سنوي قدره 2.0 في المائة في الربع الثالث من عام 2021، وهو أقل من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الثاني والذي كان بنسبة 6.7 في المائة.
وكانت توقعات
المحللين تشير إلى أن نمو الاقتصاد الأمريكي سيكون بنحو 2.7 بالمئة، إلا أنه نما
في الربع الثالث بنسبة 2 في المائة فقط، ما يعني أن الاقتصاد الأمريكي ينمو بأبطأ
معدل له منذ أكثر من عام في الربع الثالث، مع إعادة فتح النشاط الذي بدأ سريعًا في
التلاشي.
شركة صينية عملاقة تجنب أسواقا عالمية أزمة باللحظات الأخيرة
بايدن: هبوط أسعار النفط يتوقف على إجراءات السعودية
اتفاق عالمي تاريخي على ضرائب الشركات.. ودول تبدي قلقها