أعلنت يوم الأثنين 11 تشرين الأول/ أكتوبر النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة، وقد شهدت لحظة الإعلان ارتباكا واضحا في أداء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، زاد من حدة التوتر الذي تسببت فيه النتائج نفسها!
وقد أشارت النتائج الأولية، إلى فوز غير مسبوق للتيار الصدري، حيث حصل حتى اللحظة على ما يزيد عن 70 مقعدا، أي ما يزيد قليلا عن 21٪ من مقاعد مجلس النواب، كما أشرت حصول تحالف تقدم الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب المنحل على 37 مقعدا، وحصول تحالف دولة القانون التي يرأسها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على 35 مقعدا قابلة للزيادة، بزيادة 10 مقاعد عما حصل عليه في العام 2018، وحصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على 32 مقعدا وهو رقم لم يصله في أي انتخابات سابقة. في المقابل خسر تحالفا الفتح وقوى الدولة الوطنية (وتضم تيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم وتحالف النصر بقيادة رئس مجلس الوزراء الأسبق حيدر العبادي) فلم يحصل الأول سوى على 14 مقعدا في هذه النتائج الأولية في حين كان قد حصل على 48 مقعدا في انتخابات العام 2018، ولم يحصل التحالف الثاني سوى على 4 مقاعد بعد أن حصلا مجتمعين على ما يزيد عن 62 مقعدا في انتخابات العام 2018 (حصل تحالف النصر حينها على 42 مقعدا، فيما حصل تيار الحكمة على 19 مقعدا) ولم يحصل الحزب الإسلامي وحزب الحل (المنضوي تحت تحالف عزم)على أي مقعد في هذه الانتخابات. هذه النتائج دفعت الخاسرين رفقة المالكي، إلى إعادة إحياء ما يسمى بالإطار التنسيقي، وقد أصدروا بيانا أعلنوا فيه رفضهم لنتائج الانتخابات بالكامل إذا ثبت هناك أي تزوير أو تلاعب أو عدم تطابق بين العد والفرز اليدوي والإلكتروني، وإعادة إحياء أيضا «تحالف البناء» الذي تشكل عام 2018 وضم تحالفي الفتح ودولة القانون وآخرين، ولكن هذه المرة مع انضمام الحكمة والنصر اليه!
لقد أدى ارتباك المفوضية، وهو ليس جديدا على أية حال فقد شهدنا حالات ارتباك سابقة في سياق عملها خلال ما يقرب من سنتين) إلى موجة تشكيك واسعة بنتائج الانتخابات، خاصة بعد إعلان المفوضية عن أن أكثر من 12 ألف محطة لم يتم إضافتها إلى النتائج المعلنة، وهي 8273 محطة بواقع محطة واحدة من مركز انتخابي يجب أن يتم عدها وفزها يدويا من أجل مطابقتها مع نتائج العد والفرز الالكتروني كم قرر ذلك قانون الانتخابات، و3100 محطة أخرى لم تصل نتائجها الالكترونية إلى المركز الوطني عبر الوسط الناقل أو لم تصل عصا الذاكرة (الفلاشة) الخاصة بها قبل إعلان النتائج الأولية، وهذا كان خللا كبيرا في عمل المفوضية!
بداية كان على المفوضية أن تعلن ان النتائج الأولية تمثل ما نسبته 89٪ من النتائج فقط، لا ان تعلن هذه النتائج بالطريقة المربكة التي أعلنت بها، وثانيا كان عليها أن تعلن نتائج الـ 8273 محطة ضمن إعلانها للنتائج الأولية، ثم تقوم بالاختيار العشوائي لهذه المحطات بحضور وكلاء الكيانات السياسية، ليكون هناك معطيات يمكن التحقق منها بعد المطابقة، لا أن يتم حجب نتائج هذه المحطات ثم يُعلن، لاحقا، أن المطابقة قد تمت وانها كانت بنسبة 100٪، في غياب المراقبة لعملية الاختيار هذه، أولا، وعملية المطابقة ثانياَ!
كما أن المفوضية لم تشر، لا من بعيد ولا من قريب، إلى ما تشترطه المادة 39/ ج من قانون الانتخابات الذي يلزمها بإجراء عملية تقاطع بصمات المقترعين في التصويت الخاص والعام في مدة لا تتجاوز 10 أيام من تاريخ الاقتراع العام، أي ان المهلة ستنتهي يوم 20 من هذا الشهر!
لقد شكل إعلان نتائج المحطات التي تمت مطابقتها، ثم الحديث عن 3100 محطة أخرى لم يتم نشر نتائجها، وهي تمثل ما نسبته 6٪ من عدد المحطات، مناخا مواتيا لزيادة حجم التشكيك في النتائج، لاسيما أن بعض التغييرات التي حصلت بدت وكأنها محاولات لترضية الخاسرين! خاصة في ظل وجود تراكمات وأزمة ثقة نتجت عن تسييس عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق منذ لحظة تشكيلها في أيار/ مايو عام 2004 حيث تحولت، في النهاية، إلى مجرد ممثلية للأحزاب! قلنا في مقال يوم الجمعة الماضي، إن الصراع في العراق ليس صراعا سياسيا تحكمه نتائج الانتخابات، بل هو صراع أكثر تعقيدا بسبب امتلاك العديد من القوى السياسية أجنحة مسلحة معلنة، وبالتالي فإن هذا السلاح هو الذي يحكم المعادلة السياسية وليس عدد المقاعد التي حصل عليها هذا الطرف او ذاك.
وبالتالي لا يمكن قياس علاقات القوة بين تحالفي سائرون/ التيار الصدري الحاصل على أكثر من 70 مقعدا، وتحالف الفتح الحاصل على 14 مقعدا حتى اللحظة، بناء على عدد المقاعد، بل تقاس قوة كل منهما بالسلاح الموازي الذي يمتلكانه، وبطبيعة العلاقات مع الفاعل الأهم في العراق وهي إيران، وبطبيعة التحالفات التي يمكن أن يتوصلا إليها مع الكتل الأخرى ومدى صلادتها.
بالتالي ما يحدث الآن، هو انتظار لتشكل تحالف صلد مدعوم إيرانيا يتشكل من دولة القانون والفتح ومن معهما (تحالف العقد الوطني، وتحالف قوى الدولة، وبعض المستقلين الذين سينضمون اليهم) ومقاعد هؤلاء ستكون في حدود 60 مقعدا حتى اللحظة، وهي قابلة للزيادة مع وجود مناخ عام يعتقد جازما أن النتائج الأولية ستشهد تغييرات «مقننة» بالضرورة، لإرضاء المسلحين الخاسرين أولا، ولتقليص الفارق بينهم وبين تحالف سائرون إلى أدنى نسبة ممكنة! وهو ما سيجعل كلا الفريقين، مضطرين وليسا مخيرين، إلى تشكيل تحالف بينهما ليكون الكتلة الأكثر عددا التي ترشح رئيس مجلس الوزراء القادم، وهو ما سيعني في النهاية أن رئيس الوزراء القادم لن يخرج من عباءة أي منهما، بل سيكون مرشح تسوية يقبل به الطرفان، سواء أعلنت هذه الكتلة الأكثر عددا كما يشترط الدستور، أم لم تُعلن، في تكرار لسيناريو عام 2018. ولكن اختيار رئيسي مجلس النواب السني، ورئيس الجمهورية الكردي، لن يخضعا هذه المرة لصراع الفاعلين السياسيين الشيعيين كما جرى عام 2018، وأغلب الظن أنهما سيرتبان أوراقهما هذه المرة حول هذين المنصبين، في سياق ترتيبهما لمنصب رئاسة مجلس الوزراء، وهو ما سجعل علاقات القوة هي التي تحكم هذا الاختيار وليس العرف الذي استمر على مدى السنوات الست عشرة الماضية، او عدد المقاعد التي تم الحصول عليها!