تقرير: لروسيا نفوذ متزايد في سياقات بناء الجيش واستخدامه على المستوى الاستراتيجي والعملياتي- جيتي
اهتم
مركز بحثي إسرائيلي بالحديث عن عملية إعادة بناء جيش النظام السوري بزعامة بشار الأسد،
ومدى تأثيره على الاحتلال الإسرائيلي، الذي يواصل هجماته من وقت لآخر في العمق السوري.
صراع
روسي-إيراني
وأوضح
"مركز بحوث الأمن القومي" التابع لجامعة "تل أبيب" العبرية، في
تقديره الاستراتيجي الذي أعده عنات بن حاييم، أنه مع قلة القتال في سوريا أواخر
2017، "بدأت مساعي بناء القوة العسكرية برعاية روسيا، ومنذئذ تظهر منافسة إيرانية-روسية
على النفوذ في بناء الجيش السوري وشكل استخدامه".
وأضاف:
"عمليا، لروسيا نفوذ متزايد في سياقات بناء الجيش واستخدامه على المستوى الاستراتيجي
والعملياتي، ومع بداية التدخل عام 2015، أقامت روسيا قيادة متعددة الأذرع ومركز عمليات
مشتركا، ما يعطل منصب هيئة الأركان السورية، بل حرصت روسيا على عدم تعيين رئيس أركان
للجيش السوري منذ 2018 وحتى اليوم".
ونوه
إلى أن "مبنى القيادة والتحكم الذي أرسته روسيا في سوريا، يضمن تدخل ضباطها ومستشاريها
في كل مستويات القتال في الدولة تقريبا، بما في ذلك مفهوم استخدام الجيش السوري، واستنفاد
أسلحته في ميدان القتال"، لافتا إلى أنه "رغم الصدارة الروسية، تعمل إيران
وحزب الله على تحقيق نفوذ على مبنى الجيش، خاصة نشر قوات هجومية، وصواريخ "أرض-أرض"، وطائرات هجومية مسيرة، في القتال المشترك تحت قيادة إيرانية مع وحدات الجيش السوري".
وأفاد
المركز، في تقديره الذي يأتي ضمن نشرة استراتيجية يصدرها بشكل شبه دوري تحت عنوان
"نظرة عليا"، بأنه "وفي التدخل الإيراني في بناء وتأهيل واستخدام القوات
الخاصة في الجيش السوري، بينها الفرقة الرابعة، بقيادة شقيق ماهر الأسد شقيق بشار الأسد".
ونبه
إلى أن "وحدات الأمن الداخلي ومليشيات شبه عسكرية موالية للنظام، والفيلق الأول
في الجيش السوري، المسؤول عن منطقة جنوب غرب سوريا والجبهة مع إسرائيل، هو هدف مركزي
في تدخل إيران ومعها حزب الله في الجيش السوري، وإلى جانب العديد من التدخلات لتطوير
قدرات الجيش، يمنح النظام رخصة لحزب الله لبناء شبكات عمليات ومشاريع بعيدة المدى في
مجال السيطرة على الفيلق، وإقامة غرفة حربية مشتركة بين الجيش السوري وحزب الله"،
لافتا إلى أن "المنافسة الروسية الإيرانية على النفوذ، تظهر في تعيين كبار قادة
الجيش، مثل قائد سلاح الجو السوري المقرب من طهران، والذي نحي عن منصبه بطلب روسي وعين
مكانه القائد السابق، المقرب من الروس".
وزعمت
الدراسة أن هناك "استياء روسيّا من تأثير إيران وفروعها على الجيش السوري في جنوب
سوريا"، مؤكدا أن "التأثير الإيراني محصور في المجالات التي توجد فيها لطهران
مصلحة واضحة تجاه إسرائيل، وهو محدود بانعدام المقدرات الكافية، وبسبب الكبح الروسي".
التهديد
وطبيعة القتال
وذكرت
أن "تهديد الاستهداف المركزي في مبنى الجيش السوري وإعادة بنائه هو داخلي، وعلى
رأسه الحاجة لإيقاع الهزيمة بقوى الثوار ومنع نموهم، علما أنه في الماضي كان تهديد
الاستهداف المركزي هو التهديد العسكري الإسرائيلي"، منوهة إلى أن "مبنى القوة
يتركز في الوقت الحالي على إقامة وتأهيل وحدات قتالية لتحقيق السيطرة في الدولة وحفظها،
قدرة تحريك عالية للقوات، القمع وإعادة السيطرة على المناطق في ظل مشاركة مليشيات مستقلة
وشبه عسكرية".
وأضافت:
"المبنى والتنظيم وبتوجيه روسي، توجه المقدرات المركزية لتوسيع غلاف القيادة والتحكم
بوحدات الجيش وبأجهزة الأمن، لغرض إعادة احتكار استخدام القوة بيد الجيش، وفي المرحلة
الحالية، لا تزال تعمل، ليس تحت قيادة الجيش، ميليشيات شيعية مؤيدة لإيران، تشارك إلى
جانب نظام الأسد، وأحيانا يغيب التنسيق العملياتي بين المليشيات الشيعية العاملة بشكل
مستقل، عن الخطط القتالية أو تكتيكات الجيش السوري، علما بأن الخطة الروسية، هي دمج
مجموعات من الثوار السابقين في صفوف الجيش لغرض تثبيت سيطرة النظام وتقليص خطر الثورة
من جديد".
أما
بالنسبة للقوى البشرية، فمنذ نهاية 2018، تم العمل على تجنيد مقاتلين وضباط للجيش بحيث
يكون في كل لواء ما لا يقل عن 11 ألف مقاتل، بعد الانتخابات، قرر الأسد إجراء تغييرات
شخصية في الجيش تضمنت تغيير أشخاص وتعيين آخرين، بعضهم ضباط كان قد تم تعينيهم قبل
بضعة أشهر، من هنا ينشأ الاعتقاد بأن روسيا هي التي تقف خلف التعيينات الجديدة في الجيش
وفي أجهزة الأمن لأجل ترفيع ضباط موالين لها وليس لإيران، ومعقول الافتراض أن الشخصيات
التي اختارتها روسيا، هم من سيقودون المعركة العسكرية التالية".
وحول
التدريبات؛ هناك "تشديد على تجديد عملية التدريب لرفع الأهلية العملياتية، وفي
هذا الجانب أيضا تعود الصدارة لروسيا، أما إيران ومن خلال حزب الله، تدرب قادة وقوات
ولكن بشكل أضيق".
وبشأن
بناء قدرات الدفاع الجوي، ذكر المركز أن "روسيا تساعد الجيش السوري على إعادة
بناء منظومة الدفاع الجوي، من خلال استخدام أسلحة وصواريخ "أرض-جو" متطورة
ذات قدرة اعتراض للقذائف الموجهة التي تطلق من بعيد، لكن موسكو تمتنع عن نقل بطاريات
صواريخ "أرض- جو" متطورة من "طراز S-400L300" لسوريا، علما بأن هذه
المنظومات تشكل تهديدا لطائرات سلاح الجو الإسرائيلي".
وعن
بناء قدرات هجوم مضاد، أكد أن "القدرات السورية على إنتاج وتركيب صواريخ
"أرض-أرض" تضررت أثناء الحرب، بسبب الهجمات الإسرائيلية على منشآت الإنتاج
والتركيب، ولا سيما تلك التي أقيمت وعملت بالتعاون مع طهران"، منوها إلى أن
"إيران وسوريا تبذلان جهدا مشتركا ومتوازيا لتركيب صواريخ "أرض-أرض"
لمسافات مختلفة، بما في ذلك تحسين دقتها وأساسا لتهديد الجبهة الداخلية لإسرائيل".
وكشف
مركز البحث الإسرائيلي أن "إيران نشرت في سوريا منظومات طائرات مسيرة، لم تتبين
بعد إذا كانت نقلت للجيش السوري أم أنها ستستخدم عند المواجهة من قبل فروع طهران".
وفيما
يخص قدرات هجومية بالسلاح الكيميائي "فسلسلة منشورات من الأمم المتحدة والإدارة
الأمريكية، تدل على أن سوريا تعمل على تجديد ترسانتها الكيميائية، ولا سيما غاز الكلورين
والسارين بمساعدة إيرانية، وإعادة بناء قدرات الإنتاج في سوريا نفسها، رغم التزامها
في 2013 بالقضاء على السلاح الكيميائي، وهذه القدرات الاستراتيجية يمكن أن توجه للداخل،
وهي كفيلة بأن تشكل سلاح ردع تجاه إسرائيل".
أما
عن نظرية القتال، "تسعى روسيا لغرس نظرية قتال في وحدات مشاة نوعية ومتحركة، كقوة
تدخل سريع تسمح بالحركة العالية والهجوم والسيطرة السريعة على الأرض، ويدور الحديث
عن استراتيجية مناسبة أكثر لاحتلال مناطق داخلية ضد الثوار وبقدر أقل لهجوم مبادر إليه
تجاه إسرائيل".
نجاعة
عملياتية محدود
وبينت
الدراسة أنه "رغم توجيه مساعي إعادة البناء في السنوات الأخيرة للجيش السوري وملاءمته
مع التحديات الحالية، فإن القدرة القتالية لقوات النظام بقيت محدودة، وهكذا أيضا نجاعتها
العملياتية تجاه التهديدات من الداخل والخارج، وهذا يرجع لسلسلة تحديات يقف أمامها؛
كثرة مراكز القوة في سوريا والتنافس بينها، وعلى رأسها الميليشيات التي تعمل بشكل مستقل
والوحدات الموالية لروسيا أو لإيران، تجعل من الصعب تحقيق الاحتكار لاستخدام القوة
في يد الجيش، إضافة إلى أزمة اقتصادية حادة تتسبب بغياب الميزانيات، والفساد في الجيش،
وغياب القوى البشرية النوعية، واستمرار القتال الداخلي في سوريا، إضافة للمعركة الإسرائيلية
المتحققة ضد التموضع الإيراني في سوريا".
ونوهت
إلى أن "الجيش السوري يجد صعوبة في أداء الجيش لمهامه؛ فقد فشلت كل محاولات السيطرة
أو تقليص مجال سيطرة الثوار في إدلب؛ في شرق سوريا، ومنطقة الذخائر الاستراتيجية للنظام؛
وحقول النفط والحدود مع العراق، وفي جنوب سوريا، وفي وقت استئناف القتال نهاية تموز
2021 في درعا، فشلت محاولة الجيش السوري لاستعادة السيطرة في المنطقة وجمع السلاح من
الثوار".
تحديات
وفرص
وأشارت
الدراسة إلى أن "الجيش السوري يشكل صورة مرآة للنظام؛ صلاحيات وقوة مهزوزة، وهو
متعلق بروسيا وإيران، وبناء قدرات مدرعة مخصصة لاحتلال المناطق حيال جيوش نظامية، كالجيش
الإسرائيلي في هضبة الجولان، دحر لأولوية متدنية، وفي المجال الهجومي، يتعلق الجيش
السوري كثيرا بإيران وحزب الله ولا سيما في جوانب نقل وتركيب وسائل هجومية، كالسلاح
الصاروخي والطائرات المسيرة الهجومية، التي ستحسن قدرات إيران في المس بمعظم مناطق
إسرائيل من سوريا".
وشدد
المركز على ضرورة أن "تكون إسرائيل يقظة أيضا للقدرات الكيميائية التي يعمل نظام
الأسد على إعادتها بمساعدة إيرانية، انطلاقا من الفهم، أن هذا السلاح الاستراتيجي من
شأنه أن يوجه ضدها أيضا".
ورأى
أن "التحدي العسكري الأساس، الذي يشكله الجيش السوري على الجيش الإسرائيلي اليوم،
هو في قدرة الدفاع الجوي، التي تقوم على قدرات روسية وتفعل بمشورة عسكرية روسية، لهذا
السبب على إسرائيل أن تواصل ممارسة الضغط السياسي على روسيا لمنع تسليم بطاريات صواريخ
"أرض – جو" متطورة للجيش السوري، وإذا ما نقلت هذه لتفعيل الدفاع الجوي السوري،
أن تهاجمها قبل أن تشكل تهديدا لسلاح الجو الإسرائيلي".
وتابع
مركز بحوث الأمن القومي التابع لجامعة "تل أبيب": "على نحو مشابه، على
إسرائيل أن تعمل وتدمر بطاريات الدفاع الجوي الإيرانية"، مضيفا: "صحيح حتى
هذا الوقت، يجب العمل بجملة من الوسائل ضد التموضع الإيراني وحزب الله في جنوب سوريا،
والذي يتم بتداخل وتنسيق مع الجيش ونظام الأسد".
وقدر
أنه من "المعقول أن توجه هذه القوة في اللحظة المناسبة لضرب إسرائيل من سوريا،
وإلى جانب المعركة المتواصلة ضد التموضع العسكري لإيران وفروعها في سوريا، على إسرائيل
أن تحسن التعاون مع المحليين المعارضين لتواجد الشيعة في هذه المنطقة، والذين يمكن
أن يشكلوا قوة مضادة لمساعي التموضع الإيراني".