على غير المتوقع، أخفق مجلس الأمن في التجديد لمهمة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لمدة عام، بسبب خلاف بريطاني روسي حول مشروع قرار أعدته بريطانيا ورفضته روسيا، مكتفيا بالتمديد لها حتى نهاية الشهر الحالي.
تركز الخلاف توقيع عقوبات على مرتكبي جرائم حرب، وحول الصيغة التي وردت في القرار حول خروج القوات الأجنبية والمرتزقة، إذ يبدو أنها حملت دلالات عن حمل الدول المعنية، ومن بينها روسيا، على إخراج قواتها من ليبيا، بينما كانت روسيا تفضل صياغة تتحدث عن الانسحاب فقط، ما يعطيها مرونة أكثر في التعامل مع الملف من دون ضغط ومساومات، وقفل أي مساحة أمام القوى الغربية المناهضة لوجودها العسكري المباشر في ليبيا، في إطار استراتيجيتها في تأسيس وجود مستدام يخدم مصالحها للتمدد وبناء النفوذ بأفريقيا.
يمكن فهم تصلب الموقف الروسي الجديد في مجلس الأمن في مواجهة مشروع القرار البريطاني، كرد فعل على الموقف الأمريكي المعارض لأي دور سياسي لسيف القذافي كما عبر عنه مساعد وزير الخارجية الأمريكي، بقوله إن ترشح سيف القذافي يمثل مشكلة للعالم، بينما تراهن روسيا عليه كورقة مهمة يمكن من خلالها استعادة نفوذها السابق في ليبيا، خاصة مع تراجع دور حفتر الذي لا يمكن لها أن تثق به بسبب علاقته مع المخابرات الأمريكية، ومن ثم سيتحدد دوره المرحلة كمسوغ لبقاء قواتها، وكقناة تواصل مع الأمريكيين.
تكثيف التحركات الدولية الأخيرة بزيارة مستشار وزارة الخارجية الأمريكية ديرك شوليت ولقاءته مع المسؤولين في طرابلس، والاجتماع رفيع المستوى المنتظر في نيويورك الذي ستترأسه إيطاليا بالمشاركة مع فرنسا وألمانيا على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، وما ينتظر من تحركات خلال ما تبقى من وقت قبل موعد الانتخابات، هو من أجل دفع الأطراف الليبية إلى التوافق حول قوانين الانتخابات، خشية مضي الوقت ومن ثم الاضطرار إلى التأجيل الذي يبدو أنه لا مفر منه، بالنظر إلى تعنت رئيس البرلمان ومؤيديه من النواب.
وفي الإطار نفسه يأتي التحرك المصري بدعوة حفتر وعقيلة صالح قبل يومين من استقبال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة. وكان منتظرا اجتماع الدبيبة من حفتر برعاية مصرية ولكن حفتر لا يبدو أنه بصدد التنازل والاعتراف بالحكومة خشية من التداعيات المحتملة، فشعبيته تتراجع في مناطق نفوذه، مقابل صعود أسهم الدبيبة، وإذا جرى اللقاء الذي سعت مصر من أجله فلن يكون بوسعه منع الحكومة من الحركة بأريحية في بنغازي، وهذا سيزيد من عزلته في مناطق لن يسمح لأحد بمنافسته فيها.
لكن إبرام عدة اتفاقيات وعقود ذات فائدة اقتصادية لمصر مع حكومة الدبيبة يشي بتطور لافت في المقاربة المصرية للأزمة الليبية. وسينعكس هذا التطور في مواقف صالح من مسألة سحب الثقة من الحكومة، وتعطيل الميزانية التي ستكون مصر بحاجة إلى إقرارها إذا أرادت تفعيل الاتفاقيات على الأرض وبداية عمل الشركات المصرية.
التراجع النسبي للدعم الذي وفرته مصر لحلفائها في الشرق الليبي خلال السنوات الماضية، مقابل توطيد العلاقة مع طرابلس وتتويجها بعقود اقتصادية، فرضته عدة متغيرات أولها التوجه الأمريكي نحو تهدئة الصراعات في المنطقة، والتقارب المصري التركي وتفكك جبهة الخليج المناوئة لتركيا وقطر.
لكن هذه التطورات في المواقف الدولية والإقليمية قد تصطدم بموقف روسي مختلف بعد رفض روسيا لقرار مجلس الأمن، وقد يجد فيها حفتر ملاذا أخيرا بعد تراجع.