العنوان خصصته منظمة العفو الدولية، لتقريرها عن الانتهاكات الفظيعة التي يتعرض لها "العائدون" إلى سوريا (ذاهب الى موتك)، يختصر الحكاية والمعاناة لعشرات بل لمئات وآلاف السوريين، الذين طالما صرخوا طلباً للنجاة من معتقلات ومسالخ الأسد البشرية.. عمليات اغتصاب ممنهج حسب الشهادات والتقارير، وقتل وتهديد وتعذيب وانتهاك للكرامة الانسانية.
توثيق منظمة العفو الدولية انتهاكات النظام غير المسبوقة، لم يكن الأول، فالتقارير المحلية للمؤسسات غير الحكومية، ولمنظمات المجتمع المدني، والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان؛ تصدر بهذا الشأن منذ عشرة أعوام، لكن دون جدوى، فقد بقيت جرائم نظام الأسد محمية ومستمرة ومتطورة.
والتقرير صَدر أثناء عملية الفرار البطولية للأسرى الفلسطينيين الستة من معتقل جلبوع، وإعادة اعتقال أربعة منهم.
تفاعل الشارع العربي والفلسطيني، مع بطولة أسرى فلسطين ونضالهم داخل المعتقلات الصهيونية، وتمكنهم من الفرار من أشد المعتقلات قساوةً وأمناً، في ذلك الوقت خرجت أبواق نظام الأسد ومن يدور في فلك "الممانعة" ليمتدحوا فعل أبطال فلسطين الأسرى. علت صيحات الإعجاب بنضال الأسرى على قنوات الممانعة، لتغطي على جرائم الاغتصاب في معتقلات الأسد، وعلى جرائم قتل وحرق المعتقلين.
الهارب من معتقل العدو الاسرائيلي أياً تكن ظروفه وواقعه؛ جعلته ممارسات نظام الأسد في "بحبوحة" يفتخر العقل الصهيوني بإنجازها مع من يتقاسم معه في دمشق فكرة العداء للكرامة الإنسانية وللبشر والحجر. هذا ما يحاول العقل الصهيوني بثه من مشاهد اعتقال الأسرى وإعادة محاكمتهم الصورية.
وإذا كان هناك أمل خلف القضبان، أو نسبة ضئيلة في زنازين العدو للأسرى لقهر إرادة السجان، من خلال عمليات الإضراب والتحدي، ورفع الصوت أمام المحاكم، وإيصال معاناة الحركة الأسيرة، فهناك على الجانب الآخر من حصة الفاشية والوحشية، التي انتزعها نظام الأسد عن "جدارة" في المعتقلات والأقبية.. حرقٌ لكل آمال المعتقلين، بتعذيبهم واغتصابهم أمام رجالهم ونسائهم وقتلهم بدم بارد.
كل ما يتعلق بملف عشرات آلاف المعتقلين والمغيبين في سوريا يُدون بصعوبة، وكذلك الحصول على معلومة ينجح ذوو الضحايا في تسريبها عن مصير من قتل تحت التعذيب، أو من حرقت جثته.
المقارنة واردة ومطلوبة بين من يذهب إلى موته تحت التعذيب لمطالبته بحرية وكرامة ومواطنة، وبين من يصارع قوة احتلالٍ استعماري استيطاني لنفس الأسباب. والمقارنة ليست للمفاضلة، بل لتفضيل العقل الاستعماري الصهيوني لنظام وحشي يزيح عن كاهله عبء اكتمال الجريمة.
على الرغم من الظلام القاتل، في الأقبية والسجون الإسرائيلية، استطاع أسرى فلسطينيون في حفرة الضوء التي ابتدعها المناضلون المعتقلون، تبشير الأحرار بانبعاث قوي من ثقوب الزنازين، سواء تلك القابعة على عمق أمتار تحت الأرض أو تلك التي يلفحها لظى حرارة صحراء النقب.
ارتفعت أصوات وقبضات الأسرى، برفض الانصياع والقبول بإجراءات سياسة العقاب الجماعي والقمع الشامل لهم. وكما هو معروف، حاول الإسرائيليون في إعادة اعتقال أربعة من الأسرى الهاربين من معتقل جلبوع، أن يكسروا إرادة الأسرى، وأن يبددوا فرحة الشارع الفلسطيني والعربي ببطولتهم التي مرغت قدرة وتفوق المحتل الأمني والتكنولوجي في حفرة سحيقة من العار.
لكن في المقابل، تبقى العيون والقلوب مشدودة إلى حلكة السواد التي تتشح بها معتقلات الأسد، والتي ترد في بيانات المنظمات المحلية والدولية.. أبشع وأقسى الانتهاكات في العصر الحديث، سواء لـ"العائدين" لوطنهم أو للقابعين في معتقلات النظام السوري. والعنوان الأخير لمنظمة العفو الدولية " ذاهب الى موتك" الذي يلخص مصير المعتقلين؛ هو تحطيم لكل الآمال البشرية.
في الهروب نحو الحرية من معتقلات العدو درس مؤاسٍ لمصير "ذاهب إلى موتك" في معتقلات الأسد. يتكثف فيهما معنى واحدٌ للحرية من قيد العدو و"الصديق"، وبدون أساطير مفبركة عن السجان والجلاد، أو لغز مصطنع عن الممانعة والعدو الذي لا يقهر.
استطاع أسرى فلسطين حل لغز قيدهم بقهر السجان بصبرهم وإرادتهم وبطولته، واستطاع الأسد أن يحل لغز عشرات الآلاف في أقبيته.. "الموت في انتظارك هنا"، والحرية تبزغ هناك في معتقلات العدو.
twitter.com/nizar_sahli