ينتمي أغلب وأهم أعماله إلى النقد السياسي والنقد الثقافي، لكنه عرف عند غالبية القراء بأعماله ضمن الأدب الخيالي.
عرف بموقفه السياسي اليساري المناهض للشمولية والشيوعية والذي انعكس على مجمل كتبه السياسية.
وكثيرا ما يسقط الكتاب والنقاد المعاصرون الأحداث في بعض رواياته على أحداث تجري في الوقت المعاصر وخصوصا الأنظمة الشمولية الموجودة في عدد كبير من دول العالم، وعلى الفساد والظلم والاضطهاد الذي تمارسه الحكومات السلطوية بحق شعوبها.
جورج أورويل واسمه الحقيقي إريك آرثر بلير المولود عام 1903 في الهند، لأب كان يعمل موظفا بسيطا في الخدمة المدنية الهندية، ولأم فرنسية الأصل، عاد مع والديه إلى إنكلترا بعد انتهاء وظيفة والده.
وبالرغم من كونه فتى انطوائيا، وغريب الأطوار وفقا لأقرانه ورفاقه في مرحلة الطفولة، فقد بدا على أورويل النبوغ والإبداع، بعد أن حصل على منح دراسية في مدرستين رائدتين وعريقتين في بريطانيا عام 1917.
لكنه رغم ذلك انقطع عن الدراسة بعد أن قرر عام 1922، وله من العمر 19 عاما، التوجه إلى بورما، للعمل في الشرطة الإمبراطورية البريطانية في الهند.
وأثرت الخدمة في بورما كثيرا على أورويل الحساس الذي يتمتع بحس أخلاقي عال، فشعر بالخجل من نفسه بسبب عمله كضابط شرطة استعماري، والتي ستظهر بشكل واضح في أعماله الروائية فيما بعد.
وتحت ضغط مشاعره هذه قرر العودة إلى إنكلترا والاستقالة من الشرطة البريطانية، بعد أن شعر بالذنب بسبب الحواجز العرقية والطبقية التي حالت بينه وبين الاختلاط مع الناس العاديين في بورما.
وانتقل للطرف الشرقي من لندن حيث عاش في بيوت متواضعة. وفيما بعد انتقل إلى باريس وعمل في عدد من الفنادق والمطاعم الفرنسية في غسيل الأطباق.
ورب ضارة نافعة، فقد صقلت هذه التجربة موهبته في الكتابة وأطلقت روايته الأولى "أيام في بورما" عام 1934، والتي كانت شهادة ميلاد له كأديب وروائي يتبنى قضية المساواة والعدالة الاجتماعية.
وواصل خطه الأدبي ضمن نفس النسق الإنساني فنشر في العام التالي رواية "ابنة القس"، والتي تدور حول فتاة عانس تعاني من الكآبة وتسعى للتحرر من خلال تجربة العمل بين بعض المزارعين، وعاد من جديد ونشر أطروحته السياسية "الطريق إلى رصيف ويجان"، وسلط فيها الضوء على تجربته في العيش بين المعوزين وعمال المناجم والعاطلين عن العمل، حيث وجه انتقادا لاذعا للحركات الاشتراكية.
انضم أورويل إلى المعارضة الجمهورية في إسبانيا في الحرب الأهلية أثناء الثورة على الجنرال فرانكو، وأُصيب بجراح خطيرة، كما قاتل ضد الشيوعيين في برشلونة، وكان لهذه التجربة أثر كبير في دفعه للوقوف في المعسكر المعادي للشيوعية، ليؤلف كتابه الشهير "الحنين إلى كاتالونيا" عام 1938، والذي يعتبره كثير من النقاد والقراء من أفضل أعماله الأدبية.
وضمن نفس الخط السياسي نشر عام 1939، رواية "الصعود إلى الهواء" أثناء قضائه إجازة في المغرب، والتي نشرت قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، ورفض أورويل الخدمة العسكرية إبان الحرب العالمية الثانية، وترأس الخدمة الهندية لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
كتاباته تنوعت بين الصحافة، والمقالات، والروايات، وتميز بغزارة أعماله خصوصا المواضيع المتعلقة بالمجتمع الإنجليزي المعاصر والنقد الأدبي، ووصف من قبل نقاد كثيرين بأنه "أفضل من كتب في تاريخ الثقافة الإنجليزية في القرن العشرين".
ورغم كل ذلك فقد جاءت شهرته العالمية عبر روايته الخيالية القصيرة "مزرعة الحيوان" التي نشرت عام 1945، التي تدور حول مجموعة من الحيوانات التي تطرد مالكها الفاسد، ليؤسسوا مجتمعا قائما على العدالة والمساواة، وما يلبث أن ينقلب قادة الثورة على أتباعهم ليشكلوا دكتاتورية أكثر قمعا وظلما من البشر، وهي رواية ناقدة بشكل رمزي للتجربة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، ولخيانة ستالين للثورة الروسية.
وفي خمسينيات القرن الماضي، استخدمت وكالة المخابرات المركزية "مزرعة الحيوانات" كأداة للدعاية المعادية للسوفييت ووزعت أعدادا ضخمة من النسخ. وبطبيعة الحال، منعت الرواية في الاتحاد السوفيتي، وما تزال محظورة حتى اليوم في العديد من الدول، ولو أنها متاحة بحرية في الصين.
وعاد أورويل وأكد مكانته الأدبية الراسخة من جديد عبر نشر رواية "1984" التي نشرت عام 1949 وحذر فيها من الأنظمة الشمولية، حيث يتكلم عن "أوقيانوسيا" و"أوراسيا" و"إيستاسيا" وهي ثلاث دول دكتاتورية وذات نظام شمولي لكنها متحاربة بشكل دائم.
وتنتمي الرواية لأدب "الديستوبيا" أو "الواقع المرير" والتي ظهرت فيها الشخصية الأدبية الشهيرة "الأخ الأكبر" المتسلط والذي يسيطر على كل شيء، وعبارة "الأخ الأكبر يراقبك" التي تشير إلى الجهة التي تسيطر على كل شيء وتتجسس على أدق التفاصيل في حياة المواطنين وتثير الرعب. والتي تذكر الشعب بأنه تحت المراقبة بشكل دائم.
وعادت رواية "1984" لتكون من أكثر الكتب مبيعا مرة أخرى بعد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عام 2016، بعد أن سخر منه الروائي فيليب روث ووصفه بـ"المهرج المتبجح".
وأيضا حين استخدمت المسؤولة بالبيت الأبيض كيلي آن كونواي جملة "نشعر أننا مضطرون للخروج لتنقية الأجواء وعرض الحقائق البديلة".
وشجب بعض المعلقين تصريحها باعتباره "أورويلي الطابع". وخلال دقائق دخلت الرواية قائمة "أمازون" للكتب الأكثر مبيعا.
ورغم أن أعمال أورويل الخيالية تمثل جزءا صغيرا من أعماله الكلية، إلا أن هاتين الروايتين كانتا أكثر أعماله مبيعا وشهرة وعرف بهما أكثر من غيرهما من كتبه إذ بيع ما يقرب من 50 مليون نسخة من هذين الكتابين مجتمعين وترجما إلى نحو 62 لغة عالمية.
كما كتب أورويل تحقيقات صحافية نشرت في عدة دوريات بريطانية، ونشر المئات من المقالات في صحف الأخبار الأسبوعية تتعلق بالنقد الأدبي والثقافي إلى جانب كتاباته السياسية الصريحة. كما نشر سلسلة مكونة من 15 مقالة أطلق عليها "خطابات لندن" في المجلة الأدبية السياسية "بارتيزان ريفيو".
كتب أورويل ست روايات هي: "أيام بورمية"، و"ابنة القس"، و"دع الدراقة تطير"، و"الصعود إلى الهواء"، و"مزرعة الحيوان"، و"1984".
وبعد وفاته جمعت أعمال أورويل الكاملة في سلسلتين: أولاهما بعنوان "المقالات المجمعة، المقالات الصحفية والخطابات (1968، 1970)" المكونة من أربعة مجلدات، أما الأخرى فهي "الأعمال الكاملة لجورج أورويل" المكونة من عشرين مجلدا عام 1980، وأضيف إليها ملحق بعنوان "أورويل المفقود".
توفي جورج أورويل عن عمر ناهز 46 عاما، في أحد مستشفيات لندن بعد معاناته مع مرض السل في عام 1950، ودفن في بلدة في شمال لندن.
وقبل أسابيع قليلة من وفاته قال أورويل: "لقد جنيت كل هذه الأموال والآن سأموت".
مات أورويل وبقي "الأخ الأكبر" يراقبنا ويتجسس علينا ويطاردنا في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى هواتفنا الذكية وبريدنا الإلكتروني، وفرض علينا الاستماع إلى روايته البديلة.
وكأن عبارته "إذا كنت تريد أن تستشرف صورة المستقبل، تخيل حذاء يدوس ويدمغ وجه إنسان إلى أبد الآبدين" هي الحاضر والمستقبل أيضا!