صحافة دولية

كاتب: دسائس القصر بالأردن خلفها واشنطن والرياض وإسرائيل

شدد الكاتب الأمريكي على أن مقاومة ملك الأردن لم تكن بلا ثمن- جيتي

قال الكاتب الصحفي الأمريكي، دافيد إغناتيوس إن التوتر الأخير في الأردن و"دسيسة القصر"، كانت بتحفيز من كبار الزعماء السياسيين في الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية.

وأضاف إغناتيوس في مقال بصحيفة "واشنطن بوست"، أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب كان يمني نفسه بصفقة قرن دبلوماسية بين العرب وإسرائيل، من شأنها أن توحد حلفاءه في المنطقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.


إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق، وذلك بسبب عصيان عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني ورفضه الانحناء أمام الضغوط التي مورست عليه من أجل التنازل عن وضع القدس والقضايا الأخرى التي تمس الفلسطينيين.


وشدد الكاتب الأمريكي على أن "مقاومة" ملك الأردن لم تكن بلا ثمن، "فقد تعرضت مملكة عبد الله لهزات على مدى السنوات الماضية بتحفيز من كبار الزعماء السياسيين في الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية".

 

اقرأ أيضا: WP: مسؤولون أردنيون يكشفون تفاصيل خطيرة بقضية "الفتنة"

 

اقرأ أيضا: الغارديان: مكالمات هاتفية تكشف المزيد عن ملف "الفتنة" بالأردن

وفي ما يأتي نص المقال كاملا:

 

كان الرئيس دونالد ترامب يمني نفسه بصفقة قرن دبلوماسية لإحلال السلام بين العرب وإسرائيل، من شأنها أن توحد حلفاءه في المنطقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.


إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق وذلك إلى حد بعيد بسبب عصيان عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني ورفضه الانحناء أمام الضغوط التي مورست عليه من أجل التنازل عن وضع القدس والقضايا الأخرى التي تمس الفلسطينيين. إلا أن مقاومته لم تكن بلا ثمن: فقد تعرضت مملكة عبد الله لهزات على مدى السنوات الماضية بتحفيز من كبار الزعماء السياسيين في الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية.


خرجت المشاكل التي يعاني منها عبد الله إلى العلن في مطلع شهر إبريل / نيسان عندما اعتقلت قوات الأمن التابعة للملك ثلاثاً من الشخصيات الأردنية البارزة ارتاب في أنهم يتآمرون على النظام، وهم: الأمير حمزة، ولي العهد السابق الذي طالما عملت والدته المولودة في أمريكا لتهيئته للجلوس على العرش، والشريف حسن بن زيد، أحد أقرباء الملك والزعيم العشائري القوي، وبسام عوض الله، الوزير الأردني السابق، الذي غدا من المستشارين المقربين لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.


أحال النائب العام الأردني التهم الموجهة للشريف حسن بن زيد وباسم عوض الله إلى محكمة أمن الدولة في الثاني من يونيو / حزيران إلا أن التفاصيل لم يتم الإفصاح عنها. يزعم تقرير حول التحقيقات الخاصة بالقضية، أطلعني عليه مسؤول مخابراتي غربي سابق، بأن ما قام به المتآمرون لا يرقى إلى الانقلاب بما يعنيه ذلك من الناحية القانونية والسياسية، إلا أنهم سعوا إلى تهديد الاستقرار في الأردن والتحريض على الفتنة.


لم توجه إلى حمزة أي تهم، ويقول التقرير الذي صدر عن التحقيقات بأنه وعائلته "يعيشون في كنف ورعاية جلالته." كما يزعم التقرير بأن حمزة لم "يقبل قط" بانتزاع ولاية العهد منه وسعى نحو "تقديم نفسه كبديل" لأخيه غير الشقيق، الملك.


ويمضي التقرير الأردني ليقول إن "عوض الله كان يعمل من أجل الترويج لصفقة القرن وإضعاف موقف الأردن وموقف الملك بشأن فلسطين والولاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس."


لم يتسن الوصول إلى حمزة أو إلى ابن زيد أو باسم عوض الله للحصول من أي منهم على تعليق على الأمر، كما لم تفلح محاولات الاتصال بالمحامين الذين يمثلونهم ويتحدثون نيابة عنهم.


فاجأت حالة الاضطراب الأردنية تلك المراقبين، بل ربما ظن بعضهم أن الملك ربما بالغ في تعامله مع بعض المشاكل العائلية. إلا أن إعادة تركيب الحكاية بدقة، بناء على معلومات جمعت من مصادر أمريكية وبريطانية وسعودية وإسرائيلية وأردنية، تكشف عن أن الضغوط التي مورست على الملك كانت حقيقية بالفعل، وأنها ما لبثت تتعاظم منذ أن بدأ ترامب في الدفع بخطته العظمى للسلام بالتعاون مع أهم حلفائه في المنطقة نتنياهو ومحمد بن سلمان. ولقد تأكد بالنظر إلى ما سلف من أحداث أننا كنا بصدد مخطط كان يجري الإعداد له في وضح النهار.


وكان جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه في موضوع المفاوضات، قد احتضن كلاً من نتنياهو ومحمد بن سلمان، بينما كان يزداد خصومة للملك الأردني، حتى غدا ترامب يعتقد بأن الملك يشكل عقبة في طريق عملية السلام، كما يقول أحد كبار المسؤولين السابقين في المخابرات الأمريكية السي آي إيه. وعلى الرغم من أنه لا يبدو أن ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان كانوا يعملون من أجل الإطاحة بالملك، إلا أن تصرفاتهم كانت تفضي إلى إضعافه وتشجع أعداءه.


حظيت حملة ترامب لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل بالتبجيل، حيث أفرزت ما يسمى اتفاقيات أبراهام التي تمخضت عن إقامة علاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. إلا أن الجائزة الكبرى التي كان يطمع في الحصول عليها كل من ترامب وكوشنر هي المملكة العربية السعودية – ولتمهيد الطريق نحو ذلك حاولا الضغط على الأردن رغم أن المملكة ولعقود كانت من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي.


أما الآن فقد تغير اتجاه الرياح: غادر ترامب البيت الأبيض، ويبدو أن نتنياهو في طريقه هو الآخر للمغادرة. وعاد الأردن إلى وضعه كحليف مفضل. يقول مستشارو الملك عبد الله إنه سوف يزور البيت الأبيض هذا الصيف، وسيكون أول زعيم عربي يلتقي شخصياً بالرئيس بايدن، بينما لا يزال وضع محمد بن سلمان مع إدارة بايدن معلقاً وما زال ينتظر مكالمة هاتفية أو دعوة رئاسية.


وهذا التوصيف للدسيسة التي وقعت داخل القصر هو نتاج حوارات أجريت مع عشرة من المسؤولين الحاليين والسابقين ممن لديهم معلومات مفصلة حول الأحداث التي جرت هناك. ولقد اشترطوا عدم الإفصاح عن هويتهم لكي يتسنى لهم الحديث عن معلومات استخباراتية حساسة حول واحدة من الصراعات الأقل وضوحاً ولكنها الأعظم أثراً خلال السنوات الأخيرة من حيث إمكانية تسببها في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.


في القلب من هذه الحكاية توجد مدينة القدس، العاصمة السياسية لإسرائيل والكنز الديني للمسيحيين والمسلمين، وكذلك اليهود. وذلك أن النظام الملكي الهاشمي في الأردن يستمد جل مشروعيته من دوره كوصي على المسجد الأقصى هناك، حتى وصف الملك عبد الله حماية المسجد، وهو من أقدس الأماكن عند المسلمين، بأنه خط أحمر بالنسبة للأردن. وكان الملك عبد الله طوال السنوات الثلاث الماضية يشعر بأن ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان كانوا جميعاً يسعون إلى انتزاع ذلك الدور منه، وذلك بحسب ما أفاد به شخص أمريكي على معرفة جيدة بالملك.


وبحسب ما يقوله عدد من المسؤولين المطلعين، فقد ظل كوشنر حتى آخر يوم من وجود ترامب داخل البيت الأبيض يدفع باتجاه تحقيق اختراق يسمح لولي عهد السعودية المتردد محمد بن سلمان في الانضمام إلى قافلة التطبيع. كان الأردنيون حينها قد جمعوا ملفاً يتضمن رسائل تم اعتراضها من اتصالات قام بها المتآمرون المزعومون، يظهر منها، كما تثبت الوثيقة الأردنية، قيامهم بالتحريض ضد النظام السياسي والقيام بأعمال من شأنها إثارة الفتنة. حينها بدت الصفقة شيئاً من الماضي.


بدأ الضغط على عبد الله منذ تنصيبه في عام 1999 بعد وفاة والده الملك حسين الذين كان صاحب كاريزما ودهاء. ولكن رغم ما كان يتمتع به الملك حسين من تميز وجاذبية إلا أنه تعرض أثناء حكمه للعديد من المحاولات الانقلابية ومحاولات الاغتيال والدسائس من قبل جيرانه. وبإبرام المملكة لمعاهدة السلام مع إسرائيل في 1994 حظي البلد بحماية إسرائيلية إضافة إلى الحماية الأمريكية. ما لبث عبد الله أن ورث نفس الوضع القائم على توازنات بالغة الحساسية، وهي التوازنات التي جعلت الملك حسين يطلق على مذكراته عنوان: "ليس سهلاً أن تكون ملكاً".


سرعان ما أصبح عبد الله زعيماً مدللاً لدى الغرب. وبفضل نمط حياة زوجته، الملكة رانيا، وتفكيرها المنفتح غدا نموذجاً في العالم العربي للزعيم الشاب الموالي للغرب والمقبل على التحديث، حتى صار يجتمع كل صيف مع النخبة السياسية والتجارية في الولايات المتحدة في لقاء تنظمه مؤسسة ألين وشركاه في صن فالي بولاية إداهو، فهو الزعيم الذي تجسدت فيه آمال الولايات المتحدة وإسرائيل في أن يعم السلام والإسلام المعتدل منطقة الشرق الأوسط.


أما علاقات الملك عبد الله بالمملكة العربية السعودية فكانت أكثر تعقيداً. كانت السلالة الهاشمية ذات يوم هي التي تحكم مكة والمدينة، ولكنها بعد اقتلاعها من هناك تولت حكم الأردن الذي يعاني من شح في الموارد والإمكانيات، مما جعلها تحتاج من أجل البقاء والاستمرار إلى التغذية المستمرة بدفعات مالية منتظمة ترد من آل سعود ومن الممالك الأخرى في منطقة الخليج. وفعلاً كان عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد الله، الذي حكم من 2005 إلى 2015 سخياً. وبحسب ما يقوله مصدر استخباراتي سعودي كان اهتمام الرياض بعمان يتركز على الاستقرار ثم الاستقرار فالاستقرار.


ومع صعود محمد بن سلمان، بعد استلام والده الملك سلمان للعرش السعودي، بدأ وضع النظام الملكي الأردني كأفضل صديق للولايات المتحدة يتبدل. سرعان ما حاز محمد بن سلمان على الإعجاب في الولايات المتحدة حتى غدا من المشاهير، وذلك بفضل خطة رؤية 2030 لتحديث المملكة والإجراءات التي اتخذها لتقييد صلاحيات المؤسسة الدينية إضافة إلى ما في شخصيته من رعونة جاذبة.


تحسنت حظوظ محمد بن سلمان عندما أصبح ترامب رئيساً في 2017 وقرر أن يختار الرياض لتكون أول محطة يزورها بعد استلامه لمهامه في الرئاسة. وعلى الرغم من أن محمد بن سلمان كان يقمع المعارضين والناشطات من النساء إلا أنه كان يروج له باعتباره إصلاحياً. ثم ما لبث أن توحش في توسيع صلاحياته وفرض هيمنته، فقام في 2017 بالانقضاض على ولي العهد المنافس له وسجن ما يزيد عن مائة من الشخصيات السعودية البارزة في فندق ريتز كارلتون إلى أن دانوا له بالطاعة والولاء وتنازلوا له عن بعض من أموالهم. ثم جاءت جريمة القتل البشعة بحق الصحفي المعارض جمال خاشقجي الذي كان من كتاب الأعمدة في صحيفة الواشنطن بوست، وذلك في أكتوبر / تشرين الأول من عام 2018، وهي الجريمة التي خلصت وكالة المخابرات الأمريكية إلى أنها ارتكبت بموافقة من محمد بن سلمان نفسه.


انضم الأردني باسم عوض الله إلى بطانة محمد بن سلمان بعد أن كان قد شغل من قبل منصبي وزير المالية ورئيس الديوان الملكي في الأردن. وكان قد غدا شخصية مثيرة للجدل في الأردن حيث يتهمه منتقدوه بأنه استفاد مالياً من قربه من الملك، الذي شجعه فيما بعد على الانتقال إلى الرياض، حيث بدأ حياة جديدة ويعمل مستشاراً لمحمد بن سلمان حول الخصخصة وخطط التحديث. ساعد عوض الله في تنظيم لقاءات على نسق دافوس، مثل منتدى مبادرة الاستثمار المستقبلي في 2018، والذي عقد بعد ثلاثة أسابيع فقط من وقوع جريمة قتل خاشقجي.


وطبقاً لمصدر سعودي كان قد تحدث مع أحد أصدقاء عوض الله، كان الأردني قد قال لصديقه السعودي إن محمد بن سلمان سأله بعد أول لقاء جمعهما: "لماذا لم ألتق بك من قبل؟" يقول المصدر السعودي إن مضمون تلك الرسالة كان "لقد أصبحت الآن لي".


بحلول عام 2018 بدأ العاهل الأردني يساوره القلق لأن بروز محمد بن سلمان كان يأتي على حساب الأردن. كنت قد سمعت عن ذلك من مسؤولين أردنيين كبار عندما زرت عمان في فبراير / شباط من عام 2018، حيث كانوا يخشون من أن الأردن، وبعد سنوات طويلة لم يلبث فيها شريكاً موالياً، يتم التخلي عنه بسبب افتتان ترامب بشخصية محمد بن سلمان وبالسعوديين – وبسبب حرصه على تمرير "صفقته النهائية" لحل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية بالرغم مما لدى الأردن من شكوك وتحفظات إزاءها.


في شهر مايو / أيار من عام 2018 نقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس بالرغم من الاحتجاج الشديد الذي أبداه الملك عبد الله. بسبب تلك الخطوة، وكذلك بفعل الأزمة الاقتصادية التي كانت تعصف بالأردن، انطلقت في شوارعه موجة من الاحتجاجات في شهر يونيو / حزيران 2018. فما كان من الملك سلمان الذي بدأ يشعر بالقلق إلا أن سارع بالانضمام إلى زعماء الخليج الآخرين متعهداً بتقديم مساعدة عاجلة قدرها 2.5 مليار دولار. إلا أن الأردنيين يقولون إن معظم تلك الأموال لم يصل منها شيء على الإطلاق.


انطلاقاً من نظرته كمستثمر في قطاع العقارات، كان كوشنر يرجو أن تقنع المحفزات الاقتصادية الفلسطينيين (وكذلك الأردنيين) بدعم خطة ترامب للسلام، وكشف كوشنر عن مقترحاته الاقتصادية في مؤتمر نظم في البحرين في الفترة من 25 إلى 26 يونيو / حزيران 2019 تحت عنوان "ورشة السلام من أجل الازدهار". كان يرجو أن يقبل الفلسطينيون في النهاية شكلاً محدوداً من السيادة وصيغة مختلفة للسيطرة في القدس مقابل ما سيقدم لهم من هبات مالية.


سافر الملك عبد الله إلى واشنطن في مارس / آذار 2019 للاستماع لشرح حول الخطة، وفي نفس الشهر صدرت عنه تصريحات علنية تعارضها بشدة. في مقطع فيديو على اليوتيوب بتاريخ الحادي والعشرين من آذار / مارس 2019، قال الملك عبد الله: "لن أغير موقفي بتاتاً تجاه القدس.. وبغض النظر عما يقوله الآخرون. فنحن لدينا واجب تاريخي تجاه القدس والأماكن المقدسة... هل هناك ضغط علي من الخارج؟ نعم، هناك ضغط علي من الخارج. ولكن بالنسبة لي هذا خط أحمر".


بل كان الملك عبد الله أشد جزماً في مقابلة نشرت في مقطع فيديو عبر اليوتيوب بتاريخ 26 مارس / آذار 2019 حيث قال: "أنا كهاشمي، كيف لي أن أتراجع أو أتخلى عن القدس؟ مستحيل... يتحدث الناس عن صفقة القرن أو عن وطن بديل. كيف؟ أليس لنا صوت؟".


كان كوشنر يحلم بأن يؤدي دعم السعودية ودعم العرب الآخرين لخطته إلى التغلب على المعارضة الأردنية والفلسطينية. ولربما تعزز هذا الرجاء بفضل مقال رأي نشر في صحيفة هآريتز في الثالث من يوليو / تموز 2019 مباشرة بعد مؤتمر البحرين، وكان بقلم مالك دحلان، وهو محام سعودي مقيم في لندن ومن الشخصيات المقربة من الأمير حمزة.


رأى دحلان أن التكاليف ستكون باهظة فيما لو انهارت خطة كوشنر، وقال: "فيما لو فشلت، فمن المحتمل أن تطيح معها بمبادرة السلام العربية (التي تتبناها السعودية) وتنهي الزخم الإقليمي الذي تشكل مؤخراً باتجاه السلام. وسيكون ذلك كارثياً".


ثم راح المحامي السعودي بعد ذلك يضع ملامح تسوية قال إنها سوف تبدأ "باتفاق حول إدارة الأوضاع في القدس... وهذه المقاربة، التي ترى القدس أولاً، تعتمد فكرة التدويل التكاملي، والتي بالمناسبة هي وصفة أرى تطبيقها أيضاً على مكة والمدينة." وفي مقابلة عبر الهاتف يوم الخميس قال دحلان إن مقاربة "التدويل التكاملي" كان يقصد منها جذب وإشراك البلدان الإسلامية والغربية الأخرى ولم يقصد منها انتزاع الولاية الأردنية أو الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى.


ومع تزايد الضغط على النظام الملكي في الأردن من الداخل ومن الخارج، بدأت الأجهزة الأمنية التابعة للملك في التحقيق بتهديدات محتملة لنظامه. ولكن نظراً لأن الأدلة التي تم جمعها حتى الآن لم تخضع للاختبار في المحاكم الأردنية ولا في المنتديات الدولية، فإنه يصعب الخلوص إلى أحكام نهائية. إلا أن مسارعة الولايات المتحدة والبلدان الغربية الأخرى إلى تبني الملك والتعبير عن دعمها له بعد ما نشر في شهر إبريل / نيسان من تقارير حول مخطط مزعوم يفهم منها أن هذه البلدان أخذت على محمل الجد ما عبر عنه الملك من قلق.


بدأت التحقيقات قبل عامين، بحسب ما ورد في التقرير الأردني حول التحقيقات، والذي نص على ما يلي: "في منتصف عام 2019، أشارت المعلومات إلى أن الشريف حسن بن زيد اجتمع مع مسؤولين اثنين من إحدى السفارات الأجنبية للاستفسار عن موقف ذلك البلد من دعم الأمير حمزة كبديل للملك، واستمر الشريف حسن في التواصل مع السفارة المذكورة فيما بعد." يقول مسؤول المخابرات الغربي السابق الذي زودنا بالتقرير إنه يعتقد بأن السفارة المشار إليها ربما كانت سفارة الولايات المتحدة.


ويمضي التقرير الأردني في القول: "في عام 2020، تواصل عدد من الشخصيات العشائرية مع الأجهزة الأمنية ولفتوا نظرها إلى محاولات من قبل بعض مساعدي الأمير حمزة الحصول على دعم منهم ومن أفراد عائلاتهم." بنهاية عام 2020، كما يلاحظ التقرير، "أشارت المعلومات التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية إلى وجود اتصالات مكثفة بين الأمير حمزة والشريف حسن وباسم عوض الله".


في عام 2020، كثف كوشنر من جهوده للدفع قدماً بصفقة السلام التي اقترحها ترامب، فنشر التفاصيل السياسية للتسوية الفلسطينية في يناير / كانون الثاني، ولكنها ولدت ميتة بسبب مقاومة الفلسطينيين لها. ثم ما لبثت أن حصلت تطورات تبعث على الأمل في شهر أغسطس / آب، وذلك بالإعلان عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وفي سبتمبر عن اتفاق مماثل بين إسرائيل والبحرين.


إلا أن العاهل الأردني ظل عقبة كؤوداً. وحينها شكى عوض الله لضابط مخابرات أمريكي سابق عن شعور محمد بن سلمان بالإحباط، وبحسب ما ذكره المسؤول الأمريكي السابق فقد قال عوض الله: "المعضلة بالنسبة لنا هي الأقصى. والملك عبد الله يستخدم ذلك لكي يزجرنا ويحتفظ بدوره في الشرق الأوسط. ولذلك فإن محمد بن سلمان منزعج لأنه لا يستطيع التوصل إلى صفقة لأنه لا يستطيع التعامل مع ردود فعل الفلسطينيين فيما لو تمسك الملك بموقفه بشأن القدس".


بحسب ما أوردته صحيفة أخبار إسرائيل فقد بادر بيني غانتز، رئيس هيئة الأركان المتقاعد والذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومة نتنياهو، بالقيام بزيادة سرية إلى عمان في مطلع عام 2021 لطمأنة الأردنيين بعد أن بلغ به القلق أشده جراء تدهور علاقات نتنياهو بالملك عبد الله.


وفي لقاء جرى بعد ذلك مع أنصاره عبر زوم، قال غانتز: "أعتقد أن الأردن مكسب عظيم لإسرائيل... لسوء الحظ نتنياهو شخص غير مرغوب فيه في الأردن ووجوده يضر بتطوير العلاقات والدفع بها قدماً." ولعل في ذلك إشارة إلى ما يساور المؤسسة الأمنية في إسرائيل من قلق بشأن احتمال زعزعة الأوضاع في الأردن.


تسارعت وتيرة المخطط المزعوم في 2021 حسبما يزعم التقرير الأردني عن التحقيقات، حيث يقول إن أجهزة الأمن اعترضت رسائل واتساب بين المتآمرين الثلاثة "تشجع الأمير حمزة على القيام بتحرك، وتشير – عبر عبارات مشفرة – إلى ضلوع أفراد وأطراف أخرى".


وقيل إن عوض الله كان يشار إليه في الرسائل المعترضة بعبارة "بلا تزييت" لأنه لا يشرب، بحسب ما يفيد مسؤول استخباراتي غربي سابق. يؤكد التقرير أن عوض الله قال في إحدى الرسائل التي تم اعتراضها إن الشخصيات والزعامات العشائرية التي تدعم حمزة تحظى بدعم من "رئيسي"، الذي ربما يقصد به محمد بن سلمان، كما يقول المسؤول السابق. ويتهم التقرير عوض الله بالتآمر مع "أجندات أجنبية" والسعي إلى "إضعاف" دور الأردن كوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس.


وبينما كان الأردن يسعى جاهداً للتعامل مع تداعيات جائحة كوفيد 19، زاد حمزة من تواصله مع زعماء العشائر ومع المجموعات الأردنية الأخرى، حتى أنه عقد في مطلع 2021 ما يزيد عن ثلاثين اجتماعاً، بحسب ما ورد في التقرير عن التحقيق. وعندما قرر عوض الله فجأة تقديم موعد مغادرته إلى المملكة العربية السعودية بأسبوع، إلى الرابع من إبريل / نيسان، قررت السلطات أنه حان الوقت للتحرك.


اعتقل باسم عوض الله وحسن بن زيد في الثالث من إبريل / نيسان، واعتقل بمعيتهم ما لا يقل عن عشرة آخرين، بينما وضع حمزة تحت الإقامة الجبرية.


فيما بعد توسط الأمير حسن، شقيق الراحل الملك حسين والذي كان نفسه ولياً للعهد من قبل، لإبرام صفقة سلام عائلية. فما كان من دحلان إلا أن أرسل تصريحاً إلى وكالة الأسوشييتد بريس يقول فيها إن حمزة قبل الوساطة وبأنه يتوقع "حلاً قريباً للأزمة"، وأضاف: "لدى الأمير حمزة الكثير مما يقدمه للمملكة وللعالم العربي".


بادر ممثلون عن أجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بما في ذلك الموساد والشين بيت، بتوجيه رسائل خاصة إلى الملك الأردني، يتنصلون فيه من أي دور في المخطط المزعوم. وكان موضوع الرسائل كما يقول مسؤول سابق في المخابرات الأمريكية اطلع عليها: "هذا ليس منا، بل يأتي ممن يتقدمنا" – ولعلهم يقصدون بذلك نتنياهو.


يتوقع مستشارو الملك عبد الله أن يصل إلى الولايات المتحدة في أواخر شهر يونيو / حزيران. ولسوف تؤكد زيارته إلى البيت الأبيض تارة أخرى حقيقة تتعلق بأعضاء السلالة الهاشمية: في خضم الفوضى اللانهائية التي تعم عالم السياسة في الشرق الأوسط، فإن لديهم القابلية للنجاة والبقاء.