ملفات وتقارير

ثلاثة أسابيع دون مسيرات.. هل توقف الحراك بالجزائر؟

اشتكت منظمات حقوقية مما اعتبرته استعمال السلطات الجزائرية، القمع لمنع المواطنين من حقهم في التظاهر- تويتر

خلت شوارع المدن الكبرى في الجزائر، للأسبوع الثالث على التوالي من جموع المتظاهرين الذين تعودوا على الخروج كل ثلاثاء وجمعة، منذ نحو سنتين للمطالبة بالتغيير الجذري لنظام الحكم.

وباتت السلطات الأمنية تظهر إصرارا أكبر على منع المسيرات في العاصمة منذ يوم الجمعة 14 أيار/ مايو الماضي، حيث يتم حشد قوات كبيرة من أعوان الشرطة، بشكل يعيق أي تجمع أو تحرك للمواطنين.

ولم يتمكن من تعودوا النزول للمسيرات، في الأسبوعين الأخيرين من ذلك، بسبب إحكام القبضة الأمنية وسد كل المنافذ المؤدية إلى مكان المسيرات التقليدي بالعاصمة وتعرض كل من يتجرأ على التظاهر أو الاستعداد له للتوقيف.

وسبق منع مسيرات الجمعة، وقف مظاهرات حراك الطلبة التي كانت تنظم كل يوم ثلاثاء وتضم أعدادا أقل من المتظاهرين، ولم يستطع الطلبة الاستمرار بعد توقيف العديد من الأسماء البارزة منهم وملاحقتهم قضائيا.

جدل حول منع المسيرات

واشتكت منظمات حقوقية مما اعتبرته استعمال السلطات الجزائرية، القمع لمنع المواطنين من حقهم في التظاهر المكرس في الدستور الجديد للبلاد، على الرغم من الطابع السلمي للمسيرات.

ويقول سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن الوضع الحقوقي "في تردّ وهو جد مقلق"، على مقربة من الانتخابات التشريعية المقبلة، بعد تكثيف حملات التضييق والقمع ضد كل الأصوات التي ترفض خارطة الأمر الواقع.

وأوضح صالحي في حديث مع "عربي21" أن القمع لم يستثن أحدا سواء من نشطاء الحراك أو أحزاب المعارضة والمجتمع المدني أو الصحفيين والمحامين والقضاة والحقوقيين، مشيرا إلى أن "قائمة معتقلي الرأي تزداد كل يوم، إذ لم يسبق أن وصلنا إلى الرقم 201 الذي نحن عليه اليوم في أكثر من 30 ولاية".

وذكر صالحي أن منظمته رصدت منع مسيرات الطلبة والحراك في عدة ولايات منها العاصمة، لافتا إلى أنه منذ 7 أيار/ مايو تم اعتقال الآلاف، منهم ألفا معتقل في أسبوعين، والعديد هم في إفراج مؤقت.

وتتزامن هذه الإجراءات مع تنشيط الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية الحملة الانتخابية، ومنهم من أظهر تأييدا لوقف المسيرات على اعتبار أنها "باتت تستهدف مؤسسات الدولة".

وبرز من هؤلاء السياسيين، الطيب زيتوني الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي وصف في خطاباته المسيرات بأنها غير مسؤولة وموجهة بحسبه من جهات أجنبية لضرب مؤسسة الجيش.

وأوضح زيتوني أن المرحلة الحالية لا تتحمل مغامرة سياسية أو التلاعب بإرادة الناخبين بغرض إشعال الفتنة، مؤيدا في سياق كلامه رفض السلطات استمرار المسيرات.

"المسيرات ليست كل الحراك"

ودفع هذا الواقع الجديد بعض المتابعين للحديث عن نهاية الحراك الشعبي بعد أكثر من سنتين على انطلاقه، بسبب عدم قدرته على الاستمرار في التجنيد في الشارع بالكثافة التي كانت في السابق.

وفي اعتقاد نوري دريس الباحث في علم الاجتماع السياسي، فإن الحديث عن نهاية الحراك سابق لأوانه، على اعتبار أن "أسباب بقائه لا تزال قائمة في نظر الكثير من الجزائريين حتى من الذين توقفوا عن النزول للشارع".

وأوضح دريس في حديث مع "عربي21" أن "الحراك هو ديناميكة سياسية واجتماعية، تبلورت منذ 22 شباط/ فبراير 2019، تتغذى من فشل السلطة في حل مشاكل الجزائريين، ومن رفضها الاستجابة لمطالبهم في دولة القانون والديمقراطية والتداول على السلطة.

وأبرز دريس أن المسيرات هي أداة الحراك الأساسية، ولكنها ليست كل الحراك، إذ يمكن "إنهاء المسيرات لفترة بتعبئة كل أجهزة الأمن، ولكن هذا لن يجعل الجزائريين حتما أكثر قبولا للسلطة".

وتابع دريس بأن إفرازات الانتخابات القادمة "سوف تزيد من إحباط الجزائريين"، مشيرا إلى أن "الفئة القليلة التي تعتقد أن هوامش صغيرة فتحت أمامها لتحسين وضعها الاجتماعي عبر الترشح للبرلمان، سوف تصيبها الخيبة".

"قدرة الحراك على التغيير"

وعلى الرغم من آمال التغيير التي بعثها الحراك الشعبي، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الفاعلين المنخرطين فيه من الدعوة إلى القيام ببعض المراجعات، خاصة على صعيد غياب مشروع جامع والتوحد على مطالب مشتركة بين مختلف مكوناته.

ويرى البروفيسور رابح لونيسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، أن الحراك الشعبي "أكد أن سياسة الشارع ضعيفة الفعالية، فهي مجرد أداة تستخدم من طرف أجنحة في إطار صراعاتها داخل النظام".

وأوضح لونيسي في حديثه مع "عربي21" أن توظيف المسيرات لدعم أجنحة في النظام، ليس بالأمر الجديد في الجزائر، "فلو نعود لتاريخ الجزائر نجد الكثير من تحركات الشارع إن لم نقل جلها تم توظيفها في صراع أجنحة مثل انتفاضة تشرين الأول/ اكتوبر 1988 (كانت مقدمة للتعددية السياسية والإعلامية في البلاد).

ولعلّ هذا، بحسب لونيسي، ما جعل البعض يفهم أن السياسة الفعلية تمارس داخل النظام، فذهب البعض للمشاركة في الانتخابات، كما فهم آخرون أن التغيير وفرض سياسات ومشاريع معينة تتم بدعم عناصر قريبة من تلك السياسات والمشاريع موجودة بداخل النظام ذاته لأنه في الحقيقة كل ما هو موجود في المجتمع من مشاريع وأفكار وأيديولوجيات موجود أيضا داخل النظام.

 

اقرأ أيضا: الجيش الجزائري يدعو أفراده للمشاركة في الانتخابات وحمايتها