أثار ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان جدلا واسعا بعد تصريحه عن احتمالية قتل بعض الحاملين للأفكار المتطرفة، حتّى وإن لم يكونوا إرهابيين.
ابن سلمان، خلال لقاء مع الإعلامي عبدالله المديفر قبل أيام، أجاب على سؤال الأخير حول ما إذا كان اعتقال الدعاة منذ أكثر من 3 أعوام "تحييد لخطر محتمل، أو أنهم متورطين بالفعل بقضايا"، بالقول: "مافي شك المملكة كانت هدفا رئيسيا للمشاريع المتطرفة والإرهابية في أنحاء العالم، إذا أنا أسامة بن لادن أبغى (أريد) أنشر فكري المتطرف في العالم كله، وخصوصا بين المسلمين، أبدأ في الدولة اللي فيها قبلة المسلمين وحجاج المسلمين والمعتمرين..، وإذا نجحت في نشر مشروعي هناك، تلقائيا سينتشر حول أنحاء العالم".
وتابع: "كل فكر متطرف عندما يريد أن يبدأ بلا شك يستهدف المملكة، كنا في مرحلة من المراحل، مرحلة صعبة جدا في الخمسينيات إلى السبعينيات، المشروع العروبي، والمشاريع الاشتراكية والشيوعية، وغيرها من المشاريع في المنطقة، اللي أعطت فرصة لكثير من الجماعات المتطرفة أنها تدخل بشكل أو بآخر إلى المملكة، وتصل إلى مواقع مختلفة في الدولة والاقتصاد إلخ، ونتج عنها عواقب لا تحمد، شفنا أثرها في السنوات الماضية".
وبحسب ابن سلمان، فإن أحد أسباب اعتقال الدعاة والمفكرين والكتاب هو تطوير البلاد، قائلا: "اليوم ما نقدر ننمو، ونجذب رؤوس أموال، ونعمل سياحة، ما نقدر نتقدم بوجود فكر متطرف في المملكة، إذا تبغى ملايين الوظائف، والبطالة تنزل، والاقتصاد ينمو، ودخلك يتحسن، يجب أن تستأصل هذا المشروع لمصلحة دنيوية، ناهيك عن مصلحة أمام الله سبحانه وتعالى، لأن هؤلاء لا يجب أن يمثلوا ديننا الحنيف، ومبادئنا السمحة بشكل أو بآخر، فبلا شك هذه جريمة نتج عنها إنشاء منظمات إرهابية، وجماعات متطرفة، قتلت أرواحا في جميع أنحاء العالم، قتلت أرواحا في السعودية، أضاعت مصالح اقتصادية، فبلا شك هذا عمل إجرامي".
وتحدث بعد هذه المقدمة بشكل صريح عن نوايا بإعدام المعتقلين، قائلا: "التطرف في كل شيء غير جائز، والرسول عليه الصلاة والسلام تكلم بأنه في يوم من الأيام سيخرج من يتطرف، فإذا خرجوا اقتلوهم"، معتبرا أن المقصود بكلامه ليس شرطا أن يكون إرهابيا بالمعنى المتعارف عليه.
حديث وتلميح ابن سلمان عن إمكانية لجوء السعودية إلى إعدام بعض المعتقلين، لم يكن وليد اللحظة، إذ بدأ مع مقربين منه، بالإضافة إلى مؤسسات دينية سعودية رسمية، بالتمهيد له منذ شهور وسنوات.
اقرأ أيضا: ابن سلمان ينسب لنفسه إنجازات لم يفعلها.. كيف علق النشطاء؟
مطالبة النيابة
في النصف الثاني من العام 2018، كشفت وسائل إعلام عن مطالبة النيابة العامة في السعودية، بإصدار حكم بالقتل تعزيرا ضد أبرز الدعاة المعتقلين (سلمان العودة، عوض القرني، علي العمري)، وذلك بعد توجيه لوائح تهم ضخمة لهم.
فمن بين التهم الـ37 الموجهة للشيخ العودة: "الإفساد في الأرض بالسعي المتكرر لزعزعة بناء الوطن وإحياء الفتنة العمياء وتأليب المجتمع على الحكام"، و"الدعوة إلى الخلافة وتغيير الحكومة في السعودية"، والدعوة إلى "زج المملكة بالثورات الداخلية".
ولا يزال القضاء السعودي يؤخر إصدار الحكم ضد الشيخ العودة، وهو ما دفع ذويه ومنظمات حقوقية إلى القلق من الحكم المتوقع.
يقول المعارض السعودي في لندن سعد الفقيه؛ إنه لا يمكن التنبؤ بالقرار المرتقب نظرا لأن القضاء في السعودية مسيس وليس مستقلا.
ويتابع بأنه من غير المستبعد أن يتم الحكم بإعدام الشيخ العودة وآخرين، وأيضا من غير المستبعد أن يتم إطلاق سراحهم والاكتفاء بمدة سجنهم، وتناسي التهم الضخمة الموجهة إليهم. (هنا)
وما أشار إليه الفقيه تحقق مع الناشطة لجين الهذلول، التي اتهمت بالتجسس لدول ومنظمات خارجية، قبل أن يطلق سراحها بنصف المدة (5 سنوات).
فتاوى رسمية
منذ وصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة كولي لولي العهد في نيسان/ أبريل 2015، بدأت معالم التغير تظهر على الجهات الدينية الرسمية في المملكة، وظهر هذا التغير علنا بعد تعيينه وليا للعهد في حزيران/ يونيو 2017.
ففي تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، أصدرت هيئة كبار العلماء في السعودية، بيانا اعتبرت فيه أن جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية، لا تمثل منهج الإسلام، وتتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالف من الفرقة وإثارة الفتنة والإرهاب".
وعلى الفور، وجّه وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد عبد اللطيف آل الشيخ، الخطباء كافة تحت طائلة المسؤولية، بتخصيص خطبة الجمعة لتأييد بيان هيئة كبار العلماء.
وقال: "ولي العهد وقف موقفا بطوليا شجاعا من هذه الجماعة؛ حرصا على استقرار المملكة وأمنها".
وفي كانون أول/ يناير الماضي، نشرت الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، فتوى لعضو اللجنة الدائمة للإفتاء صالح الفوزان، يقول فيها؛ إن "أصل منشأ جماعة الإخوان الإرهابية هم الخوارج، بل زاد شرّهم أشد من الخوارج"، واعتبر أن الخوارج لم يقوموا بتفجير المنازل والمتاجر، وترويع النساء والأطفال، معتبرا أن الإخوان "أشبه بالقرامطة".
وفي كانون ثاني/ يناير الماضي أيضا، أصدرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بيانا اعتبرت فيه أن "الإخوان" من جماعات الخوارج.
وقال رئيس الهيئة عبدالرحمن السند: "نحن في هذا الزمن ابتلينا بجماعات وأحزاب هي على عقيدة الخوارج، وعلى أصول هذه الطائفة وقواعدهم التي خالفوا بها منهج أهل السنة والجماعة، فإنهم وإن تسموا بأسماء أخرى، لكنهم هم الخوارج".
وقال السند في حوار مع قناة "العربية"؛ إن "الإخوان المسلمين خوارج، كلما خرج منهم قرن قُطع حتى يخرج في عراضهم الدجال، أي حتى قيام الساعة".
وتابع: "تغلغلوا في كل مؤسسات الدولة، بما فيها الهيئات، ونسعى جاهدين إلى محاربة فكرهم؛ لأنهم طلاب حكم، ويوغرون الصدور على ولاة الأمور".
الفتاوى السابقة تعني بحسب هيئة كبار العلماء في السعودية أن من يدان بأنه من الخوارج يجوز قتله لكن بأمر من الحاكم، إذ يقول الفوزان في فتوى سابقة: "ليس من حق كلِّ أحدٍ أنَّه يقتل الخوارج، وإنَّما هذا من صلاحيات وُلاة الأمور، فإذا جند وليُّ الأمر جندا لقتال الخوارج، فإننا نقاتل تحت رايته".
فيما ذهب العلامة عبد العزيز ابن باز، مفتي السعودية السابقة، إلى أن الخوارج كفار، بدليل الحديث النبوي أنهم "يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه"، حاثا إلى التعامل معهم كما قال النبي عليه السلام "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد".
اقرأ أيضا: ابن سلمان يلمح للجوء إلى قتل مخالفيه.. وجدل (شاهد)
حملات الهيئة
منذ تجريدها من صلاحياتها السابقة كافة في نيسان/ أبريل 2016، وحديث رئيسها العام عبد الرحمن السند، عن فصل المئات من منسوبيها بدعوى تطرّف أفكارهم، حوّلت هيئة الأمر بالمعروف جل نشاطها نحو شيطنة جماعة الإخوان المسلمين وتجريمها، والتيار السروري.
ورصدت "عربي21" مع مطلع العام 2021 حملات واسعة للهيئة في أنحاء المملكة كافة، تحرّض على التيارات الدينية غير الرسمية، بضمّها إلى "الخوارج" الذين يجب "قتلهم وقتالهم".
وأطلقت "الهيئة" مع نهاية العام الماضي 3 حملات، اثنتين تحث على شرعنة محاربة "السرورية" و"الإخوان" بزعم أنهم من "الخوارج"، وذلك تحت شعاري "رب اجعل هذا البلد آمنا"، و"الخوارج شرار الخلق".
وعلّقت الهيئة لوحات إعلانية ضخمة في شوارع المملكة، وفي مجمعاتها التجارية، تحرّض على الأحزاب الإسلامية، وتتهمهم بالخارجية.
وجاء في إحدى اللوحات الإعلانية الضخمة، مقولة منسوبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه حول الخوارج: "لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، قلت: أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي ورب الكعبة".
تصدير الريّس
الداعية السلفي المثير للجدل عبد العزيز الريس، كان أبرز رجال الدين المروجين لقتل معارضي النظام السعودي، منذ سنوات.
الريس برغم ابتعاده عن أي مؤسسة رسمية طيلة السنوات الماضية، إلا أنه بدأ بالظهور في عهد ابن سلمان بشكل رسمي عبر ندوات تقيمها المؤسسات الدينية التابعة للحكومة.
يقول الريس تعقيبا على إعدام مجموعة من الشيعة، وعناصر تنظيم القاعدة في 2015: "قتل أمثال هؤلاء شيء مفرح ويثلج الصدور، وكما يقال: أول الغيث قطرة، فنرجو أن تكون مقدمة لما بعدها من قتل المفسدين لديننا، وأمننا، ولبلادنا، والمتساهلين في دماء المسلمين".
ويتبنى قول ابن تيمية بـ"قتل الخوارج وأهل البدع".
وعن التيارات الأخرى التي لم تطلها أحكام الإعدام، قال الريس: "أهل البدع يقتلون لبدعهم، والخوارج يقتلون لأنهم خوارج؛ لذا فإنهم مستحقون للقتل، والدولة لم تبادر بالقوة قبل الرحمة لكي لا تحدث تداعيات سلبية".
وألمح الريّس إلى أن التوجه لإعدام أشخاص من فئة معينة يأتي بعد إضعاف تلك الفئة، وليس وهي في أوج قوتها، معلقا: "الشر إذا انتشر لا يشدد فيه، يسعى إلى صلاحه، بخلاف لو قدر أن هذا الفكر صار نشازا بالمجتمع، حينها يبتر تماما بالقتل، مثل ما حدث مع جهيمان وجماعته".
وصدّرت هيئة الأمر بالمعروف، عبد العزيز الريس في حملاتها ضد "الإخوان"، إذ أعطى محاضرات وصفهم فيها بالخوارج في عدة محافظات سعودية.
في شباط/ فبراير 2019، أعاد الريس عبر موقعه الرسمي "الإسلام العتيق"، نشر مقال حرّض فيه على جمع من الدعاة المعتقلين، وهم "سلمان العودة، يوسف الأحمد، محمد المنجد، إبراهيم السكران، عبدالعزيز آل عبداللطيف"، متهما إياهم بتأليب الرأي العام على ولاة الأمور، والدفاع عن بعض المعتقلين الإرهابيين.
وبعد ذلك، نشر الريّس في نيسان/ أبريل 2019، مقالا بعنوان "قتل المفسدين فيه إرضاء لرب العالمين"، قبل أن يبادر إلى حذفه.
وكان الريّس حرّض على الشيخ العودة في مقال بشباط/ فبراير 2012، وأعاد نشره في الشهر ذاته من العام 2019، شبهّه فيه بأنه مثل عمرو بن لحي، وعبد الله بن سبأ.
وجاء بالمقال: "وإني لأرى هذا جليا عند بعض الناس –وإن كانوا بحمد الله يقلون– يتكبرون على الحق بدفاعهم عن سلمان العودة وأمثاله، بعد اقترافهم الموبقات المهلكة، فجمعوا بين تبديل الشريعة كعمرو بن لحي لما بدل شريعة إبراهيم عليه السلام وتهييج الناس على دولة التوحيد والسنة كعبد الله بن سبأ".
وأضاف: "واليوم يجيش سلمان العودة – الظالم لنفسه وأعوانه وأنصاره على الباطل والمنكر- جيوشهم لتبديل الشريعة وزعزعة أمن دول الخليج عامة والدولة السعودية خاصة – حرسها الله وجميع دول المسلمين من كل سوء– بمساندة من دول الكفر والعلمانيين، وبترقب من دولة الرفض إيران".
"عربي21" تكشف: ابن سلمان نسب لنفسه إنجازات لم يفعلها (شاهد)
ماذا وراء رسائل ابن سلمان الأخيرة لجماعة الحوثي اليمنية؟
معهد أمريكي: العراق يمكنه أن يكون جسرا بين الرياض وطهران