استقبل العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قبل أيام، المرجع الشيعي عبد الله الغريفي، إضافة إلى عدد من رجال الدين.
وكالة الأنباء الرسمية قالت إن الغريفي زار الملك مهنئا إياه بحلول شهر رمضان المبارك، ومتمنيا له وللبلاد الصحة والعافية، ودوام الأمن والأمان، دون التطرق إلى أي أحاديث أخرى.
ولفتت إلى أن ملك البلاد أعرب عن تقديره لـ"الدور السامي لعلماء الدين الأفاضل في مد جسور التعايش وتأكيد القيم الإنسانية المشتركة والاعتدال".
وأكد الملك حمد بن عيسى أن البحرين "تحتضن الجميع دون تمييز، وستبقى بإذن الله بلداً للتعايش والمحبة بين مختلف الأديان والمذاهب والشعوب القائم على احترام الجميع".
وكان الملك استقبل الغريفي في المرة الأولى بكانون أول/ ديسمبر الماضي.
بوادر حلحلة
بعد مرور أقل من 24 ساعة على لقاء الملك بالغريفي، أفرجت السلطات البحرينية عن المعتقلة زكية البربوري، التي أمضت نحو 3 سنوات بالسجن، مع حديث عن توجيه ملكي بمزيد من الإفراجات.
الإفراج عن البربوري، ورغم إلزامها بقضاء عقوبة بديلة لمدة سنتين (بالنظر إلى المدة المتبقية من حكمها بالسجن 5 سنوات)، دفع شخصيات بحرينية، بينها معارضون، إلى التعبير عن تفاؤلهم بحلحلة الأزمة السياسية الممتدة منذ نحو عشر سنوات.
الناشط البحريني حسن عبد النبي الستري، قال في حديث لـ"عربي21"، إن "التغيرات في المنطقة والتفاهمات القائمة بين الرياض وطهران "المسربة"، تعطي رسائل إيجابية وتبعث على الأمل خصوصا وأن البحرين تتأثر كثيرا بأوضاع الإقليم، وخصوصا قرارات الرياض كمقاطعة قطر، ودخول حرب اليمن، والتطبيع مع إسرائيل، حيث كانت كلها قرارات غير شعبية ولا تحظى حتى بموافقة البرلمان المقاطع شعبيا".
وأضاف: "فعليه نحن لا نعول على ذلك بقدر ما يمكن أن ينعكس إيجابا، ونحن متفائلون أن نشهد على الأقل انفراجة حقوقية، ولكن واضح أنه لا أفق لحد الآن لحلول سياسية مع غياب المعارضة المحكومة بالمؤبد في سجون السلطة".
أزمة ثقة
الناشط الستري، قال إنه وبرغم لقاء الملك بالغريفي، إلا أن أزمة الثقة بين المواطنين والسلطة لا تزال قائمة.
وتابع الستري المقيم في أستراليا، بحديث لـ"عربي21": "اللقاء لم يشهد أي مقدمات كالاعتراف بالأزمة والمعارضة؛ وهذا يجعل الأجواء متضاربة لدى المواطنين والمتابعين".
وتساءل الستري: "هل يراد من هذا اللقاء أن يكون بوابة للحل، أو هو مجرد صور للرأي العام أننا نلتقي بالشيعة ونجلس مع علمائهم ولا نفرق بين أحد؟".
وتابع: "هل اللقاء مقياس للحقيقة حتى نتغنى بأن البحرين لا تمييز فيها؟! ومن هنا تزيد فجوة الريبة والأمل الحذر بهذه اللقاءات التي تستخدم للدعاية أكثر من كونها تحمل بوادر حقيقية وجادة للخروج من الأزمة".
اقرأ أيضا: برلمان أوروبا يطالب البحرين بوقف تنفيذ أحكام إعدام 26 سجينا
انتهاكات متواصلة.. ونفي
يقول حقوقيون بحرينيون إن الانتهاكات ضد المعتقلين لا تزال متواصلة، وآخرها ما حدث في سجن جو المركزي في السابع عشر من نيسان/ أبريل الماضي.
الحقوقي سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (مقره لندن)، قال إن 17 معتقلا في مبنى 12 بسجن جو المركزي تعرضوا للاعتداء من قبل حرس السجن.
وحذرت جمعية "الوفاق" المعارضة، من مصير المعتقلين الذين تعرض عنبرهم إلى الاعتداء، مشيرة إلى أن انتهاكات عديدة سبقت ذلك منها قطع المياه عنهم، وحرمانهم من الرعاية الصحية، مطالبة بالسماح لجهة محايدة بالوقوف على حالتهم.
كما يتهم حقوقيون، السلطات البحرينية بإخفاء معتقلين قسريا، وحرمانهم من التواصل مع ذويهم.
وينشر أهالي بعض المعتقلين بشكل دوري تسجيلات من مكالمات أبنائهم من داخل السجن، يحكون فيها جانبا من المعاناة التي يتعرضون لها.
بدورها، جددت السلطات البحرينية، عبر بيان لوزارة الداخلية رفضها الاتهامات الموجهة إليها بالتقصير في السجون، ما يؤدي إلى انتهاكات، وتفش للأمراض، وفيروس "كورونا".
وردا على بيان موقع من نحو 12 عضوا في البرلمان الأوروبي حول أوضاع السجون في البحرين، قالت الوزارة إن "الإجراءات الاحترازية والتدابير التي تم تطبيقها في المركز، وبشكل استباقي منذ ما يزيد عن عام، كانت فعالة في التعامل مع الموقف، حيث تم التعامل مع حالات قائمة محدودة، ولاحقا تم نقلها لتلقي الرعاية في أحد المراكز الطبية المخصصة للحجر الاحترازي".
ودعت الوزارة "أعضاء البرلمان الأوروبي إلى ضرورة الالتفات إلى آلاف الحالات المصابة بفيروس كورونا، ومن بينهم أطفال، في سجون دول الاتحاد الأوروبي".
وسجلت سجون البحرين نحو 100 حالة إصابة بفيروس "كورونا".
اقرأ أيضا: نواب بريطانيون يطالبون بوقف دعم المنامة والإفراج عن معارضين
مسؤولية المعارضة
الصحفي عادل المرزوق، رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر، قال إن ما جرى من لقاءات هو مبادرة تستدعي تجاوبا من قبل المعارضة.
وتابع في تغريدات أن "تسارع الخطوات يرمم الثقة المنهارة وعلى المعارضة أن تكون مستعدة لتقديم مبادرات مماثلة". وأضاف أن اللقاء يعطي مؤشرا على سياسة جديدة لبيت الحكم في البحرين، وبالتالي يجب "على النخب السياسية والاجتماعية أن تتجاوب وأن تدعم/تشجع هذا التحول".
وأردف: "على المعارضة (مؤسسات وأفراد) أن تعي حاجة المجتمع في البحرين لمصالحة وطنية وترميم تداعيات 2011. مطلوب منها أن تدرك معنى هذه اللحظة وأن تتخذ قرارات واضحة. ما نتمناه، هو أن تكون هذه القرارات إيجابية ومتفهمة لما يحدث دون فلسفة أو غرور أو طموحات خيالية لا تمس الواقع وحيثياته".
وتابع: "إذا كان هناك قرار شجاع بالمضي في هذا المسار فالأفكار كثيرة؛ منها ترشيد الخطاب الإعلامي ومباركة اللقاء واعتبار الملف السياسي ملفًا مؤجلًا إلى ما بعد بناء المصالحة الوطنية الشاملة وعودة الثقة".
ودعا المرزوق المعارضة إلى رفض خطاب التحليل القائم على نظرية أن الدولة بدأت بالإفراجات لكونها في طريقها إلى الانهيار، معلقا: "لا تستمعوا لهؤلاء، لم يتجرع شارع المعارضة المُرّ إلا بسبب هذه التحليلات العرجاء التي كانت أحد أهم أسباب مراكمة الخسارات على ظهور الناس".
بيد أن الناشط حسن الستري يؤكد أن المعارضة سواء في الداخل أو الخارج، منسجمة مع بعضها، وهي على استعداد للتجاوب مع أي مبادرة.
وتابع: "أعلنت سابقا ومؤخرا بأنها مستعدة للمساعدة في إخراج البلاد والعباد من هذه الأزمات، بل ومستعدة لأخذ عشر خطوات مقابل خطوة إيجابية للسلطة".
وأضاف لـ"عربي21": "هي تسير على نهج لا خاسر ولا منتصر، بل الوطن أولا، وهي مصلحة وطنية والحكمة تقتضي ذلك".
وقال الستري: "نثمن ونقدر لقاء جلالة الملك بالسيد الغريفي وننتظر خطوات أكثر جدية وعملية في تخفيف الاحتقان الشعبي والذهاب للمصالحة الوطنية، لينعم الوطن بالأمن والأمان والاستقرار الدائم".
قلق واسع
أعربت منظمات حقوقية عديدة خلال الشهور الماضية عن قلقها من عدم تقدم الحكومة البحرينية نحو الإصلاح، وإنهاء ملف المعتقلين، والمحكومين بالإعدام.
وفي شباط/ فبراير الماضي، قالت منظمة العفو الدولية، إن "اشتداد وطأة الظلم الممنهج في البحرين، بعد مرور عشرة أعوام على الانتفاضة الشعبية، والقمع السياسي الذي استهدف المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان ورجال الدين وجمعيات المجتمع المدني المستقلة قد أغلق فعلياً أي مجال أمام الممارسة السلمية للحق في حرية التعبير أو مُباشَرة النضال السلمي".
وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، "إن التغييرات الهيكلية التي شهدتها البحرين منذ 2011 كانت سيئة؛ فقد حُظِرَت الأحزاب المعارِضة، وأُغلِقت المساحة المستقلة الوحيدة، وأغلَقت القوانين الجديدة المزيد من مساحات المُشارَكة السياسية".
وتابعت: "كما أن قادة احتجاجات 2011 لا يزالون يرزحون تحت أوضاع مزرية بالسجون، ودأبت السلطات على الدوس على حقوق الإنسان، بشكل اعتيادي، بما في ذلك الحق في حرية التعبير".