أعلن رئيس وزراء ليبيا الأسبق، رئيس مجموعة العمل الدولية لأجل ليبيا، عمر الحاسي، أنهم بصدد "تأسيس حزب جديد باسم (الإصلاح الوطني)".
وقال إنه سيكون "حزبا تقدميا جامعا لليبيين، ويحترم الاختلاف، ويدعم الاستقرار، ويؤمن بالمساواة، ويطمح للتطوير".
ولفت إلى أنه "سيتم الإعلان رسميا عن تدشين تلك الخطوة خلال الأسبوعين المقبلين".
واعتبر، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، المشاركة في الانتخابات المرتقبة "واجبا وطنيا، لأجل تحقيق السلام، وإقامة العدل، وبدء الإعمار"، مضيفا: "سنحقق شرف المشاركة، وإننا واثقون أن النصر سيكون لتجربة الليبيين بوعيهم الجديد، ولن يكون الفوز مُقتصرا على نجاح فرد أو حزب، لأن نجاح الانتخابات القادمة هو انطلاق صفر البداية لدولة ليبيا الجديدة".
وأكد رئيس وزراء ليبيا الأسبق على أهمية "إبعاد مَن ارتكبوا الجرائم السياسية والاقتصادية، أو قاموا بانتهاكات ضد الإنسانية في ليبيا عن المشاركة في الانتخابات"، مضيفا: "يجب ألّا يمر هؤلاء إلى الانتخابات مهما كانت وعودهم، وألّا نعتمد على الناس وحدهم في إبعاد تلك العناصر المُشوهة للمستقبل".
وتاليا نص المقابلة الخاصة:
إلى أين وصلت مساعيكم وجهودكم في تأسيس الحزب الجديد حتى الآن؟ ومتى سيتم الإعلان عنه تحديدا؟
بداية، هناك فروقا شاسعة بين الثورة والطغيان، ومن أهمها أن الثورة تلتزم بمشروع، بينما الطغيان يتعلق بشخص. ونحن في ليبيا كان ارتباطنا بثورة الربيع لأجل تحقيق مشروع الدولة المدنية، وليس ثمة شك أنه حين تكون الثورة ملتزمة بتحقيق الدولة المدنية، تكون أقرب إلى تحقيق الأهداف السامية التي نادت بها منذ لحظاتها الأولى، والمتمثلة في السلام، العدل، الإعمار.
ومن هذه المرتكزات المهمة بدأنا في تأسيس (حزب الإصلاح الوطني)، ليكون حزبا تقدميا جامعا لليبيين ويحترم الاختلاف ويدعم الاستقرار، ويؤمن بالمساواة، ويطمح للتطوير.
فهذا الحزب يثق في قوة الليبيين في بلادهم، ويحترم المجتمع الدولي الداعم للسلام والاستقرار في ليبيا، ويؤكد أيضا على قيمة التحالفات الخارجية التي تُقدر حق الشعب الليبي في الحفاظ على سيادته ووحدته وسلامة أراضيه. ونتصور أنه سيتم الإعلان رسميا عن تدشين تلك الخطوة خلال الأسبوعين المقلبين.
ما الذي تستندون إليه في تأسيس تلك التجربة الوليدة؟
نحن في الحقيقة نمتلك في رصيدنا السياسي والوطني تجربة رائدة وثرية، بدأناها عندما تم الإعلان في أيار/ مايو عام 2018 عن تأسيس (مجموعة العمل الدولية لأجل ليبيا)، والتي تشرفت حينها برئاستها، ونحن نعتز بجهودها في السياسة الدولية، ورؤيتها التنويرية لحفظ السلام في ليبيا، خاصة أنها ساندت جهودنا في تعطيل الكثير مما كان يحاك ضد السلام بين الليبيين، بل ونعتبرها هي مَن كانت تشجع فكرة وجود أحزاب وطنية متنوعة، حتى وإن اختلفت بواعثها، لتشارك في الانتخابات القادمة، في ظل وجود دستور ليبي جديد متفق عليه.
إن الجهد الإنساني والآراء الصادقة والمخلصة لمؤسسي (مجموعة العمل الدولية)، كانت تنصح باللقاء والجلوس مع المجتمع الدولي، لأجل فتح الآفاق لتحالفات دولية تساهم في السلام لليبيا، والاستقرار لسائر المنطقة، وهو ما كان اليوم، وساهم بجد في جلوس المختلفين في ليبيا ووضع أكثر من حل للقضية الليبية بوسائل سلمية، وهو نعتبره في (حزب الإصلاح الوطني) خارطة طريق تساهم في تامين مستقبل السياسة الليبية، وترسم مع الشراكة الدولية دورا جادا لوضع سلام دائم بين الفرقاء الليبيين، وإدارة الاختلاف بينهم بكل تفاهم ورغبة في تقديم التنازلات، وليس بالإقصاء والكراهية.
نعدكم أنه خلال الأيام القليلة القادمة، سيتم الإعلان عن تأسيس هذا الحزب التقدمي لكل الليبيين بأصولهم المختلفة، وبتنوع وجهات نظرهم، لتوحيد الكثير منهم في رؤية وطنية متطورة، لأجل بناء دولة مدنية متنورة في ليبيا الجديدة.
كيف تنظرون للانتخابات الليبية المقبلة ودلالة إجرائها في ذكرى تأسيس البلاد؟
نحن في ليبيا مازلنا نتذكر بفخر تاريخ إعلان استقلالها، والذي كان يوافق 24 كانون الأول/ ديسمبر 1951، ونتذكر تلك الأحداث المؤثرة التي جعلت دول غربية كبرى من المجتمع الدولي، تفرض على الأمم المتحدة آنذاك، أن تساعد الليبيين بشكل متعجل كي ينتهوا من اعتماد دستور للبلاد، وإعلان الاستقلال التام، والبدء في الانتخابات. لتبدأ ليبيا دولة كاملة السيادة ولها سلطات موحدة، وبدستور متفق عليه.
وها نحن اليوم، وبعد 70 عاما، نشهد تكرار تجربة الولادة التاريخية لليبيا من القوى الدولية ذاتها، وعبر ذات الرحم الدولي، وفي نفس تاريخ الميلاد. وربما هذا يبعث الأمل بعودة ليبيا إلى حلم الاستقرار، بعدما عانته من حروب أهلية دامية، أججتها قوي إقليمية ودولية ظالمة، بسبب تفسيرها الخاطئ لثورة الربيع، وتعاملها مع الوطنيين الأحرار في ليبيا باعتبارهم "إرهابيين"، على الرغم إن الوطنيين الأحرار من ثوار ليبيا هم من هزموا الإرهاب في شمال أفريقيا، بعد مواجهات مدمرة ومرعبة في معارك (البنيان المرصوص)، ضد "تنظيم داعش".
وهكذا التاريخ فما حدث سابقا، سينتظره العالم في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، لبدء إقامة الانتخابات الرئاسية والتشريعية في كل ليبيا، وربما يُشير البعض أن هناك تشابه قديم، لكننا موقنين أن الليبيين في هذا التاريخ 24 كانون الأول/ ديسمبر المقبل يختلفون عن الليبيين حينما كانوا في 24 كانون الأول/ ديسمبر 1951، على الرغم من التشابه الكبير في الظروف التي صنعت هذا التاريخ منذ 70عام وتكرره اليوم، ومنها أن ليبيا في كل مرة كانت خارجة من محنة إنسانية ومن حروب مدمرة، وأيضا أن بعض الدول الغربية الكبرى ما زالت كما كانت منذ 70 عام تتحسس من الوجود الروسي في حوض البحر المتوسط، وبالذات على أحد أطول شواطئه الجنوبية المهمة.
لكن ألا ترى أن هناك مشاكل وتحديات قد تواجه الانتخابات المقبلة؟
بالفعل؛ فعلى الرغم من عودة الأمل في إجراء انتخابات قادمة، وفرصة استقرار بوجود دستور ليبي جديد، إلا أن الأمر تلوح في أفقه عدة صعوبات أهمها عدم انتهاء إجراءات الاستفتاء على الدستور الجديد، وتعطل ذلك منذ العام 2017، وهناك عدم موافقة مطلقة من المكونات الثقافية الأصيلة في ليبيا (الأمازيغ، التبو، والطوارق)، على الدستور الجديد، بسبب عدم مراعاته لحقوقهم الدستورية التي ناضلوا لأجلها.
بالإضافة إلى أنه بعد اكتشاف الكثير من العيوب في توزيع الدوائر الانتخابية السابقة، تظل هناك الكثير من الأسئلة: هل ستُبقي قوانين الانتخابات على نفس الأخطاء أم سيتم تعدلها؟، هل الانتخابات ستكون بمشاركة الأحزاب كما كان في عام 2012، أم هي انتخابات فردية كما كان في عام 2014؟، بخلاف أن هناك صعوبات تقابل الأحزاب الناشئة بسبب إغلاق مكتب اللجنة الخاصة بتشكيل الأحزاب واعتمادها.
هل أنتم مع أم ضد فكرة إبعاد كل من له سوابق جنائية عن المشاركة في الانتخابات؟
نحن وبالاتفاق مع أغلب الليبيين، نؤمن ونعمل على أن الحل للأزمة الليبية لن يكون إلا سياسيا، وكي نضمن بقاء السلام سائدا بين الليبيين، لا بد من وجود دستور جديد، ومتفق عليه من كل المكونات الثقافية، ولا يُقصي أحد، وغير منغلق على قومية واحدة ويفرض لغته ويُحارب لغات الآخرين الأصيلة، وأيضا لا يقلل من مشاركة المرأة في أي انتخابات وطنية، بل يعتبرها شريك سياسي مهم ومساوي للرجل في بناء ليبيا الجديدة وتطورها.
نحن في ليبيا اليوم نحتاج إلى حالة تنوير إنسانية في قانون الانتخابات القادمة، ونعني بذلك ألّا يتم التساهل عن الجانب الأخلاقي الخاص بالمترشحين، فمن ارتكبوا الجرائم السياسية والاقتصادية، أو قاموا بانتهاكات ضد الإنسانية، يجب ألّا يمروا إلى الانتخابات مهما كانت وعودهم، وألّا نعتمد على الناس وحدهم في إبعاد تلك العناصر المُشوهة للمستقبل، نحن لم ننس بعد كلمة الكاتب البريطاني الشهير جورج أورويل حينما قال: (الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والخونة، لا يعتبر ضحية، بل شريكا في الجريمة).
وماذا عن موقفكم من هذه الانتخابات المقبلة؟ وهل تجربتكم في الحكم ستلقي بظلالها على فرصكم بهذه الانتخابات؟
نحن على يقين أن الانتخابات تعتبر وسيلة لقياس حضارة الأمة، وفهمها للمسؤولية الأخلاقية عند اختيار أهل الكفاءات والخبرة في إدارة الشأن العام، في ليبيا كشفت الانتخابات السابقة (2012 و2014)، عن رصيدنا الأخلاقي في فهم قيمة الأمانة عند اختيار المسؤولين للسلطات العليا، لقد أتضح فينا مَن هو صحيح ومَن هو مريض، ومَن هو مستقيم ومَن هو أعوج، ومَن هو مُخلص لوطنه، ومَن هو عميل لأعداء بلاده، ونحن بلا شك نشكر تلك الظروف والمِحن التي أعطت المجال لبعض الأشخاص كي يكشفوا عن نواياهم.
ورغم تراكم الأمور الصعبة أمام تجربتنا التي يحاربها البعض من الخارج، ويشوهها البعض الآخر من الداخل، إلا أننا مازلنا نؤكد أن سقوط ريشة لا يعنِ على الإطلاق سقوط الطائر نفسه، وبالتالي فإن الفرصة التي يمنحها لنا تاريخ 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، لا تقل قيمة عما كان مع نظيرها قبل 70 عاما؛ فهي مناسبة لاستعادة الوعي الأخلاقي والوطني، ودافعا للاستقرار النفسي الفردي، ومحفزا لبناء هوية اجتماعية جامعة، لتصبح جميعها قواعد متينة لدولة ليبيا المدنية الجديدة والمتنورة.
وبالتالي، فمشاركتنا في هذه الانتخابات نراها واجبا وطنيا، لأجل تحقيق السلام، وإقامة العدل، وبدء الإعمار. نحن سنحقق شرف المشاركة، وإننا واثقون أن النصر سيكون لتجربة الليبيين بوعيهم الجديد -إذا تحقق- ولن يكون الفوز مُقتصرا على نجاح فرد أو حزب، لأن نجاح الانتخابات القادمة هو انطلاق صفر البداية لدولة ليبيا الجديدة، كي تسترد دورها الحضاري للمساهمة بنشر السلام بين مواطنيها، وأيضا لأجل إرساء قواعد الاستقرار للمنطقة بأسرها.