أشاهد هذه الأيام عملا دراميا على شبكة نيتفلكس أقل ما يقال عنه إنه حفنة من الأكاذيب وأحلام اليقظة عن أسطورة الجهاز الأمني الصهيوني "الشاباك" ووحدة المستعربين؛ التي تتحدث العربية بلكناتها المختلفة وتقوم بعمليات الملاحقة للمقاومة في الضفة وغزة قبل التحرير، وقدرات كأبطال الأساطير. ولا ننسى خلق صورة سلبية عن المقاومة وقادتها وأفرادها، بالإضافة إلى الصورة الذهنية اللطيفة عن هذا الكيان ومواطنيه مع إضفاء الصبغة الإنسانية على أبطال العمل، وكأنك تشاهد مسلسلا مصريا من إنتاج وتمويل المخابرات وأمن الدولة.
تبادر إلى ذهني سؤال مهم: أين معسكر الثورة من هذا السلاح المهم جدا في معركته من أجل تحرير الوطن؟ عمل سينمائي أو درامي أثره يساوي 100 حوار على شاشات التلفزيون.
نعم يجب علينا الاعتراف بأن هناك تجارب في السنوات الماضية تمت ولها كل الاحترام والتقدير، رغم كل الإمكانيات الضعيفة لشركات الإنتاج التي قامت بمجهودات فردية.
ولكن في معركتنا نحتاج إلى الكثير من تضافر الجهود لإخراج منتج سينمائي أو درامي على قدر كبير من الاحترافية في الصورة والقصة المقدمة للجمهور المستهدف، ألا وهو الشعب
المصري بكل أطيافه.
ولدينا شواهد على الكثير من التجارب الناجحة التي تستطيع المقاومة الشعبية الاقتداء بها، مثل المخرج الراحل مصطفى العقاد بأفلامه التي قدمها بنجوم غربيين للمجتمع الخارجي، وكيف تأثرت به شرائح عديدة من الجمهور سواء كان جمهورا غربيا أو عربيا.
لدينا تجربة تركيا في تقديم مسلسلات وأعمال سينمائية تشبع رغبة الجمهور وتمرير رسائل عدة للشعب التركي ومن بعده الشعب العربي والإسلامي (أعلم جيدا أن الدولة التركية هي من تقف وراء الإنتاج والتمويل الكامل لهذه الأعمال أمثال أرطغرل، قيامة عثمان، السلطان عبد الحميد الثاني... إلخ) وغيرها من التجارب الناجحة.
ولهذا يجب علينا كما ذكرنا في مقالنا السابق (الاقتصاد الموازي والأزمة المصرية) الذي تحدثنا فيه عن ضرورة إنشاء شركة إنتاج فني وسينمائي تكون بالاكتتاب العام عبر طرح الأسهم، تكون مهمتها إنتاج أعمال فنية يشترك فيها الجميع بكل خبراته، واستدعاء الخبرات من كل مكان لعمل ضخم ينافس أعمال النظام العسكري المحتل للوطن ويخدم معركة التغيير للمجتمع المصري.
فالتغيير له أسلحته الكثيرة ومنها الكثير غير المستخدم حتى الآن، ومنها
الدراما والسينما، مع تثمين الجهود الفردية لكل الأعمال التي قدمت على مدار السنين الماضية.
نحن نمتلك الكثير من الأوراق الحقيقية، والكثير من القصص البشرية لشهود العيان ممن رأوا ومن عايشوا بأنفسهم أمورا كثيرة يجب عرضها في قوالبها الدرامية أو السينمائية.
فها هي أيام قليلة ويعرض النظام العسكري في مصر حلقات مسلسل الكذب والتدليس على مدار ثماني سنوات؛ مثل مسلسل "الاختيار 2" و"السرب" وغيرها من الأعمال برعاية كل من المخابرات الحربية والعامة بالإضافة إلى جهاز أمن الدولة.
يتم استخدام السلاح الناعم الذي يدخل كل بيت مصري يسمم العقول والقلوب، ولا يجد الرد المناسب القوي منا نحن أفراد مجتمع الثورة ولا العمل
الفني المناسب.
أما آن الأوان لتقديم عمل فني بوجهيه الدرامي والسينمائي، نفسد به محاولات العسكر ولصوصه لإفساد ما تبقى من هذا الجيل الجديد، الذي يصنع على أياديهم الملوثة بدماء المصريين، وتقديم الحقيقة الدامغة في صور غير الصور التقليدية؟
الحرية هي الحياة، ولا حياة ولا حرية دون حرية الرأي والتعبير؛ والفن والسينما والتلفزيون جزء منها.
دمتم مبدعين أحرارا مناهضين لقمع الحرية أن تطير بجناحيها.