يتقاطر رموز ورجال تيار محمد دحلان على قطاع غزة تباعاً منذ أسابيع، ويتم استقبالهم هناك استقبال الفاتحين بعد أن يدخلوا عبر بوابات الـ(VIP)، وذلك على الرغم من أن بعضهم وربما أغلبهم صدرت بحقهم أحكام قضائية سابقة وأصبح واضحاً بأنها تعطلت ولن يتم تنفيذها، في الوقت الذي تلتزم فيه حركة حماس الصمت دون أية إيضاحات حول حقيقة ما يجري.
من الواضح أن ثمة تحالف غير معلن بين حركة حماس التي تحكم قطاع غزة وبين تيار محمد دحلان، وأنَّ هذا التحالف قفز عن الأزمات السابقة التي ظهرت في أعقاب انتخابات العام 2006، وهي الانتخابات التي أدت الى أسوأ اقتتال داخلي فلسطيني، وهو الاقتتال الذي انتهى بانقسام تام بين الضفة وغزة، وقطيعة شبه كاملة بين حركتي حماس وفتح.
ثمة كثير من الغموض في العلاقة بين حماس ودحلان، وهي علاقة تثير كثيراً من الأسئلة خاصة مع العودة المفاجئة لرجال دحلان الى غزة، والتي تُبررها حماس بأنها تتم تنفيذاً للمصالحة المجتمعية التي تم التوصل اليها لطي صفحة الاقتتال، إلا أن هذا الادعاء لا يبدو مقنعاً بسبب أن هذه العودة تأتي بعد سنوات على التوصل الى تلك المصالحة، وهي مصالحة لم يتم تنفيذ شيء منها، وقد أكل عليها الدهرُ وشرب، ويتم اليوم استدعاؤها لتبرير ما يجري ليس إلا.
عودة رجال دحلان -المنشقين عن فتح والذين تسميهم حماس "التيار الاصلاحي"- يأتي في أعقاب الاتفاق على إجراء الانتخابات، وهو اتفاق تم برعاية مصرية، كما أن تيار دحلان أعلن صراحة أنه سيشارك في الانتخابات المقبلة وأنه يُرحب بإجرائها، فيما يأتي هذا التحرك بعد سنوات من أموال ومساعدات قام دحلان بضخها في قطاع غزة، الأمر الذي يعني أنه سيخوض الانتخابات ولديه قاعدة من المؤيدين ومن المؤكد أنه سيحصد عدداً من المقاعد في المجلس التشريعي.
هذه التحركات تُعيد الى الأذهان تقريراً خطيراً نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في عام 2016 ويقول فيه إن "ثمة خطة لدى ثلاث دول عربية وبموافقة إسرائيلية من أجل تنصيب دحلان بديلاً لعباس على رأس السلطة الفلسطينية"، واللافت أن هذه الدول العربية الثلاث هي التي ضغطت مؤخراً- أي بعد أربع سنوات على نشر التقرير- من أجل إجراء الانتخابات الفلسطينية، كما أن السفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان قال أواخر العام 2020 أن "واشنطن تدرس استبدال عباس بدحلان".
هذه المعلومات تدفع الى الاعتقاد بأن حماس تعرضت الى ضغوط هذه الدول المشار اليها التي تريد إعادة دحلان الى المشهد السياسي الفلسطيني، وبذلك فإن دحلان سيعود عبر بوابة غزة وبواسطة التحالف مع حماس، وبعد الانتخابات سيكون قد أصبح جزءاً من المشهد الفلسطيني وأحد مكوناته السياسية، ومنافساً حقيقياً لحركتي فتح وحماس معاً بفضل الدعم الخارجي والتمويل المفتوح الذي يحصل عليه من دول الخليج.
الكارثة في هذا المشهد هو أن الانتخابات القادمة ستنتهي الى تعميق الانقسام وتعزيزه والابتعاد أكثر عن المصالحة الداخلية، إذ سيُصبح الانقسام بين ثلاثة قوى بدلاً من اثنتين، والأهم من ذلك أن تحالف حماس مع دحلان يتناقض بالضرورة مع مساعي المصالحة مع الرئيس محمود عباس، إذ كيف يمكن لعباس أن يتصالح مع الذين يتحالفون مع المنشقين عن حركته؟ وكيف يتصالح مع من يقومون بتسليم القطاع لخصومه؟
والخلاصة هي أن ما يجري فلسطينياً اليوم هو أن الانتخابات القادمة ستؤدي الى مزيد من الانقسام، وأن حركة فتح يتم تفتيتها وتقسيمها الى حركتين، بينما ستجد حركة حماس نفسها أمام مأزق أكبر بأنها جعلت لنفسها خصمين بدلاً من واحد، ويصبح إنهاء الانقسام مع الاثنين أصعب بكثير من إنهائه مع أحدهما، هذا فضلاً عن أن تفتيت حركة فتح لا مصلحة للشعب الفلسطيني به، كما أن فتح أبواب قطاع غزة أمام أجندات خارجية ومال سياسي أجنبي لن يكون في مصلحة الفلسطينيين بكل تأكيد بمن فيهم حركة حماس.
ماذا خسرت حماس بانتخابات 2006؟
نقد الانتخابات الفلسطينية.. معالجة إضافية لا بدّ منها
المتعاونون والمقاومون الفلسطينيون