تحظى زيارة البابا فرنسيس إلى العراق باهتمام كبير، خصوصا لقاءه المرتقب بالمرجع الشيعي الأعلى السيستاني في النجف.
وبالتأكيد فإن الدور المفصلي الذي يلعبه السيستاني كمرجع شيعي في الحياة الاجتماعية والسياسية للشيعة في العراق، جعله من أبرز الشخصيات تأثيرا في العراق بعد 2003، وبالتالي فإن اهتمام رأس الفاتيكان بلقاء رأس حوزة النجف، هو إقرار بهذا الدور والرمزية الدينية للسيستاني، التي مكنته من لعب دور سياسي حاسم، في بلد ما زال فيه لرجال الدين سطوة وصولجان، وقدرة على ادارة دفة السياسة.
ولو عدنا للأحداث في السنوات القليلة الماضية، لرأينا أمثلة كثيرة على الدور السياسي البارز الذي اضطلع به السيستاني، فاستقالة رئيس للوزراء كعادل عبد المهدي تكون استجابة للمرجعية والسيستاني، كما يقول عبد المهدي نفسه في رسالته، ممثلة الأمم المتحدة تزور السيستاني، بالتأكيد لا لتتلقى دروسا في الحوزة بل لمكانته السياسية، الحشد الشعبي تأسس بفتوى السيستاني، قائمة الائتلاف الشيعي 555 استخدمت صور السيستاني مع قبول ضمني منه بذلك، وتتعدد الأمثلة وصولا لمرحلة 2003، حيث لعب السيستاني دورا حاسما في الإعداد لعملية كتابة الدستور، والضغط على الأمريكيين لإقامة انتخابات يعلم أنها ستقود لهيمنة شيعية، وهو الأمر الذي لا تستطيع الإدارة الأمريكية رفضه، بحكم الواقع السكاني، وإن كان الأمريكيون يريدون تجنب هيمنة الأحزاب الإسلامية الشيعية الموالية لإيران، وهو ما فشلوا فيه.
كما يشرح بول بريمر الحاكم المدني في العراق، في مذكراته، حيث يوضح الفرق بين رغبتهم بضرورة الحفاظ على دعم الشيعة كمكون سكاني والسيستاني، ومحاولة إبعاد القوى الشيعية الإسلامية المتحالفة مع إيران، فيقول بريمر «بحثنا في اليوم التالي نظاما انتخابيا يحظى بالقبول من أجل انتخابات كانون الثاني/ يناير مع خبيرة الأمم المتحدة في الشؤون الانتخابية كارينا بيريلي، والأخضر الإبراهيمي الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق، واتفقنا على أن أحد الأهداف هو التوصل إلى نظام لا يوفر أفضلية غير عادلة للمجموعات شديدة التنظيم مثل، البعثيين والإسلاميين الشيعة. وبما أن الالتزام بالجدول الزمني للقانون الإداري الانتقالي ضروري للمحافظة على دعم السيستاني والشيعة، فقد كان من الضروري التوصل إلى عملية يمكن تطبيقها في نهاية يناير». وطبعا كان بريمر والإبراهيمي، يأملان في مباحثاتهما الخاصة منع وصول العمائم الشيعية للسلطة، كما يذكر بريمر في كتابه «عام قضيته في العراق» فيقول «العراقيون يريدون استرجاع السيادة، وعلينا أن نظهر أن آية الله السيستاني لا يرهبنا، وعبّر الإبراهيمي عن اعتقاده بوجوب ألا يدير أصحاب العمائم السوداء الحكومة العراقية المؤقتة، فبلغته بأنني اعتقد أن السيستاني يهتم فقط بضمان غالبية شيعية في الحكومة الجديدة».
اهتمام رأس الفاتيكان بلقاء رأس حوزة النجف، إقرار بالدور والرمزية الدينية للسيستاني، التي مكنته من لعب دور سياسي حاسم
ويرى بريمر السيستاني رجلا يدير المباحثات السياسية بعيدا عن الأضواء، ولا يتدخل إلا في الشؤون السياسية المفصلية، لا اليومية :»السيستاني يرى من مقره البسيط في النجف، العراق والعالم الأوسع، من خلال المنظور الديني الإسلامي الشيعي، فضلا عن منظور السياسة المتشددة، فقد أصدر آلاف الفتاوي في مجموعة مدهشة من القضايا، بل حتى كيف يشرب المؤمن الماء ومتى، وعلى الرغم من الصورة المنعزلة لأية الله العظمی، إلا أنه مصمم على التأثير في العملية السياسية».
ويضيف بريمر في مكان آخر «يلعب السيستاني لدى الطائفة الشيعية دورا ممثلا للدور الذي يلعبه البابا لدى الكاثوليك، هو لا يدير الحركة اليومية للسياسة، لكنه يمارس نفوذه عبر المباحثات الخاصة مع الأتباع المخلصين ويصدر الفتاوى.» الدور الذي اضطلع به السيستاني منذ تلك الأيام، وإصراره على كتابة الدستور من قبل جمعية منتخبة، وزج تطبيق الشريعة في الدستور، كان يهدف بالطبع لمنح الشيعة في العراق الدور الأول في مقاليد الحكم.
وفي تلك المرحلة، برزت أهمية السيستاني في العراق، ليس كرجل دين معزول في «براني النجف» أو كبابا الكاثوليك محدود التأثير السياسي حتى في إيطاليا حيث مقر الفاتيكان.
القدس العربي اللندنية