تحل الخميس الذكرى السنوية العاشرة، لتنحي الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك (1981: 2011)، في 11 شباط/ فبراير 2011، إثر ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وذلك في ظل ظروف سياسية واقتصادية صعبة يعيشها المصريون، تعدت ما طالهم في عهد مبارك، وفق مراقبين.
وظل مشهد تنحي مبارك أيقونة في عقول وقلوب ملايين المصريين المطالبين بحياة كريمة، وظل صورة يستحضرها الثوار حتى الانقلاب العسكري منتصف العام 2013، ليختفي مشهد تنحي مبارك من الصورة الذهنية لدى المصريين، في ظل بطش النظام العسكري القائم.
في هذه الأثناء، أعلن معارضون مصريون في الخارج، عن "اتحاد القوى الوطنية المصرية"، كتحالف جديد لقوى معارضة للنظام المصري، يجمعها مطلب إسقاطه والتنسيق مع الجهات الدولية والإقليمية بالوقوف على حقيقة الأوضاع بمصر.
وفي ذكرى التنحي، يثار التساؤل حول مدى نجاح نظام السيسي في محو مشهد تنحي مبارك من ذاكرة المصريين، حتى لا يتكرر بحقه هذا الخروج الثوري الكبير الذي خرج ضد سلفه العسكري في 2011.
"أكل كل ثور على حِدة"
الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع السياسي مصطفى العزب، قال لـ"عربي21"؛ إن "السيسي ضابط مخابرات تخصص تجسس ووقيعة، وسعي ببن الناس بالنميمة وتمثيل عاطفي"، موضحا أنه "بعدما أقنع الإخوان أنه حامي الشرعية، وأقنع جزءا من الثوار بأنه مخلصهم من الإخوان، وأقنع حزب الكنبة أنهم نور عيونه وأنه مستعيد الاستقرار، استطاع أن يأكل كل ثور على حِدة بالترتيب نفسه"، وفق وصفه.
وتابع: "بينما كان يتمسكن قبل الاستيلاء على السلطة، فقد تقمص دور نيرون الدموي المجنون، بعدما تمكن من رِقاب الجميع، فصاروا جميعا يتمنون عودة ديكتاتورية مبارك الوسطية العاقلة (بالمقارنة) ويأسفون على رحيله".
وأشار المحاضر الجامعي إلى أنه "حتى المعتقلون الحاليون الذين كانوا أيضا معتقلين سابقين في الحُقبة المباركية، أمسوا يتمنون الهروب لرمضاء معتقلات مبارك هربا من النار الحالية".
اقرأ أيضا: درّاج: كيف أحال السيسي مصر إلى بلد لا يصلح للعيش؟
وبين أن "الشعور الذي يحرص (السيسي) دائما على ترسيخه في النفوس الضعيفة المقهورة الذليلة، هو أن كل تغيير سياسي حتما سيكون للأسوأ، فالأفضل لك أيها الشعب التعيس الذي يخاف ميختشيش أن ترضى بواقعك المؤلم حتى لا يأتيك ما هو أشد إيلاما".
وألمح إلى أنه "في الوقت نفسه مازال يستخدم أدواته المخابراتية لمنع كل وحدة، وتفريق كل تجمع، وتمزيق كل ائتلاف، ومازال الجميع يعيرون الجميع بأخطائهم السابقة، ومازال السباب المتبادل مستمرا".
أما حزب الكنبة، فيرى العزب أنه "يتم عقابه أيضا حاليا وترويعه وتعذيبه برفع الأسعار وتدهور قطاعات الصحة والتعليم الحكومي، وتبني النموذج السلطوي من سياسات النيوليبرالية التي تُرَخِص الإنسان وتُذله، حتى يقبل بكل ظروف العمل المتدنية بأجور لا تكفي سد الرِمق، وطبعا أمسوا مرعوبين من أي احتجاج نقابي أو أي نشاط عمالي معارض للظلم، ولا يستفيد إلا شلة الحرامية من مريدي رئيس العصابة وهو شخصيا بالطبع".
"لعبة وشربناها"
الكاتب الصحفي أسامة الألفي، علق على مرور 10 سنوات من التنحي وما أحدثه النظام الحالي بالمصريين كي لا يتكرر المشهد نفسه، قائلا؛ إن "المصري يحيا كابوسا متواصلا منذ ثورته حيث تمت سرقة الثورة، والناس مع زيادة الضرائب والأسعار نسيت الثورة وانشغلت بالبحث عما تسد به حاجاتها".
وأضاف لـ"عربي21": "وخسرنا (الشعب) ببساطة؛ لأننا لم نكن الطرف الفاعل في الثورة، فالطرف الفاعل الذي حرض عليها واستلبها منا هو الذي يحكم حاليا"، مؤكدا أنها "كانت لعبة قام بها الجيش وشربناها".
"بفضل معارضيه"
السياسي والحقوقي وأحد رموز الثورة عمر عبد الهادي، أكد أن "السيسي نجح في محو ذكرى تنحي مبارك بفضل معارضيه الذين لا يستطيعون التحرك قيد أنملة، رغم الدعم الإعلامي واللوجستي الهائل لمدة 6 سنوات متتالية".
عبد الهادي، في حديثه لـ"عربي21"، رأى أن تدشين تحالف القوى الوطنية الذي أعلن عنه في إسطنبول الخميس، في ذكرى التنحي، لن يغير ما نجح السيسي في فرضه من سيطرة على مقاليد الأمور.
وقال؛ إنه "إنتاج كيان قديم باسم جديد لا يعبر عن كل المعارضين"، متسائلا عن غياب العديد من الوجوه المعارضة عنه، ومؤكدا أن "ضعف المعارضة هو السبب في محو تلك الذكرى، وأن اختلافها على الرئيس الراحل مرسي وهو مسجون، أعطى القوة للسيسي كي ينقض على الرئيس ومكتسبات يناير".
نشطاء ومتابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبروا عن مشاعرهم في ذلك اليوم، فيما وصفه القاضي المصري وليد شرابي، بأنه "من أجمل الذكريات في تاريخ مصر"، لأن "الشعب أثبت أنه قادر على التغيير"، موضحا أن الشعب في هذا اليوم يتذكر بأن لديه حلما لم يتحقق، وإرادة قد تغير "الواقع المر"، وأعداء عليه إزاحتهم، وأن المعركة لم تنته.
ولكن بعضهم اعتبره يوم الخديعة، وبينهم الكاتبة الدكتورة أميرة أبوالفتوح، التي كتبت تقول: ".. صفقنا وهيصنا ورقصنا وغنينا لخلع مبارك وهو في الحقيقة كان يوم الخديعة الكبرى التي وقعنا جميعا في شراكها"، معتبرة أن يوم التنحي "بداية المؤامرة الحقيقية ضد شعب مصر".
وفي تعليق له بصفحته بـ"فيسبوك"، يعتقد الكاتب الصحفي جمال سلطان، أن السيسي لم ينجح في محو الذكرى، وقال؛ إن يناير "تستعصي حتى اليوم على الدفن والنسيان، رغم العنف المفرط والملاحقات المستمرة والسجون والمنافي، يعترف رأس السلطة قبل أسبوع محبطا بأن تلك الروح (الثورة) ما زالت حية".
واعتبر الأكاديمي المصري عادل دوبان يوم تنحي مبارك، يوما "باقيا في ذاكرة الأمة وعقل أي حاكم يفكر في البقاء طويلا بالسلطة، أطول مما يسمح به أو يوافق عليه الشعب".