دخلت "ورطة" الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرحلة جديدة، الجمعة، وسط اتساع دائرة المطالبات بأن يستقيل طوعا، قبل اتخاذ إجراءات ضده، رغم أنه يعد أيامه الأخيرة في البيت الأبيض وسط تساؤلات حول إمكانية أن يقوم بذلك فعلا.
يأتي ذلك بالتزامن مع استقالات متتالية في البيت الأبيض، وسط غضب يعتري مختلف الأوساط في البلاد، إزاء المشهد الصادم الذي كانت واشنطن مسرحا له، الأربعاء، عندما اقتحم المئات من أنصار ترامب مبنى الكونغرس، أهم برلمان في العالم، وعطلوا جلسة المصادقة على فوز الديمقراطي جو بايدن برئاسة البلاد.
ثلاث مسارات
وحذرت رئيسة مجلس النواب، الديمقراطية نانسي بيلوسي، الرئيس الجمهوري من مغبة عدم الاستقالة طوعا وتحمل المسؤولية، مؤكدة أن الكونغرس سيخوض مجددا عملية الإطاحة به، وفق ما نقلت عنها شبكة "سي أن أن".
وفي وقت سابق، أشارت بيلوسي إلى أن مساعي الإطاحة بترامب تسير في مسار ثالث أيضا، هو إقناع مايك بنس، نائب الرئيس، بتفعيل التعديل الـ25 من الدستور، الذي يتيح للوزراء التصويت على تنحية الرئيس.
وأكدت بيلوسي، عبر تويتر، أنها لم تتلق ردا من بنس بهذا الخصوص، لكن الأصوات المطالبة بإزالة ترامب تعدت الفضاء الديمقراطي، وشملت العديد من الأصوات الجمهورية.
وفي وقت لاحق، ذكرت وسائل إعلام أمريكية، أن بنس عارض تفعيل التعديل الـ25. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصدر "مقرب" قوله إن نائب الرئيس رفض الدعوة التي وجهها إليه اليوم المشرعون الديمقراطيون وبعض الجمهوريين.
وأشار المصدر إلى أن قرار بنس يحظى أيضا بدعم عدد من كبار المسؤولين في إدارة ترامب.
اقرأ أيضا: MEE: ما جرى في الكونغرس عكس "روح أمريكا"
على خطى "نيكسون"
والجمعة، انضم وزير الدفاع الأسبق، كولين باول، إلى الجمهوريين المطالبين بإسقاط ترامب، إزاء مسؤوليته عن أحداث الكونغرس، وتعبيرا عن عدم الثقة بما يمكن أن يفعله خلال الأيام القليلة المتبقية له.
وفي تصريح تلفزيوني، اعتبر "باول" أن إجراءات العزل عن طريق الكونغرس أو تفعيل التعديل الـ25 "مضيعة للوقت".
وأضاف: "أتمنى أن يفعل ما فعله نيكسون فقط، وهو التنحي".
وكان ريتشارد نيكسون أول رئيس يستقيل في عام 1974، بينما كان يواجه المساءلة البرلمانية في أعقاب فضيحة "ووترغيت".
وقال باول إن على "شخص ما"، في إشارة إلى فريق ترامب، إقناعه بأن الأمر انتهى وبأن عليه الرحيل.
ووافق العديد على دعوة باول، قبله وبعده، ومن بينهم "أليسا فرح" المديرة السابقة لاتصالات ترامب، والتي استقالت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
هل يفعلها ترامب؟
لم تستبعد العديد من تقارير صحفية على مدار الأسابيع والأشهر الماضية أن يقدم ترامب على الاستقالة قبل الـ20 من كانون الثاني/ يناير الجاري.
واعتبرت صحيفة "بوسطن غلوب"، بعد تأكد هزيمة ترامب بانتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن الرئيس الجمهوري قد على الاستقالة قبل تنصيب خلفه الديمقراطي.
وبحسب تقرير الصحيفة، الذي ترجمته "عربي21"، فإن ثلاثة أمور قد تدفع ترامب لفعل ذلك، أولها وأكثرها أهمية "الحصول على عفو".
وأوضحت الصحيفة أن خبراء القانون الأمريكي يرفضون فكرة أن يمنح الرئيس عفوا لنفسه، وهو ما ظهر في حالة نيكسون سابقا.
لكن ترامب سيكون بحاجة إلى نائبه بنس، ليلتف على ذلك بتسليمه السلطة، مقابل أن يقوم "الرئيس الجديد" الذي قد يحكم لأيام أو ساعات فقط، بإصدار عفو عن سلفه.
واعتبرت الصحيفة أن الدافع الثاني المحتمل هو "الترويج الإعلامي"، إذ يمكن لترامب أن يحول استقالته للحظة درامية يحشد من خلالها المزيد من الأنصار ويمرر عبرها المزيد من مزاعمه المشكوك بموثوقيتها.
وثالثا، فقد تأتي لحظة يسأم فيها ترامب من وضعه، ومن الضغوط المفروضة عليه، ليعلن ببساطة استقالته.
لن يحضر تنصيب بايدن
وفي كل الأحوال، فإن ترامب لن يحضر حفل تنصيب بايدن، المقرر في 20 كانون الثاني/ يناير الجاري، بحسب ما أعلن الجمعة.
وفي تغريدة عبر تويتر، قال ترامب: "إلى جميع الذين سألوا، لن أحضر حفل التنصيب في 20 يناير".
اقرأ أيضا: بيلوسي تطالب بعزل ترامب من منصبه فورا.. وبنس يعارض
يأتي ذلك رغم إعلان ترامب أخيرا عزمه تسليم السلطة، بعد تسببه بأحداث غير مسبوقة في واشنطن، الأربعاء.
معضلة "الثلثين"
وفي حال رفض ترامب الاستقالة، وسواء تم المضي بمسار عزله عبر محاكمة برلمانية، أو من خلال التعديل الـ25، فإن المطالبين بإسقاطه قبل 20 يناير سيواجهون معضلة شرط "الثلثين" في مجلس الشيوخ.
ويقضي التعديل الدستوري المشار إليه بأن يجري تصويت الوزراء على تنحية الرئيس في حال رأوا أنه غير مؤهل لأداء مهامه، ليتولى نائبه المنصب تلقائيا، وهو ما جرى إثر اغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدي، قبل تأكد وفاته، عام 1963.
لكن النص الدستوري يتيح للرئيس المقاومة، وإثبات أهليته، لينتقل الحسم إلى الكونغرس، حيث يجب أن يصادق ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ على الأقل لتمرير "التنحية".
وبالمثل، فإن مسار المساءلة البرلمانية والعزل يتطلب موافقة ثلثي الشيوخ.
وحتى مساء الجمعة، فقد أعلن جمهوري واحد أنه يبحث خوض هذا المسار مع الديمقراطيين.
وقال السناتور الجمهوري بن ساس إنه سيدرس الأمر، مضيفا لمحطة "سي بي أس" الإخبارية إن ترامب "لم يحترم القسم الذي أداه".
وبفوز الحزب الديمقراطي في انتخابات الإعادة بجورجيا، أصبح لدى قطبي السياسة الأمريكية عدد متساو من المقاعد في مجلس الشيوخ (50 لكل منهما).
لكن ذلك غير كاف لتمرير عزل ترامب، ما سيضع الحزب الجمهوري أمام أزمة جديدة، قد تعمق انقساماته.
اقرأ أيضا: أربعاء أسود للجمهوريين: حسم ديمقراطي للشيوخ وفوضى ترامب
وبالفعل، وعلى النقيض من السيناتور الجمهوري بن ساس، حذر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، كيفن ماكارثي، الديموقراطيين من أن إطلاق آلية لعزل الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب "سيؤدي الى زيادة الانقسام في البلاد".
وكتب ماكارثي ردا على تأكيد الرئيسة الديموقراطية لمجلس النواب نانسي بيلوسي الاستعداد للتحرك إذا لم يغادر ترامب البيت الابيض في أسرع وقت، أن "اطلاق آلية عزل بحق الرئيس قبل 12 يوما فقط من انتهاء ولايته سيؤدي فقط الى زيادة الانقسام في بلادنا".
قائمة استقالات طويلة و"محرجة"
ومنذ "الأربعاء الأسود"، يتوالى إعلان أعضاء في إدارة ترامب الاستقالة من مناصبهم، احتجاجا على ترامب، ونأيا بالنفس عنه.
وتضم القائمة الطويلة وزيرتين: بيتسي ديفوس، وزيرة التعليم، وإيلاين تشاو، وزيرة النقل.
والأخيرة تحديدا هي زوجة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، ما يثير حرجا خاصا لترامب والحزب.