حقوق وحريات

"العفو الدولية" قلقة على مصير آلاف النازحين في العراق

تسببت الحرب ضد "داعش" بنزوح نحو 6 ملايين عراقي في المجمل (العفو الدولية)

أكدت منظمة العفو الدولية أنها "لا تزال تشعر بالقلق البالغ بشأن تقاعس السلطات العراقية عن إجراء محاكمات عادلة للمشتبه في انتمائهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"، على نحو يتماشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وبدون اللجوء إلى عقوبة الإعدام، وكذلك بشأن تقاعسها عن محاسبة أفراد قوات الأمن العراقية، أو قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كوردستان، المسؤولين عن ارتكاب جرائم معترفٍ بها دولياً".

وقالت منظمة العفو الدولية، في تقرير جديد نُشر اليوم، إن آلاف النازحين العراقيين المشتبه في صلاتهم مع الجماعة المسلحة التي تُطلق على نفسها اسم تنظيم "الدولة الإسلامية"، والذين سبق أن تعرضوا للاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والمحاكمات الجائرة، أصبحوا اليوم عُرضةً لمزيد من المخاطر، نظراً لمضي السلطات العراقية قُدماً في إغلاق مخيمات النازحين، بالرغم من شتى العقبات التي تعترض عودتهم بشكل آمن وكريم ومُستدام.

وكشف تقرير المنظمة، الصادر بعنوان "موصومون مدى الحياة: العراقيون النازحون في حلقة مُفرغة من الانتهاكات والمعاناة"، النقاب عن كيفية استمرار سلطات الحكومة العراقية المركزية، وكذلك حكومة إقليم كوردستان، وصمَ النازحين المشتبه في صلاتهم مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، فتمنع أو تعوق حصولهم على الوثائق المدنية، التي تُعتبر ضرورية للتوظيف والتعليم، ولتلقي الخدمات والمزايا التي تقدمها الدولة، وكذلك لحرية التنقل. ولا يزال أفراد آلاف العائلات في شتى أنحاء العراق يجهلون مصير ومكان ذويهم الذين اختفوا.

وأكد تقرير "العفو الدولية"، أنه يجب على السلطات العراقية وحكومة إقليم كوردستان معالجة مسألة العقاب الجماعي المستمر للنازحين الذين يشتبه في أن لهم صلات مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، باعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من أي خطة وطنية لإغلاق المخيمات، التي تُعتبر حالياً الملاذ الوحيد لآلاف الأشخاص. 

وشددت على أن معالجة هذه المظالم هي السبيل الوحيد لضمان عودة النازحين بشكل آمن وكريم، وبخلاف ذلك فسوف يستمر خطر ترسيخ أنماط الأفعال التي تُعد بمثابة بذور لمزيد من حلقات العنف في المستقبل. 

وقال تقرير "العفو الدولية": "إن السلطات العراقية مضت قُدماً في إغلاق مخيمات النازحين، فأغلقت حتى الآن مخيمات في بغداد، وفي محافظتي نينوى وكربلاء، بالإضافة إلى مخيمات أخرى؛ مما يُعرِّض للخطر فعلياً آلاف النازحين الذين انتهى بهم المطاف بالعيش في ملاجئ محفوفة بالخطر، أو تتم إعادتهم إلى مناطقهم الأصلية؛ بالرغم من مخاوف بعضهم بأنهم لن يكونوا في أمان هناك".

وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنه "حتى يتسنى منع وقوع مزيد من حلقات الانتهاكات، يتعيَّن على السلطات العراقية أن تضمن ألا يتعرض أي شخص للعقاب بسبب جرائم الآخرين؛ وأن بإمكان جميع العراقيين الحصول على الوثائق المدنية؛ وأن يتم الإفصاح عن مكان الأشخاص المختفين. وينبغي أن تُتاح للنازحين داخلياً فرصة حقيقية للاختيار فيما يخص مستقبلهم، وأن تتم أي عمليات إعادة للنازحين بشكل كريم وآمن ومستدام".

وأضافت: "إن إجراء محاكمات عادلة وفعَّالة تتسم بالشفافية للمسؤولين عن الجرائم التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع يُعتبر عنصراً أساسياً يوفر للسلطات قاعدةً مستدامة للتغلب على التركة المدمِّرة لتنظيم الدولة الإسلامية".

وتستند النتائج التي توصلت لها منظمة العفو الدولية إلى بحوث عن بُعد وبحوث ميدانية أُجريت خلال الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 إلى تشرين الأول (أكتوبر) 2020، حيث أجرت المنظمة مقابلاتٍ فردية مع 119 من النازحين داخلياً، وزارت سبعة من مخيمات النازحين داخلياً، كما أجرت مقابلات مع 15 من العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، ومع مسؤولين في هيئات الأمم المتحدة. ووثَّقت المنظمة حالات 67 شخصاً، بينهم 61 رجلاً وثلاث نساء وثلاثة صبية كانوا دون سن الثامنة عشرة وقت القبض عليهم، ممن قُبض عليهم للاشتباه في أن لهم صلات مع تنظيم "الدولة الإسلامية" ثم تعرضوا للاختفاء بين عامي 2017 و2019 على أيدي قوات الجيش العراقي وقوات الأمن العراقية.

الحرمان من المستقبل الآمن

وأكد التقرير أن الأشخاص المشتبه في صلاتهم مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكذلك أقاربهم الذين يتعرضون للوصم والعقاب على حد سواء، يواجهون عقباتٍ شتى في استخراج أو تجديد أو استبدال الوثائق المدنية. 

وذكر أن أفراد قوات الأمن المتواجدين في مديريات الأحوال المدنية دأبوا على مضايقة وترهيب أولئك الأشخاص، الذين قال كثير منهم إنهم لن يحاولوا مرة أخرى الحصول على وثائقهم المدنية لكي يتجنبوا تلك المعاملة.

وقالت لين معلوف: "إن الحكومة العراقية ترغب في إعادة النازحين داخلياً بإخراجهم من المخيمات التي يقيمون فيها حالياً، وذلك في إطار سعيها إلى طي هذه الصفحة المؤلمة من صفحات النزاع. ولكن، يتعيَّن عليها وهي تقوم بذلك ألا تُعرِّض هؤلاء العائدين للخطر".

القبض التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب

يذكر أنه وفي سياق القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، قبضت سلطات الحكومة العراقية المركزية، وحكومة إقليم كوردستان، على بعض النازحين داخلياً، من الرجال والصبية، عند نقاط التفتيش، ومن الخطوط الأمامية، وخلال عمليات عسكرية، وفي مخيمات النازحين، وكذلك في مناطقهم الأصلية بعد عودتهم. 

وتعرَّض رجال وصبية، لا تزيد أعمارهم عن 14 عاماً، للاحتجاز التعسفي والتعذيب والمحاكمات الجائرة على أيدي سلطات حكومة إقليم كوردستان. كما قبضت قوات الأمن العراقية على رجال ونساء وصبية ثم اختفوا بعد ذلك. 

ووفقا لتقرير "العفو الدولية"، كان من شأن هذه الأفعال أن تجعل المعتقلين المُفرج عنهم، بما في ذلك منْ صدرت أحكام ببراءتهم أو أُطلق سراحهم بدون تهمة، وكذلك أهاليهم وأهالي المختفين، عاجزين عن التخلص من الوصمة التي لحقت بهم، وأصبحت تمثل عائقاً أمام آمالهم في مستقبل آمن.

وذكر التقرير أيضا أن "من بين 115 حالة وثَّقتها منظمة العفو الدولية في تقريرها، اعتقلت قوات "أسايش" 48 من الرجال والصبية، بينما تعرَّض 67 شخصاً في محافظة نينوى للاختفاء القسري على أيدي قوات الجيش العراقي وقوات الأمن العراقية".

وأضاف: "لم يكن أفراد قوات "أسايش" الذين ينفِّذون عمليات القبض يقدمون أي سبب للقبض، وكانوا يكتفون بالقول بأن اسم الشخص المعني ورد في "قائمة المطلوبين". وقال عدد من المعتقلين السابقين إن المحققين أبلغوهم بأن القبض عليهم كان بناءً على بلاغات من مخبرين. وأبلغ أفراد "أسايش" أحد الأشخاص بأنهم يقبضون عليه لأن أحد أبنائه مفقود، ويُفترض أنه انضم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية".

ويوضح تقرير منظمة العفو الدولية أن رجالاً وصبيةً احتُجزوا في مراكز احتجاز لعدة أسابيع، بل وشهور، دون إحالتهم إلى سلطات قضائية.

وأكدت المنظمة أنه "يتعيَّن على العراق، باعتباره من الدول الأطراف في "الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري"، أن يجري تحقيقات وأن يقدم إلى ساحة العدالة كل من "يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها" أو يحاول ارتكابها. 

وشددت على أنه يجب على السلطات أن تبادر على الفور بوضع حدٍ لممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأن تضمن أن تكون الظروف التي يُحتجز فيها المعتقلون كريمةً وبناءةً لسلامتهم العقلية والبدنية. 

كما دعت منظمة العفو الدولية سلطات الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كوردستان إلى ضمان التواصل الفعَّال فيما بينهما بشأن المعلومات المتعلقة بحالات القبض على أشخاص، أو إدانة أشخاص، أو الحكم ببراءة أشخاص، أو الإفراج عن أشخاص سبق القبض عليهم أو محاكمتهم في شتى أنحاء العراق.

يُذكر أنه سبق لمنظمة العفو الدولية أن وثَّقت بشكل مكثَّف جرائم تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق، وعدّت بعضها بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأقرت المنظمة بأن أنشطة تلك الجماعة المسلحة لا تزال تشكل خطراً على أرواح المدنيين في العراق حالياً. كما أقرت المنظمة بالتحديات الكبيرة التي تواجهها حكومة إقليم كوردستان والسلطات العراقية، وبواجبهما في حماية أمن جميع المدنيين في أراضيهما، وفي ضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات من أفراد تنظيم "الدولة الإسلامية". 

 

ويقيم عشرات الآلاف من العراقيين في مخيمات منتشرة بأرجاء البلاد وخاصة في محافظات نينوى ودهوك وأربيل (شمال).. ونزح هؤلاء أثناء اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي ثلث مساحة البلاد (شمال وغرب) عام 2014، ومن ثم تحولت تلك المناطق إلى ساحة حرب طاحنة امتدت لثلاث سنوات.


ورغم استعادة العراق كامل أراضيه وإلحاق الهزيمة بـ"داعش" عام 2017 إلا أن هؤلاء النازحين لا يزالون يكافحون للعودة إلى مناطقهم التي تدمرت بفعل الحرب.


كما أن سكان بعض المناطق يرفضون عودة من يقولون إنهم من أسر وذوي مقاتلي "داعش".


وتسببت الحرب ضد "داعش" بنزوح نحو 6 ملايين عراقي في المجمل.

 

إقرأ أيضا: "الغارديان" تتهم مليشيات الحشد بمنع نازحي العراق من العودة