يرافق الحديث عن معاهدة السلام بين الإمارات العربية وإسرائيل، جدل حول رغبة أبو ظبي في اقتناء مقاتلات أف 35 الأمريكية، وهو إصرار غريب، في وقت لن تمنح فيه هذه الطائرة للسلاح الجوي الإماراتي أي تفوق، لاسيما في مواجهة العدو المفترض إيران، بعد إسقاطها لطائرة بلاك هوك الأمريكية السنة الماضية.
وهكذا طالبت الإمارات، بعد إعلانها قبول
السلام مع إسرائيل، من واشنطن بيعها مقاتلات أف 35 الأمريكية، ووسط اعتراض نسبي من
إسرائيل، وتردد من طرف البيت الأبيض، ومصادقة الرئيس دونالد ترامب على بيع أبو ظبي
هذه المقاتلات المتطورة، لا يعني مصادقة البنتاغون عليها، أو الكونغرس، بحكم أن
صفقات الأسلحة النوعية تتطلب المرور بمراحل كثيرة.
وحددت الإمارات عدوها الرئيسي وهو إيران، بل
تبرر أن لا سلام لإسرائيل في مواجهة هذا البلد، وعليه، هل يمكن أن تفيد مقاتلات أف
35 في حالة اندلاع الحرب مع الجيش الإيراني؟ والجواب سيكون بالنفي، لأسباب عديدة
أبرزها:
طائرة إف 35 تعد مقاتلة متقدمة للغاية، لكنها
لم تؤكد فعاليتها في أي حرب حقيقية، وتبقى دون مستوى أف 22، التي تعد الأكثر
تطورا. ويصف عدد من قادة الجو الأمريكي إف 35 بـ»مقاتلة المدنيين» لأن الذين حسموا
قرار صنعها كانوا موظفين مدنيين في البنتاغون، وشركات تصنيع السلاح، أكثر من
الجنرالات الذين هم تاريخيا كانوا وراء مقترحات الصناعة الحربية.
وهناك مقولة لدى
ضباط جيش الطيران مفادها «إذا أرسلت أف 35 لضرب هدف ما، عليك أن ترسل وراءها أف 15
أو أف 16 لكي تتم المهمة». فهي طائرة تمتلك تكنولوجيا متقدمة، لكن هامش المناورة
لديها ضعيف، بل وتفوقت عليها أف 16 في مواجهة تجريبية خلال يونيو/حزيران 2015.
واستعملتها إسرائيل ضد سوريا، ولكن من أجواء بعيدة لتفادي المضادات الصاروخية.
وكان ينتظر اقتناء الجيش الأمريكي آلاف
المقاتلات من أف 35 لتعويض أف 16 وأف 15، لكنه قلص العدد. وأمام استغراب الجميع،
قرر الجيش الأمريكي اقتناء مقاتلات أف 15 التي خضعت لتحديث جديد وتعرف بـ F15EX ، أي بعض قطاعات الجيش
فضلت الاستعانة بطائرة جرى تصنيعها منذ 48 سنة، بدل أف 35. وعمليا، وقع الجيش منذ
شهرين صفقة مع بوينغ بمبلغ 28 مليار دولار للحصول على أكثر من 200 طائرة.
وعليه، فطائرة أف 35 لم تمنح أي تفوق للإمارات العربية في مواجهة حربية كبيرة، لاسيما أمام إيران، فمساحة الإمارات صغيرة نسبيا، وبالتالي فكل شيء في هذا البلد في مرمى الصواريخ الإيرانية، وبالتالي سيكون من الصعب تحريك الطائرات. في الوقت ذاته، نجحت الدفاعات الجوية الإيرانية يوم 20 يونيو من السنة الماضية في إسقاط طائرة من دون طيار أر كيو 4 بلاك هاوك الأمريكية.
هذه الأخيرة تتوفر على آخر تكنولوجيا التخفي
والرصد، التي لا تتوفر في المقاتلات، وعلى الرغم من ذلك نجحت المضادات الإيرانية
في إسقاطها بتكنولوجيا محلية، أو صواريخ روسية من نوع بوك قديمة ومعدلة، فكيف
سيكون الحال في حالة استعمال إس 400 المرعبة. وعليه، فأي مقاتلة لن تستطيع مواجهة
إيران باستثناء اللجوء إلى المقنبلات الاستراتيجية، مثل سبريت، ولن تحصل عليها
الإمارات، كما لم تحصل عليها إسرائيل. لأن واشنطن لن تبيعها لأي أحد.
وهناك مفارقة كبيرة وهو رهان الدول الصغيرة
ذات المساحة والجيش المحدود، على تعزيز أنظمة الدفاع أكثر من الهجوم، لكن في حالة
الإمارات يحصل العكس. ولعل الجواب يكمن في الاستراتيجية التي ترغب الإمارات في
تحقيقها، وهي محاولة تقليد إسرائيل عسكريا والتحول إلى قوة عسكرية ضاربة في
المنطقة. لكن هذا الحلم صعب التحقيق، رغم الأموال التي تتوفر عليها الإمارات، ومن الأسباب:
*أولا، تحصل إسرائيل على السلاح الأمريكي بدون
شروط كبيرة لأنها جزء من الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بسبب تحالف مقدس
يجمع بينهما. وهذا لا يتوفر في الإمارات، التي لا ترقى إلى مفهوم الحليف، بل هي
شريك من الدرجة الثانية، لأن أوضاعها غير مستقرة بسبب غياب مؤسسات صلبة على المدى
المتوسط والبعيد، علاوة على أنها ليست دولة غربية. يضاف إلى هذا، لا تتوصل
الإمارات بالنسخ المتطورة من السلاح الأمريكي، بل فقط بما يعرف بالنسخة الثانية
والثالثة، حتى إذا سقطت في يد جولة معادية للولايات المتحدة لن تعرف كل الأسرار
العسكرية للسلاح.
*ثانيا، إسرائيل تعتبر قوة في التصنيع العسكري،
تقوم بتصنيع الكثير من احتياجاتها، علاوة على أنها تدخل تعديلات على الأنظمة التي
تعمل فيها الغواصات والسفن والمقاتلات، التي تقتنيها نظرا لتقدمها في مجال
الإلكترونيك العسكري. ولا تتوفر الإمارات على أي صناعة عسكرية متقدمة لتطوير
الأسلحة التي تقتنيها.
*ثالثا، كل الإسرائيليين المعتنقين للديانة
اليهودية يتدربون على السلاح، أي وجود جيش احترافي، وآخر في الاحتياط لا يقل
احترافية، وهذا يتوفر في عدد قليل من الشعوب ومنها سويسرا. وهذا الشرط غير موجود
في الإمارات العربية بسبب خوف الحاكمين من الشعب، إذا تدرب على حمل السلاح، وتفضل
الإمارات الخدمة العسكرية البسيطة لأغلب الشباب وتستند إلى عناصر أجنبية في كل
أجهزتها، الأمنية والاستخباراتية والجيش.
لا يمكن صنع جيش قوي ومسلح بإرادة وطنية فقط،
عبر اقتناء الأسلحة المتطورة بل كيفية توظيفها لاسيما في نوعية الوسط الإقليمي.
ولعل مثال السعودية البارز التي هي أكثر تعدادا من الناحية السكانية، وشراء
للسلاح، وفي آخر المطاف لم تحسم أي حرب، وتسعى إلى الحصول على حماية الآخرين،
الأمريكيين أساسا، في مواجهة التهديدات الإقليمية التي تمثلها إيران. اقتناء
الأسلحة لدى بعض الأنظمة العربية ومنها الخليج، مثل حالة الإمارات، هي بمثابة
اقتناء لوحات وسيارات فاخرة للتباهي الفضفاض.
(القدس العربي)