- ثمة تقصير في حق الأدب الكردي والعرب يجهلونه
- لو ترجمت إلى الكردية سأختار كتابا في الحب ويشيع الحب ويحث عليه
- هويتي العراقية لا تنفيها الحدود الجغرافية
هل يمكن أن تتحوَل الترجمة من محرّك للتبادل المعرفي والثقافي بين الشعوب إلى معرقل له وسجنا قاهرا لبعض الثقافات التي يبدو أنّه مكتوب عليها ألاّ تغادر حدودها الجغرافية؟ راودني السؤال وأنا أستعدَ لمحاورة الروائي والمترجم العراقي محسن الرملي حول ترجمة أعماله إلى اللغة الكردية.
فلوهلة شعرت وكأنَ ترجمة رواية عربية إلى الكردية "حدثٌ" لن يتكرر، وربما كنت محقَة في ذلك لعدّة اعتبارات منها، أساسا، "شح" الترجمة كلما تعلَق باللغة الكردية وهذا بديهي في غياب أيَ مشروع ثقافي بين الكرد والعرب؟
فلئن عرفت الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الكردية تطورا في السّنوات الأخيرة فإنّ الترجمة العكسية تظل شحيحة جدا هذا إن لم تكن مفقودة، ما جعل الأدب الكردي مجهولا من العرب. سؤال الترجمة من الكردية إلى العربية من بين النقاط التي طرحناها مع محسن الرّملي وهو ينتظر ترجمة عمل جديد له إلى الكردية وهو رواية "بنت دجلة":
في الواقع لم يكن يسيرا "سرقة" بعض من بعض وقته أو إلهائه عن مسودّات مشاريعه بين الرواية والترجمة والبحث الأكاديمي. ولكن حنينه إلى جذوره في كردستان حمّسه لمقابلة تتناول في جزء منها الترجمة الكردية وأيضا إيمانه بمشروع التحرر الثقافي والتبادل بين الشعوب سمح لنا بمشاركته همومه الفكرية في هذا الموضوع.
حدثنا عن روائع كتاباته الأدبية، وهو المترجم الذي نقل إلينا هموم الترجمة وكذلك أستاذٌ جامعي يحيا بين الكتب والثقافات يستمدّ منها شرعيّة بحث جديد وهو أيضا صحفيٌ يدافع باستماتة عن الفكر والأدب والترجمة: إنّ محاورة محسن الرّملي هي محاورةٌ لشغفه بالأدب الذي انطلق من العراق وامتد عبر العالم.
بدايةً: الترجمة علم أم فن؟
في رأيي، تبقى الترجمة فن، مهما اجتهد البعض في تسميتها عِلم، ذلك أنها تبقى خاضعة في أسلوبها للأسلوب الشخصي للمترجم، معرفته وذائقته وحساسيته، فلو كانت عِلماً لجاءت النتائج متطابقة في ترجمة نص واحد من قبل مترجمين مختلفين
تراوح بين الترجمة والكتابة الأدبية. كيف تخدم كل منطقة الأخرى؟
بالنسبة لي هما منطقة أو ميدان واحد باعتبارهما، في نهاية الأمر (كتابة أدبية)، ومع ذلك فكل منهما يستحق ويستوجب أن يكرس الشخص لها حياته، أما مَن يمارس الاثنين فلا بد أن يكون على حساب إحداهما لصالح الأخرى، وبالنسبة لي فأنا أخدمها حسب أولوياتها عندي شخصياً، وبالطبع، فإن الأولوية لمشروعي الكتابي على حساب الترجمة، لذا فأغلب الوقت والجهد أصرفه عليه، وتأتي الترجمة في المقام الثاني، على الرغم من أنها عمل نبيل وعظيم ومهم وجميل، وأتمنى لو أن لدي المزيد من الوقت لأترجم أعمالاً كثيرة أعجبتني وأود لو يطلع عليها القارئ العربي أيضاً، مع ذلك فإنني دائماً أتحين الفرصة لترجمة شيء ما، فمن عملية الترجمة نتعلم كثيراً نحن الكتاب.
تُرجِمت كل رواياتك إلى اللغة الكردية. أولا؛ أي رمزية لهذه الترجمة؟ وثانيا؛ كيف تجد العلاقة بين الأدبين المكتوب بالكردية والمكتوب بالعربية؟
بالفعل، لدي شعور بسعادة خاصة ازاء ترجمة أعمالي إلى الكردية، فبذلك، هي في متناول كل أبناء بلدي العراق بلغتيه الرئيسيتين العربية والكردية، وخاصة أنها تتناول قضايا عشناها وعانيناها معاً، كما أن الأكراد كانوا ومازالوا جزءاً أساسياً في تكويني بحكم ولادتي ونشأتي في قرية محاذية لهم وأهلها متداخلين معهم ثقافياً واجتماعياً، وجزء من عائلتي يعيش في كردستان، وأمضيت أغلب أعوام خدمتي العسكرية هناك، ولي أصدقاء كثر وذكريات، لذا فأغلب أعمالي فيها إشارات أو شخصية أو مكان كردي.
أما عن الأدبين فأعتقد بأنهما لا يختلفان كثيراً إلا من حيث اللغة المستخدمة، ومع ذلك، ثمة تقصير كبير في ترجمة الأدب الكردي إلى العربية والتعريف به، فالمثقفين والقراء الأكراد يعرفون الأدب العربي جيداً بينما العرب يجهلون الأدب الكردي، وهنا لابد من إيجاد سبل ومشاريع جادة لترجمته، وخاصة أن الآداب هي أفضل وسيلة لتعريف الشعوب بثقافاتها وتزيد من التقارب والتفاهم بينها.
هل ستُترجم روايتك الأخيرة إلى الكرديةّ؟
آخر نص أنتظر ترجمته هو روايتي الأخيرة (بنت دجلة) حيث يتواصل الآن الناشر الكردي مع الناشر الإنكليزي للاتفاق على الحقوق.
لو نويت الترجمة الى الكردية، أيّ كتاب ستختاره؟
سأختار (طوق الحمامة) لابن حزم الأندلسي، لأنه أول أجمل كتاب في الحب ويشيع الحب ويحث عليه أينما حل في كل زمان ومكان.
كيف تجد علاقتك بالقارئ في العراق وأنت الذي تعيش بعيدا في مدريد؟
علاقتي بالقارئ العراقي ممتازة، فأنا وإن كنت أعيش خارج العراق منذ أعوام طويلة، لكنني لم أنفصل عنه ولو ليوم واحد، ذهنيا وعاطفيا وثقافيا، وفي كل ما كتبته كان حضور العراق هو الأقوى والأكبر، ولدي تواصل يومي مع قراء عراقيين من مختلف الأجيال والمدن والقرى، ومن مختلف القوميات والديانات والطوائف، ولا ينقص تواصلي هذا معهم، سوى المزيد من اللقاءات الشخصية، والتي تحول دونها ظروف العراق غير المستقرة.
مؤخرا افتُتحت مكتبة باسمك في العراق، وأخرى بعنوان إحدى رواياتك. أي دلالة لذلك؟
هذا دليل آخر على ما سبق وأن ذكرته عن حسن علاقتي بالقارئ العراقي، فالذين افتتحوا هذه المكتبات هم قراء أصلاً، وهم من بين شبابنا الرائعين اليوم في العراق، علماً بأنني لا أعرفهم ولم ألتقيهم شخصياً، وقد تواصلوا معي عند طلبهم الأذن باستخدام اسمي، وبالطبع فهذا أسعدني جداً ويعني لي الكثير، وأعتز به وبهم كاعتزازهم بي وبأعمالي. لدينا في العراق طاقات شبابية إبداعية مدهشة في شتى صنوف الثقافة والفنون، وفي رأيي هم الآن قوة العراق الوحيدة وأمله الوحيد بالخروج من هذا الخراب الذي يعصف به.
هل ترى أن الكتاب العربي خرج من أزمة كورونا بلا أضرار أم العكس؟
مازال الأمر مبكراً لتقييم ذلك في العالم كله، فكورونا لم تنته بعد ولا ندري كم ستطول معنا، ولكن، كتقييمات أولية، شرقاً وغرباً، الكل خسر مادياً، بسبب إجراءات الحظر وغلق المكتبات وتعثر وسائط النقل وإيقاف معارض الكتب، إلا أنه في المقابل، زاد الاهتمام بالقراءة والكتب، وهذا ما يعول عليه في إمكانية تعويض هذه الخسارة وتحويلها إلى ربح، حال انتهاء هذه الأزمة، والتي تعلَّم منها الجميع شيئاً ما، على صعيد حياته الشخصية والعملية، وسنرى أثر ذلك على طبيعة انتاج الكتاب لاحقاً من حيث النوع والكم ومن حيث التنافس وسبل إيصاله إلى القارئ.
تهويمات وهلوسات محمد عفيف الحسيني