يشبه القرار الذي يعلن فيه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة اليمينية الإسرائيلية، ضم أجزاء من الضفة الغربية، بما يعد خرقا فظا للقانون الدولي، وقطعا لطريق السلام وحل الدولتين، بمنعه إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة، الكود الخاص بالقنابل النووية الذي هو بيد صديقه وحليفه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا كان إقدام الرئيس الأمريكي في لحظة جنون خارقة على اتخاذ قرار شن حرب نووية ستشعل العالم بأسره، فإن قرار ضم أي جزء من الضفة الغربية، يعني إعلان حرب تشعل الشرق الأوسط، الذي لم يخرج بعد من حروب طاحنة مستمرة منذ عشر سنوات مضت.
لقد تورط نتنياهو الذي يعتبر بمقاييس
السياسيين الإسرائيليين محنكا وخبيرا بما يكفي ليرى ما هو أبعد من أنفه، لكنه هذه
المرة، فيما يبدو قد اضطر لأكثر من سبب، للتورط بالإعلان عن نيته اتخاذ قرار
«الضم» بل وتحديد موعد لاتخاذ ذلك القرار، وكان ذلك ربما بهدف الوقوف عند ردود
الفعل قبل أن تحدث، وبذلك تحديد مصير ذلك القرار وشكله، بل ومضمونه، بعد أن كان
الإعلان قد حدد سقفه الأعلى، المتمثل بنحو 30% من مساحة الضفة، تشمل الكتل
الاستعمارية/الاستيطانية، والطرق الواصلة بينها، كذلك الأغوار وشمال البحر الميت.
يقينا لو أن الوقت الذي فصل ما بين إعلان
نتنياهو قبل عدة أشهر، وتحديدا منذ ما بعد إعلان خطة صفقة ترامب في أواخر شهر
كانون الثاني من العام الحالي، كان قد مر دون تحرك سياسي فلسطيني متعدد الأشكال،
ساهم بخلق مواقف قوية من كل العالم، خاصة من دول الاتحاد الأوروبي، الذي لوح
باحتمال اتخاذ عقوبات اقتصادية، وربما قرارات سياسية خاصة بالاعتراف بدولة فلسطين،
من قبل الاتحاد الذي تربطه اكبر علاقة تبادل تجاري مع إسرائيل.
نقول لو أن ردود الفعل اكتفت برفض الخطوة،
وحسب، كما حدث مع قرار ترامب الخاص بالقدس والجولان، لكان نتنياهو قد اتخذ قراره
في الموعد المحدد، أي غدا الأربعاء، دون أن يتردد، خاصة وأن الإعلان يعني تنفيذ
صفقة ترامب، الذي يريد أن يذهب بها إلى انتخابات الرئاسة المقررة في الثالث من
تشرين الثاني القادم، ليعزز فرصته غير المؤكدة بالفوز فيها والبقاء في البيت
الأبيض لمدة أربع سنوات أخرى.
لكن وحيث أن القيادة الفلسطينية، قد واجهت نية
نتنياهو تلك لدفع العالم كله، ليس فقط لرفض الخطوة، بل والاستعداد لمواجهتها بما
يضمن إحباطها، جعل حلفاء نتنياهو من شركائه في الحكم، نقصد بيني غانتس، وكذلك
الفريق الداعم للصفقة في البيت الأبيض، في حالة من تعدد الآراء والمواقف، إزاء
أفضل قرار ممكن لتمرير ذلك اليوم، أي اليوم الذي تورط نتنياهو بتحديده كموعد
لإعلان الضم.
طبعا نتنياهو المشبع بأفكار العنصرية
الصهيونية الجابوتينسكية المتطرفة، مقتنع ويتمنى ضم الضفة الغربية كلها، بل وربما
الضفة الشرقية أيضا، كذلك كان من ضمن الأسباب التي دفعته لإعلان قرار الضم في مطلع
تموز مكانته المهزوزة أمام القضاء، كذلك الأهم كان ذلك ضمن الالتزام أمام ترامب،
الذي كفل اتفاقا بينه وغانتس عشية انتخابات آذار الماضي، بأن يشرعا بتنفيذ صفقته،
بعد أن يعلن الطرف الفلسطيني رفضه للصفقة، على قاعدة أنها كانت خطة تسوية، وما دام
الفلسطينيون يرفضون الدخول إليها، يصبح لإسرائيل الحق في تنفيذ بنودها كما تريد.
عدم اكتفاء الجانب الفلسطيني بالتحرك السياسي
والدبلوماسي الناجح، والبدء بتحريك جماهير الشعب، والتحرك جديا بإعداد الخطوة
المضادة التي اطلق عليها الإعلام الإسرائيلي «سلاح يوم القيامة»، أي إلقاء مفاتيح
السلطة، وأهمها مفتاح الأمن، من خلال جمع أسلحة الأجهزة الأمنية وتسليمها
للاحتلال، وإعلان حل السلطة، فرض إعادة حسابات لدى العدو، غدا سيتضح مداها، إن
كانت كافية لعدم إعلان قرار الضم، أو فتح أبواب جهنم بإعلان ما، حتى لو كان جزئيا.
إعادة حسابات العدو، بدأت تظهر تباعا، وعلى
شكل اختلاف في وجهات النظر والرأي، خاصة بعد اجتماع الوفد الإسرائيلي بطاقم إعداد
الصفقة الخميس الماضي في واشنطن بإعلان عدم اتخاذ واشنطن موقفا نهائيا من قرار
الضم.
هنا يمكن الإشارة إلى أن السفير الأمريكي
ديفيد فريدمان كان مع إعلان الضم، فيما كان وزير الخارجية بومبيو يحضر لهذا من
خلال القول بأن القرار شأن إسرائيلي، لكن إسرائيل بحاجة إلى الدعم الأمريكي
للقرار، لمواجهة مجلس الأمن والأمم المتحدة، ولكبح جماح الموقف العربي. فيما قيل
بأن عراب الصفقة جاريد كوشنير، كان مع تأجيل الإعلان، والقول بأن قرار الضم ما هو
إلا جزء من الصفقة، التي توجب على إسرائيل أن تعلن قبولها أولا، وأن التهديد بالضم
كان بالأصل ضغطا على الجانب الفلسطيني، لإجباره على قبول الصفقة، وبالتالي تنفيذها
دونما مشاكل.
بقدر ما تبدو الحالة الفلسطينية من حيث أنه ما
زال الانقسام قائما، وفي وقت دفعت به إسرائيل لصرف دفعة مالية قطرية، وفي ظل إغراء
حماس بتجديد الحديث عن تبادل الأسرى، والحالة العربية من حيث متابعة خطوات
التطبيع، كذلك انشغال العالم بـ «كورونا» ووجود ترامب لعدة أشهر في البيت الأبيض،
بقدر ما تبدو هذه الظروف مواتية، إلا أن صمود الموقف السياسي، الذي يعرف جيدا مدى
قوة الشعب الفلسطيني، حين تصل الأمور إلى نقطة الصفر، خلق حالة من التوازن إلى حد
ما، بحيث صارت الحالة، أمام: إما تراجع إسرائيل، مقابل ضمانة تجديد التفاوض، أو
فتح الأبواب أمام مواجهة ميدانية تعيد العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى
يوم الخامس من حزيران عام 1967، وهذا يفسر دعوة نتنياهو الجانب الفلسطيني للتفاوض.
وليس هناك بالطبع من معنى لقرار إسرائيلي
بالضم، لا يعترف به احد، بل سيكون سببا في محاسبة إسرائيل سياسيا وقضائيا من قبل
العالم بأسره، وتحولها إلى دولة ملاحقة كما كان حال جنوب أفريقيا قبل عقود خلت،
وهذا ما كان أشار إليه غانتس، قبل أيام، لهذا نقول بان يوم الأربعاء لن يكون مثل
يوم الثلاثاء، ففارق يوم بينهما، يبدو كأنه فارق بين الأرض والسماء.
(الأيام الفلسطينية)