اتفقت صحيفة "فايننشال تايمز" وموقع "ميدل إيست آي"
البريطانيين، على فكرة أن النظام السوري، لن يكون هو المتضرر من قانون قيصر
الأمريكي، بل "سيدفع السوريون العاديون" ثمن القانون.
وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير أعدته كلوي كورنيش،
وترجمته "عربي21"، إن إدارة دونالد ترامب وعدت عندما كشفت عن العقوبات
الجديدة أن يكون الصيف الحالي هو "صيف قيصر"، إلا أن التحرك يظل محدودا.
وأشارت إلى أن الموجة الجديدة للعقوبات وتشمل 39 شخصا وهيئة فرضت عليها
العقوبات فإن أهم شخصيتين هما الأسد ورجل الأعمال محمد حمشو، ومن بين الأهداف
الذين تم تحديدهم تسعة فقط بناء على قانون قيصر، وتمت معاقبتهم بفعل أوامر رئاسية.
وزعم الصقور الأمريكيون أن القانون وسع سلطة العقوبات ومنح الولايات
المتحدة سلطات تضغط من خلالها على الأسد وتحمله مسؤولية جرائم الحرب إلا أن البعض
يرى أن الأمر غير ذلك.
وقال إميل هوكايم، الباحث البارز في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية
إن سوريا ظلت "إزعاجا للولايات المتحدة، ولم يهتم لها لا أوباما ولا ترامب
كثيرا. ولهذا قمنا بتحركات كثيرة بدون سياسة شاملة".
وأضاف: "في البداية دعمت الولايات المتحدة المعارضة التي كانت تعمل
للإطاحة بالأسد بعد الإنتفاضة عام 2011. إلا أن واشنطن قطعت الدعم بعد سحق
المعارضة المعتدلة وأصبحت جهادية. وتم نشر مئات من الجنود الأمريكيين في شمال شرق
سوريا حيث دعموا المقاتلين الأكراد في الحرب ضد تنظيم الدولة".
وتابع: "إلا أن السياسة الأمريكية، أصبحت تركز على عزل الأسد ونظامه،
وتجميد أرصدته ومنع السفر وحظره من الوصول إلى النظام المالي العالمي. والتغير
الوحيد الذي حدث الأسبوع الماضي وكان مختلفا عن جولات العقوبات السابقة هو إضافة
أبناء وزوجات الرموز التي وضعت في السابق على قوائم العقوبات بمن فيهم أسماء
الأسد، زوجة بشار والتي فرض عليها الإتحاد الاوروبي عقوبات".
وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤولين الأمريكيين، يعتبرون أن قانون قيصر، يمنحهم
الفرصة لاستهداف الصناعات المرتبطة بالنظام، مثل الوقود والإنشاءات وبدون أن يكون
هناك إثبات لعلاقتها مع أفراد فرضت عليهم العقوبات.
ورأى جويل ريبورن نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون المشرق والمبعوث الخاص
إلى سوريا أن هذا المدخل يخفض المستوى. فبدلا من إثبات أن هذه الشركة تتعامل مع
النظام "فما نحتاجه هو أن هذا الشخص أو تلك الشركة تستثمر في هذا
القطاع".
وقالت الولايات المتحدة إن الإستراتيجية تستهدف مشاريع التطوير الفاخرة
التي أقامها المقربون من النظام على أراض تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية. كما
يسمح القانون للولايات المتحدة بفرض عقوبات على شركات أو أفراد تنطبق عليهم
التصنيفات مما يضع ضغوطا على مستثمرين ودول مثل الإمارات العربية في خط النار.
وزادت الإمارات الحليفة للولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية عام 2018،
حيث أرسلت وفدا تجاريا إلى سوريا.
وأضافت الصحيفة: "وفي الواقع فهناك استثمارات قليلة بسبب استمرار
الحرب منذ تسعة أعوام. ولم يشعر بصدمة القانون الأولى النظام، ولكن السوريين
العاديين الذين راقبوا الأسعار المرتفعة مع بدء تطبيق القانون الذي أثر على قيمة
العملة السورية".
وقال صاحب محل في السويداء: "نتوقع مع قانون قيصر أن يهان الفقير قبل
الغني".
اقرأ أيضا: طعمة لـ"عربي21": تفعيل "قيصر" سيخنق نظام الأسد
وقال بسام علوش المستشار لمجلس اللاجئين النرويجي ويقيم في الولايات
المتحدة إن هناك حاجة لتشذيب قانون قيصر وتخفيف حدة أثره على الاقتصاد المنهار، وتابع: "يزعم بأنه سيحمي المدنيين ولكن أين مكونات الحماية؟".
بدوره نشر "موقع ميدل إيست آي"، مقالا لأستاذ العلاقات الدولية
بجامعة كوين ماري في لندن، كريستوفر فيليبس عن "قانون قيصر" وأثره على
النظام السوري.
وقال ماري، في المقال الذي ترجمته "عربي21" إن الأسد هزم بشكل
كبير المعارضة المسلحة لنظامه ولكن اقتصاده ينهار.
وأضاف: "فالأزمة المالية والسياسية في لبنان، إلى جانب الحرب الأهلية
التي مضى عليها تسعة أعوام، وعقوبات غربية وفساد حكومي مستشر، أدى لنقص في المواد
الأساسية ونسبة عالية من البطالة وانهيار شبه كامل لليرة السورية".
واليوم يواجه نظام الأسد وشعب سوريا الذي تبلغ نسبة الفقراء منه 80% تحديا
جديدا وهو "قانون قيصر".
وقال إن نظام الأسد يتعرض لعقوبات منذ ما قبل الثورة عام 2011، إلا أن
النهج الجديد الذي تتبعه واشنطن أوسع. فبدلا من استهداف أفراد في النظام يعاقب
قانون قيصر أي شركة وفرد ودولة تتعامل مع نظام فرضت عليه العقوبات.
ورأى أنه من المتوقع أن يمنع هذا القانون الشركات الأجنبية من الإستثمار، ويحرم
الحكومة من الرأسمال الذي تحتاجه، بشكل يزيد من التدهور الاقتصادي. وتأمل الولايات
المتحدة أن يؤدي هذا إلى إجبار النظام على تقديم تنازلات سياسية أو تعديل سلوكه
السياسي، أو حتى التحريض على انقلاب داخلي ضده.
وسارع عدد من المعلقين إلى القول إن قيصر قد يكون اللحظة التي ستنهي حكم
الأسد الدموي.
إلا أن فيليبس يعتقد أن هذه النتيجة ليست محتملة، وذلك بناء على تجربة
العقوبات في سوريا وغيرها. فرغم الدعم الذي تلقاه العقوبات من صناع السياسة في
الدول الغربية، بحيث تعطيهم ورقة نفوذ للضغط بدون تدخل عسكري، إلا أنها من النادر
ما حققت الأهداف المنشودة منها.
وقال إنه على العكس من ذلك كشفت الأبحاث العلمية، أن العقوبات تدفع الأنظمة
الديكتاتورية للتمترس بدلا من الانهيار أو تغيير سلوكها.
والمثال الكلاسيكي هو صدام حسين في
الفترة ما بين 1991 -2003. وكان الهدف الرئيسي وراء العقوبات التي فرضتها الأمم
المتحدة هو التعجيل بالإطاحة به على يد نخب من داخل نظامه، ولكن العقوبات أدت إلى
إفقار الشعب العراقي وزيادة معاناته.
وتابع: "بل وأدت لتقوية نظام صدام، وزيادة تبعية الشعب العراقي،
واعتماده على الحكومة للحصول على الطعام، في وقت حمّلت الدول الخارجية مسؤولية
الفقر للذين يعيشونه".
ورغم عدم تعرض النظام السوري لعقوبات شديدة كتلك التي فرضت على عراق صدام
حسين إلا أن أشكالا من العقاب ظهرت منذ 2011، وتعرض عدد من الأفراد والمؤسسات
للعقوبات الأمريكية والأوروبية.
ولم تؤد هذه العقوبات إلى انقلاب عسكري ضد نظام الأسد. كما لم تدفع النظام كي يعدل من
سلوكياته، من خلال وقف حملات القمع ضد المعارضة أو تقديم تنازلات سياسية.
وقال إنه بمساعدة من حلفائه الروس والإيرانيين الذين عانوا من عقوبات
أنفسهم، وجدت دمشق طرقا للتقليل من خسائرها. وكما حدث في العراق أصبحت النخبة
المقربة من النظام غنية وقوية، فيما حول عبء العقوبات إلى السكان.
وتساءل الكاتب: "فلماذا يعتقد صناع السياسة وحلفاؤهم، أن قانون قيصر
سينجح في سوريا حين فشلت عقوبات شاملة في العراق وغيره؟".
وقال: "ربما كان الجواب نابعا من حجم العقوبات التي لم يجربها الأسد
من قبل، وبالتأكيد ليس صدام. وقد يؤدي القانون لزيادة شلل النظام وظهور اضطرابات
من قواعد لم تتأثر بالأزمة سابقا. فقد شهدت منطقة السويداء التي تعيش فيها غالبية
درزية احتجاجات على الظروف الإقتصادية فيما نشرت تقارير صحافية عن تذمر في المناطق
الساحلية الموالية للأسد.
وحتى لو استمرت الاحتجاجات وتوسعت فقد كشفت تجربة السنوات التسع الماضية،
أن الاحتجاج وحده لا يكفي للتخلص من هذا النظام. فالأسد وحلفاؤه مستعدون لسحق
المعارضة حال هددت حكمهم. ومن بين هؤلاء حزب الله الذي أكد أنه لن يتخلى عن
سوريا وهي تواجه الحرب الاقتصادية".
وقال إنه من غير المحتمل حدوث انقلاب، ذلك أن معظم النخب الاقتصادية مرتبطة
بالنظام. وأفرادها إما مشمولون بالعقوبات أو سيخسرون موقعهم المتميز لو انهار
النظام. ومثل صدام حسين فقد أقام الأسد نظاما محصنا من الانقلابات، بشكل يجعل من
الصعوبة تنفيذ واحد حتى لو أرادت النخبة هذا.
ويقدم قانون قيصر نفس الطريق للأسد وبسبعة شروط يحتاج لتطبيقها. وبعضها
يشتمل على إجراءات تعتبر شعارات للنظام مثل بناء آلية محاسبة ذات معنى. ومطالب
القانون هي أكبر من تلك التي رافقت تخليه عن ترسانته النووية، لكن النظام لم يلتزم
في حينه.
ولفت إلى أن "سلوك الأسد في الماضي، لم يظهر استعدادا منه للتخلي عن
سلطات مهمة، مقابل تخفيف الضغوط الخارجية، خاصة أن حليفته الروسية تحاول لمزه
لتقديم ولو بعض التنازلات الصغيرة، ولكن بدون جدوى. ويعرف صناع السياسة أن
العقوبات لها سجل فقير من ناحية الثمار، إلا أنها تظل السلاح المفضل لدى الدول
الغربية، فهي رسالة للأنظمة القمعية أن هناك تداعيات لوحشيتهم وثمن تدفعه. وفي
الوقت ذاته رسالة إلى الرأي العام المحلي والأجنبي أنها تقوم بعمل شيء بدون اللجوء
إلى المغامرات العسكرية".
وشدد الكاتب على أن "قانون قيصر ليس مختلفا وجاء بعد ضغط السوريين
الأمريكيين على الكونغرس، وليس كجزء من استراتيجية عميقة للحكومة الأمريكية ضد
الأسد. وكغيرها من العقوبات السابقة فلن تضر إلا بالشعب السوري، فيما سيجد الأسد
ومن حوله طرقا للتحايل عليه وتحويل المعاناة إلى الشعب، وتقوية وتحصين النظام. ورغم
أن حال اليوم يقول، إن قانون قيصر سيؤدي
إلى تغييرات إيجابية ملموسة، إلا أن تجارب الماضي تشير إلى العكس".
فورين بوليسي: هل سيساعد قانون "قيصر" المدنيين بسوريا؟
موقع: قائد "درك الجزائر" السابق يسعى للحصول على اللجوء
FP: الأسد يخسر دعم طائفته والأرض تهتز تحت أقدامه