قضايا وآراء

مقالب رامز جلال لن تتوقف.. لهذه الأسباب

1300x600

بين يدي هذا المقال أذكر ما قاله أحمد شوقي:

إن الشجاع هو الجبان عن الأذى     وأرى الجريء على الشرور جبانا

فرغم كل ما فيها من رعب وأذى ووحشية وعنف، حظيت المواسم المختلفة للمقالب التي يقوم بها الفنان المصري رامز جلال مع ضيوفه من مشاهير الفن، بمتابعة كبيرة من الجمهور العربي، وسجلت قناته الرسمية على يوتيوب أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون متابع، مع عدد مماثل من متابعي يوتيوب الذين لا يسجلون بياناتهم.

وعليه، حققت كثير من الحلقات مشاهدات فاقت العشرة ملايين مشاهدة للحلقة الواحدة، ناهيك عن بث البرنامج في أوقات الذروة خلال شهر رمضان المبارك على مجموعة "إم بي سي"، التي تعتبر (شئنا أم أبينا) من أكثر القنوات مشاهدة عربيا.

ووفقا للمتحدث الرسمي باسم القناة مازن حايك، حظي "رامز جلال مجنون رسمي" عام 2020 وخلال أول يومين فقط من بدء عرضه؛ بنحو 120 مليون مشاهد.

اللافت أن البرنامج تعرض لانتقادات شديدة جدا وحملات الكترونية للمطالبة بإيقافه، مع التقدم بدعاوى بحق القائمين عليه في المحاكم. وُوصف البرنامج بالسادية والتفاهة في آن واحد، ومع ذلك فمعظم الذين وصفوا البرنامج بذلك.. ووصفوا مقدمه رامز جلال بـالمريض نفسياً، والمعتوه، والسيكوباثي.. كانوا قد تابعوه ويتابعونه الآن! ما يعني أننا جميعاً لدينا دافع غريزي للعدوان، وإن بيننا من يستمتع بالتنفيس عن عدوانه المكبوت بمشاهدة ما يقع للضحية من أذى نفسي أو جسمي.

والسبب السيكولوجي الرئيس لشيوع البرنامج هو أن المزاج العربي يتقبل ذلك، فالشخصية العربية اعتادت على سلطة مارست ضدها العنف والإذلال والإهانة، كما يقول الاستشاري النفسي د. توفيق صالح.

ويؤكد صالح الآثار المستقبلية الخطيرة لمثل هذا النوع من البرامج على تكوين العقل اللاواعي للأطفال، وأنها تمهد لفكرة خاطئة مفادها أن على الطفل أو المراهق أن يكون شريراً وذكياً و"شاطراً" ليعيش، وإلا فإنه سيكون مغفلاً وفاشلاً وأضحوكة للآخرين.

الطبيب النفسي صالح من القلائل الذين كتبوا عن الآثار النفسية لمثل هذا النوع من البرامج، وكان له رأي في 2018 أننا لن نرى رامز جلال في رمضان القادم.. لا تحت الثلج ولا فوق الجبال لأنه استنفد كل حيله، إلا إذا استوردت "إم بي سي" أو وجدت له فكرة جديدة كفيلة بسد نفقات برنامج تكفي لإطعام آلاف الفقراء وإكساء آلاف الأطفال الذين سيتحسرون على ثوب جديد في العيد.

وكانت الفكرة الجديدة مع "رامز جلال في الشلال" 2019 ثم "رامز مجنون رسمي" في 2020، وعليه لن يستنفد برنامج ناجح بالمقاييس التجارية البحتة حيله. أما مسألة إطعام الفقراء فهذا آخر ما يعني تلك القناة، التي تهتم بتحقيق الربح التجاري في نهاية المطاف، سواء كان البرنامج ساديا مرعب للناس مع رامز أو خيري يروج لدولة بعينها" مثل غيث في "قلبي اطمأن"، فهي تحقق الربحية من البرنامجين.

القناة التلفزيونية المنوعة عندما تحقق الحضور والشهرة وتحظى بالمتابعات العالية قادرة على تحقيق الربح التجاري، بدءا بمجموعة "إم بي سي" وانتهاء بقناة طيور الجنة للأطفال، ولكن هذه المشروعات وبالذات إذا كانت كبيرة على غرار "إم بي سي" تحتاج صبرا و نفسا طويلا من الممولين المعنيين بتقديم ميزانيات كبيرة، والانتظار مدة تقارب الثماني سنوات (على رأي د. طارق السويدان) قبل سؤال من كلفتهم من أهل الاختصاص والحرفية المهنية من القائمين على إدارة القناة؛ عن أرباح مالية، وهذا ما هو غير متاح للأسف في واقعنا، حيث نقع غالبا فريسة ممولين لمشاريع إعلامية يقدمون مبالغ محدودة ويستعجلون العائد المادي. ليس هذا فحسب، بل ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة داخل القناة.

أما دعاوى إيقاف مثل هذه البرامج فلن تؤتي ثمارها إلا إذا كانت مع المقاطعة للمعلنين الذين دون إعلاناتهم لا يمكن لهذه البرامج أن تستمر. وهذا دور منوط بما يعرف بجمعيات حماية المستهلك في عالمنا العربي، التي طالتها آلة القمع في كثير من دولنا للأسف.

ليس هذا فحسب، بل نحتاج تمويل مشروعات إعلامية منافسة لمثل هذه القنوات تقدم المتعة والفائدة في آن واحد، وبشكل مهني محترف؛ فالترفيه جزء لا يتجزأ من صناعة الإعلام، وتقديمه يحتاج للتمويل والإتقان.

وعليه، فمن العبث مطالبة تاجر على هيئة قناة مثل "إم بي سي" بالتوقف عن برنامج مربح تجاريا ويخدم رسالة التفاهة فكريا مثل "رامز جلال مجنون" رسمي، وحتى لو رامز جلال شخصيا امتنع عن تقديم البرنامج فسيأتون بآخر يؤدي ذلك الدور، وسيرتبط الجمهور بالمؤدي الجديد كما ارتبطوا بمن قبله، ما دام المنافس مفقود والبديل غير موجود، والمعلن مستمر في دفع المبالغ الطائلة لمثل هذه البرامج.