قضايا وآراء

استعلاء العرق الأبيض وشعبوية ترامب وعنصرية الشرطة

1300x600
العنصرية موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها، فقد أعطى الدستور الأمريكي قديما البيض امتيازات وحقوقا حصرية دونا عن كل الأعراق الأخرى. والتمييز العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية يتخلل جميع جوانب الحياة، ويمتد إلى جميع الأعراق غير البيضاء. ولا تزال الطبقية العنصرية موجودة وبشدة في مجالات التوظيف والإسكان والتعليم والعلاج.

وبالرغم من وصول رئيس أسود لسدة الحكم في البيت الأبيض، "باراك أوباما"، إلا أن سياسية استعلاء العرق الأبيض لاتزال تضرب بعمق في المؤسسات الأمريكية، وما حادث مقتل مواطن أمريكي من أصل أفريقي، جورج فلويد، على يد أحد أفراد الشرطة بمدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية، إلا دليل على تفشي العنصرية التي يغذيها ترامب، وبعد وصول أوباما صاحب البشرة السمراء للحكم، توقع البعض أن العنصرية زالت ولم يعد لها وجود في المجتمع الأمريكي.

لكن الواقع يؤكد أن تلك العنصرية أطلت برأسها من جديد، وبشكل عنيف غير مسبوق، وكادت أن تكون سياسة دولة في عهد ترامب الذي يتغذى على العنصرية ويتنفسها، ومنذ تولي ترامب للحكم زادت وتيرة العنصرية، والإسلاموفوبيا في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية، وحرص ترامب على رسم خطوط للتمييز بين الأمريكيين البيض والسود، وتبني خطاب كراهية ضد المهاجرين والمسلمين.

وقد تحولت كثير من المدن الأمريكية إلى ساحة حرب. فهذا الحرس الوطني يطلق الرصاص المطاطي على رأس كل من يطل من نافذة منزله خلال حظر التجوال الذي فرضته السلطات ببعض الولايات، وذلك بعد أن عمت المظاهرات عددا كبيرا من المدن والولايات، شملت كافة الفئات العمرية، ضد الأعمال الوحشية التي تقوم بها عناصر الشرطة ضد الأقليات بشكل عام، والأفارقة بشكل خاص. ووصل عدد الموقفين لأكثر من 2500 شخص وقت كتابة المقال.

ولم تتوان الحكومة الفيدرالية عن شيطنة المتظاهرين، وأنهم على تواصل ببعض الجهات الأجنبية التي تسعى لإثارة القلق، وإشعال الفتن، وهو ما قاله وزير العدل الأمريكي وليام بار، إذ قال إن أعمال العنف التي تشهدها مناطق عدة في الولايات المتحدة خططت لها مجموعات من المتطرفين، والمحرضين تسللوا إلى الاحتجاجات في العديد من الأماكن. وأضاف أن العنف مخطط له وينظمه ويقوده من وصفهم بالفوضويين اليساريين، وكذلك المحرضين الخارجيين (ونسي أن يضيف الإخوان المسلمين) للعمل على أجندتهم الخاصة، كمنظمة أنتيفيا. وعلى غرار ما حدث في مصر ثورة يناير المباركة، قام أحد المتطرفين البيض، ومن خلال شاحنة نقل كبيرة، باختراق جموع المتظاهرين بغرض قتلهم.

مما لا شك فيه أن ما تشهده الولايات المتحدة حاليا هي واحدة من أسوأ الأزمات التي واجهها ترامب، بالإضافة لتداعيات جائحة كوفيد- 19، والتي قد تؤدي للإطاحة به خارج البيت الأبيض. ومما يدلل على عمق الأزمة، نقل ترامب إلى مخبأ سري بعد تفاقم المظاهرات أمام البيت الأبيض، والتي وصل صداها لخارج الولايات المتحدة، واتسع نطاق الاحتجاجات. فقد شهدت مدينتا لندن وبرلين خروج المئات تضامنا مع المحتجين في الداخل الأمريكي، بل وصل الأمر لملاعب كرة القدم، كما حدث في الدوري الألماني.

كذلك لم يفوت الرئيس السابق باراك أوباما الحدث، وكتب في بيان له عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، أنه قابل بعض الأمريكيين السود، وناقش معهم واقع العنصرية والتمييز في البلاد. وتطرق لحادث مقتل جورج فلويد، وأكد أنه تابع بحزن شديد ذلك الحادث الذي وقع في مينيسوتا، وأصيب بذعر وبكى حين شاهد فيديو مقتل فلويد. وكتب أوباما أن التعامل بشكل مخيف بسبب العرق أمر مأساوي ومؤلم، وجنون بالنسبة لملايين الأمريكيين.

وبمناسبة حوادث العنف ضد السود في الولايات المتحدة، نذكر عدة وقائع سبقت وفاة جورج فلويد، منها مقتل ترايفون مارتن (17 عاماً) أثناء زيارته أقارب له في ولاية فلوريدا، وكذلك وفاة إريك جارنر اختناقا أثناء اعتقاله في نيويورك، ومقتل مايكل براون بعد مشادة كلامية مع شرطي إبيض بولاية ميسيوري، أيضا إصابة والتر سكوت بطلقات في الظهر في ولاية كارولينا الجنوبية، ومقتل فيلاندو كاستيل على يد شرطي بولاية مينيسوتا. ولا ننسى مقتل بوثام جان في شقته بيد شرطية دخلت شقته بطريق الخطأ، كذلك مقتل طالبة الطب أتاتيانا جيفرسون برصاص شرطي، وإصابة طبيبة الطوارئ برونا تايلور بثماني طلقات في كنتاكي.. كل ذلك وغيره دعا منظمة العفو الدولية إثر الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة حاليا للمطالبة بالكف عن قتل الأمريكيين من أصول أفريقية، وعن السماح للشرطة باللجوء إلى العنف. ودعت العفو الدولية للامتناع عن التهجم على المتظاهرين السلميين، وعن التمكين لأيديولوجية استعلاء البيض، ووقف اعتقال الصحفيين في الولايات المتحدة.

وعن جائحة كورونا التي تضرب الولايات المتحدة الأمريكية بعنف، نجد وحسب الدراسات الأمريكية أن الأقليات الأفريقية الأمريكية والآسيوية تزيد نسبة الإصابة لديها بأربعة أضعاف مقارنة بالسكان البيض! وهو الأمر الذي يؤكد أن كوفيد- 19 يمثل خطورة بشكل خاص على الأمريكيين الأفارقة الذين يعانون أكثر من غيرهم من تلك الأمراض بسبب العوامل البيئية والاقتصادية، ولأن العنصرية أدت لنقص الاستثمارات في مجتمعات الأفارقة، وسوء الرعاية الصحية بشكل عام.

ومع كثرة الحديث والتحليلات والتوقعات لتداعيات حادثة مقتل جورج فلويد وأسبابها، أستطيع القول إن ما يحدث الآن في أمريكا ليست أعمال شغب وعنف، بقدر ما هي انتفاضة مهمشين ومحرومين من أبسط حقوقهم بفعل نظام عنصري رأسمالي متوحش ينحاز للبيض والأغنياء دون غيرهم.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فيجب أن يشمل الحديث عن العنصرية تلك الأعمال التي تمارس ضد المسلمين في الدول الغربية بعد الصعود المتنامي للأحزاب الشعبوية، خاصة بعد وصول ترامب للبيت الأبيض. وما الجريمة التي قام بها الأسترالي برنيدون تارنت، بقتل 49 مسلما أثناء تأديتهم الصلاة في مسجدين بنيوزيلندا، وتلك الممارسات العنصرية الممنهجة التي تمارسها الصين ضد مسلمي الإيجور بشكل يومي، أيضا تلك التي يقوم بها رئيس الوزراء الهندي ضد المسلمين، وكذلك العنصرية ونظام الأبارتايد (الفصل العنصري) الذي يمارسه الاحتلال الصهيوني، وما تقوم به أنظمة القمع العربي القمعي ضد مواطنيها؛ عنا ببعيد.