مخاض عسير مرت به حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، تجاوز مدة «الحمل» الطبيعي للجمال، فبعد أكثر من عام، ومن ثلاث جولات انتخابية، نالت الحكومة تأييد ثلاثة وسبعين نائبا مقابل معارضة ستة وأربعين من أصل عدد نواب الكنيست الإسرائيلي المئة والعشرين.
بدأت التعثر بالفشل بعد إجراء الانتخابات في
نيسان العام 2019، الماضي، وتوالت، ولم تنته إلى ما بعد إجراء الانتخابات الثالثة
خلال عام واحد، وقد ساعد في ظهور هذه الحكومة، بعد تلك الأزمة السياسية الداخلية
الطاحنة، عدة عوامل، لا بد أن تعتمد عليها الحكومة التي تعد واحدة من أضخم الحكومات
الإسرائيلية من حيث العدد الذي وصل إلى 36 وزيرا، من أجل الاستمرار في البقاء،
ولعل في مقدمة هذه العوامل عاملين أساسيين هما: فيروس كورونا، الذي دفع إسرائيل
كما هي حال معظم دول العالم، لإعلان حالة الطوارئ، والتدخل الأميركي من قبل البيت
الأبيض، الذي بات بعد أن توغل كثيرا في انحيازه لليمين الإسرائيلي، وتسبب في اتساع
رقعة معارضي سياسته تجاه ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي في داخل وخارج الولايات
المتحدة.
لكن مجرد تشكيل الحكومة ومن ثم إعلانها لا
يعني أن الأمور ستسير على خير ما يرام، وأنها ستنهي مدتها وهي ثلاث سنوات وليس
أربعا وفق الاتفاق بين الحزبين الرئيسيين اللذين شكلاها، فقد اضطر نتنياهو وغانتس
إلى استرضاء معظم أعضاء حزبيهما، خاصة أعضاء الليكود من ناحية نتنياهو لأنه منح
حلفاءه من الحريديم، وحتى رئيس البيت اليهودي المنشق عن تحالف يمينا، كذلك أورلي
ليفي أبو كسيس، وزارات، رغم أن الأخيرة كانت ضمن تحالف العمل - جيشر، لكن انشقاقها
عن حلفاء «أرزق - أبيض»، قبل التوصل لاتفاق الوحدة، جعل عبء مكافأتها على عاتق
نتنياهو، لدرجة وصلت إلى أن يتم تضخيم الحكومة لتكون الأكبر بستة وثلاثين وزيرا
وستة عشر نائب وزير، في تاريخ إسرائيل، ولو أضفنا مناصب رئيس الكنيست ولجانها،
كذلك مواقع السفراء في الأمم المتحدة والولايات المتحدة، لتوصلنا إلى أن غالبية
نواب التحالف الحاكم قد ظفروا بحصصهم من الغنيمة الحكومية.
فيما يتعلق بـ»كورونا»، فإن قليلا من الوقت
سيجعل منه عاملا متلاشيا، فيما سيبقى عامل البيت الأبيض إلى جانب الحكومة
الإسرائيلية، محافظا عليها من التفكك، ذلك أن أول محطة ستواجهها هي مثول نتنياهو
أمام القضاء، والوصول بحد ذاته إلى هذه اللحظة، دونه صراع عنيد، يتمثل من جانب
نتنياهو وحزبه في ضمان «نقاء» المحكمة من غير الأصدقاء، لضمان البراءة، حتى لو كان
ذلك على حساب مكانة القضاء الإسرائيلي ونزاهته.
شيئا فشيئا، سيتضح مستوى أو درجة تماهي غانتس
واشكنازي وحزبهما «الحصانة لإسرائيل» مع اليمين الإسرائيلي متمثلا بالليكود، دون
«يمينا» مع لون متطرف متمثل بالبيت اليهودي، إضافة إلى الحريديم، ما يعني أن حزب
الوسط لن ينفعه كثيرا وجود حزب العمل الضعيف والمتآكل، لضمان بقائه حزب وسط، كذلك
على الأغلب سيكون بمقدور نتنياهو واليمين احتواء شريكهما الجديد، حتى لا يكون
شريكا مناكفا، لذا فإن سياسة الحكومة، خاصة وأن الولاية الأولى كانت من نصيب
نتنياهو، والتي كان يحتاجها فعلا، أولا لمواجهة القضاء، وثانيا، لإعادة إغلاق
الثقوب والعوائق التي اعترضت طريقه وكادت تودي به إلى قارعة طريق العمل السياسي،
وذلك من خلال التركيز على السياسة الخارجية، والهرب من الملف الاجتماعي، الذي
يعتبر أولوية خصمه الانتخابي، والذي كان يضم غانتس وبقي مقتصرا على يائير لابيد.
لابيد الذي صار رئيسا للمعارضة، مع تنصيب
الحكومة الجديدة، يعرف غانتس وأشكنازي جيدا، وبات خبيرا بشأن السياسة الإسرائيلية،
ورغم أن هذه الحكومة تعتمد على أغلبية كبيرة، فيما المعارضة غير موحدة، فإضافة إلى
حزب «يوجد مستقبل» وتيلم، هناك العرب و»إسرائيل بيتنا» و»يمينا»، وهما على طرفي
نقيض، وهذه الحكومة واحدة من الحكومات القلائل التي تمتعت بهذه القاعدة البرلمانية
منذ سنوات طويلة، إلا أن حرص نتنياهو سيكون على بقاء الحكومة في الفترة الأولى،
أما الفترة التالية، أي العام ونصف العام بدءا منذ العام 2022، فلن يكون معنيا به
كثيرا.
المهم أن الاختبار الأهم سيكون متمثلا في
الخارج، حيث إن وحدة الحكومة الداخلية، وحاجة دونالد ترامب، لمواجهة استحقاقه
الانتخابي بعد أقل من ستة أشهر، تتمثل في الخطوة الدراماتيكية المتعلقة بالضم، ضم
مستوطنات الضفة الغربية وغور البحر الميت وشمال الضفة الغربية، وهذا في حال إعلانه
بشكل دراماتيكي سيفجر الأوضاع داخل فلسطين، وفي جوارها، وسيخلق ضغطا من قبل
الاتحاد الأوروبي، وكذلك صخبا في الكثير من أنحاء العالم، وسيبطئ من خطوات التطبيع
مع دول الخليج، التي طالما تباهى بها نتنياهو واعتبرها إنجازا في سجله كرئيس حكومة.
التلويح الأوروبي باتخاذ خطوات عقابية ضد
إسرائيل في حال إقدامها على خطوة الضم، إضافة إلى مواجهة نتنياهو طمع قيادات
الليكود كان سببا في تأخير موعد إعلان الحكومة، الذي كان مفترضا يوم الأربعاء
الماضي حين جاء خصيصا لذلك مايك بومبيو وزير خارجية ترامب، وحيث كان سيتلوه اجتماع
وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الخميس، واجتماع القيادة الفلسطينية السبت، لذا فقد
تبع التأجيل الإسرائيلي تأجيل فلسطيني، فيما خرج عن الاجتماع الأوروبي بيان، كان
مضمونه التحذير وعدم استباق الأمور، وفقا لما سعت إليه الدبلوماسية الإسرائيلية
ومؤيدوها في الاتحاد الأوروبي، وهذا سمح - أي إعلان الحكومة يوم الأحد، أي بعد
الاجتماع الأوروبي لنتنياهو إلى أن يتحدث عن الضم وعن مواجهة الجنائية الدولية،
وكأنه يقرأ خطوط برنامج الحكومة، مع أن ذلك لم يكن ضمن بنود الاتفاق مع غانتس المعلنة،
لكنه يؤكد أن هذا هو برنامج نتنياهو الذي سيحاول فرضه على شريكيه الأضعف منه في
الحكومة، حتى يضمن رد الجميل لترامب من جهة، وخروجه معافى من معركة القضاء، ثم
بقاءه عاما ونصفا آخرين في الحكم، على أقل تقدير.
(الأيام الفلسطينية)