مقالات مختارة

بينما يركز الغرب كل اهتمامه على كوفيد-19 تدفع الدول الضعيفة الثمن

1300x600

حتى الآن، تمكن الناس في البلدان ذات الدخل المتدني والتي تعاني من الصراعات الداخلية من الإفلات إلى حد كبير من مستويات مرتفعة من عدوى كوفيد-19 كالتي شهدتها أوروبا الغربية والولايات المتحدة، إلا أن ذلك الوضع قد يتغير.

هؤلاء يقتلهم الوباء بأشكال مختلفة: فقدان الوظائف، دمار المشاريع التجارية، زيادة الفقر، تزايد سوء التغذية ومخاطر المجاعة، والارتفاع الذي قد ينجم عن كل ذلك في الأمراض الأخرى غير كوفيد والتي تبقى بلا علاج رغم إمكانية الوقاية منها.

بالنسبة لمن هم الأشد ضعفاً، ثبت أن الترياق الذي تلجأ إليه دول العالم المتقدمة أسوأ من المرض ذاته. ففي أسوأ الظروف لا مفر أمام العائلات من أن تختار بين أن تجوع وأن تمرض.

ويفاقم من معاناتهم وجودهم في أوضاع لا تقل سوءاً عن تلك التي يخلقها كوفيد – مشاكل مستعصية في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والمناخ لم تعد تطاق.

حذرت لجنة الإنقاذ الدولية في الأسبوع الماضي من أن موجة عارمة من عدوى كوفيد ستضرب بلاد ما دون الصحراء في أفريقيا، وبدون إجراء دولي عاجل، يمكن للفيروس أن يتسبب في مليون إصابة ويقتل 3.2 مليون شخص في 34 بلداً ضعيفاً بمن فيهم أفغانستان وسوريا، حسب ما جاء في بيان اللجنة.

وصدرت عن منظمة الصحة العالمية تحذيرات مشابهة. ولكن حتى لو تم بطريقة ما تجنب السيناريوهات الأسوأ فإن الدول الأفقر في العالم تعاني من أضرار هائلة تكبدتها رغماً عنها.

بحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن نصف مليار نسمة، أو ما يقرب من 8 بالمائة من تعداد السكان في العالم، قد يدفعون نحو العوز بنهاية العام الحالي بسبب الوباء. ويتوقع أن يتراجع القتال ضد الفقر ثلاثين سنة إلى الوراء.

يمكن للأزمة أن تفضي إلى مجاعة لم تحدث منذ آلاف السنين، حيث سيتضاعف عدد الناس الذين يواجهون الجوع ليتجاوز 250 مليون، بحسب ما صرح به برنامج الغذاء العالمي. وسيؤدي شح التبرعات وتراجع المساعدات الغذائية إلى موت ما يقرب من ثلاثين مليون نسمة خلال بضعة شهور، كما يقول البرنامج.

تراجع الطلب، وانهيار سلاسل التوزيع وتعطل أسواق التصدير، كل ذلك يدفع بالناس نحو الحافة، وسيؤثر على مختلف المجموعات مثل منتجي الزهور في إثيوبيا وكينيا، ومزارعي الشاي في سريلانكا، وعمال إنتاج الملابس في بنغلادش، والذين يقال إن عقودهم المبرمة مع مراكز التسوق الكبيرة في بريطانيا قد ألغيت.

ومن البلدان الأكثر عرضة للمخاطر الكونغو والسودان وجنوب السودان ونيجيريا وفنزويلا وهيتي كما يقول برنامج الغذاء العالمي مؤكداً على أن "ملايين البشر لن يتمكنوا من الأكل إلا إذا تمكنوا من العمل وكسب العيش."

ومن أسوأ البلدان أوضاعاً اليمن التي تمزقها الحرب. يعتمد حوالي 12 مليون يمني على المساعدات الغذائية، وهؤلاء كلهم مهددون بتجدد القتال، كما أن تكرار انتشار وباء الكوليرا وارد، ولذلك قد يكون أقل هموم اليمنيين الإعلان الأسبوع الماضي عن اكتشاف مجموعة من المصابين بوباء كوفيد-19 في عدن.

من البلدان الأخرى التي تعاني من تشوهات تسبب بها الصراع جنوب السودان، تلك الدولة التي لا تملك أدنى قدرة على التعامل مع الحالات الطارئة لوباء كوفيد-19. كان ما يقرب من 61 بالمائة من سكانها يواجهون انعدام الأمن الغذائي خلال عام 2019، ومن العوامل التي ساهمت في ذلك الجفاف والجراد.

ولكن نظراً لأن عدد حالات الإصابة المؤكدة بمرض كوفيد-19 لم يتجاوز 34 حتى الآن، بدون وفيات، فإن أكثر ما يقلق جنوب السودان في الوقت الراهن هو تأثير الوباء المباشر على المساعدات الإنسانية وعلى التزود بالطعام وعلى الأحوال المعيشية.

وهذه نظرة يشترك فيها الكثيرون في جنوب أفريقيا، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في القارة. فعلى الرغم من أن عدد الوفيات حسب الإحصاءات الرسمية يزيد قليلاً عن 100، إلا أن الإغلاق الحكومي يكبد البلاد ما قيمته 570 مليون جنيه إسترليني في اليوم. تم تخفيف بعض القيود يوم الجمعة الماضي وسط مخاوف من أن ما يقرب من 1.7 مليون شخص يمكن أن يفقدوا كل وسائل كسب العيش.

ولو ألقينا نظرة كونية فسنجد أن أثر الوباء على الوظائف مدمر للغاية. ففي الأسبوع الماضي صرحت منظمة العمل الدولية أن 1.6 مليار عامل ممن يشتغلون في الاقتصاد غير الرسمي – أي تقريباً نصف العدد الإجمالي للقوى العاملة عالمياً والتي تعد ما يقرب من 3.3 مليار – "يواجهون خطراً مباشراً يؤذن بدمار معيشتهم."

وجاء في تقرير المنظمة: "نجم عن الشهر الأول من الأزمة تراجع في دخل العمال غير الرسميين عالمياً بما نسبته 60 بالمائة. وهذا يعني هبوطاً قدره 81 بالمائة في أفريقيا والأمريكيتين."

وفيما لو استمرت الإغلاقات أو توسعت، فستزداد الأحوال سوءاً. يزيد عدد المشاريع المهددة نتيجة للإغلاقات عن 436 مليون. يقول غاي رايدر من منظمة العمل الدولية: "إن عدم وجود عمل بالنسبة لملايين العمال يعني عدم وجود دخل وعدم وجود طعام، كما يعني أيضاً عدم وجود أمن وعدم وجود مستقبل."

يهدد انشغال الغرب بذاته بتجاهل الأثر الضار للفيروس على معالجة الأمراض غير المرتبطة بكوفيد والتي يمكن من حيث المبدأ الوقاية منها. وكما أن الوفيات بسبب السرطان في بريطانيا من المتوقع أن تزداد بسبب تحويل الموارد، فكذلك يجري حالياً في البلاد الأشد فقراً الاختصار في برامج التطعيم ضد الحصبة وضد الأمراض الأخرى.

أعلنت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي أن مطاعيم شلل الأطفال لما يقرب من 12 مليون طفل في أفريقيا سوف تتأخر بسبب توجيه الموارد نحو مكافحة كوفيد-19. وأقرت المنظمة بأن مثل ذلك التحرك سوف يؤدي لا محالة إلى زيادة حالات الإصابة بشلل الأطفال.

يحذر خبير المطاعيم إدوارد باركر من أن انقطاع برامج التطعيم كثيراً ما يؤدي إلى "تفجر" في تفشي الأمراض المهددة للحياة، والتي كانت من قبل تحسب أوبئة معطلة. ويضيف: "بدون جهود منتظمة للحفاظ على بقاء برامج التطعيم سارية، يمكن أن يكون من تداعيات الفيروس حصول ارتفاع كارثي في عدد الوفيات بين الأطفال."

كما أن الوباء يوفر للحكومات الخبيثة غطاءً لانتهاج سياسات تهدد حياة الناس، بغض النظر عن كوفيد-19. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك ماينمار، حيث استأنف الجيش قمعه للأقليات في ولايات راخين وتشين.

في الأسبوع الماضي، قالت يانغي لي، مقررة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، إنها تخشى من تكرار الإبادة الجماعية المزعومة في عام 2017 حينما أجبر ما يقرب من 700 ألف من مسلمي الروهنغيا على الفرار. تعتبر مخيمات اللاجئين المكتظة التي نجمت عن ذلك داخل بنغلادش المجاورة نقاط محتملة لتكاثر وتفشي كوفيد-19 القاتل.

كما تكشف كشمير عن كم أكبر من الأضرار ذات العلاقة بكوفيد. وذلك أن استمرار الإغلاق غير القانوني الذي فرضته الحكومة الهندية في العام الماضي بات يبرر الآن باسم احتواء المرض. ومن بين النتائج: تكاثر المشاكل المتعلقة بالصحة النفسية بما في ذلك الاكتئاب، القلق، الانتحار، والعنف المنزلي.

ولا ينبغي إغفال أن إدارة ترامب ماضية في تجاهل مطالبة الأمم المتحدة لها برفع العقوبات عن البلدان التي تناضل في مقارعة الفيروس بعد أن هاجمها بشدة مثل إيران وكوبا وفنزويلا. في نفس الوقت تسد الإدارة الطريق على مساعي وقف إطلاق النار على المستوى العالمي.

لا يمكن إصلاح كل هذه الأضرار من خلال المليارات التي يعرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لمساعدة الدول الأفقر ولا حتى من خلال إعفائها من الديون. في هذا الوقت بالذات، يهدد أسلوب العالم المتطور في الاستجابة للوباء أعداداً متزايدة من الناس حول العالم أكثر مما يهددهم الفيروس ذاته.

 

صحيفة الغارديان للاطلاع على النص الأصلي للمقالة اضغط هنا