مرّرت الحكومة الجزائرية على البرلمان، تعديلات مثيرة للجدل في قانون العقوبات، تتعلق في جزء منها بتشديد الأفعال الماسة بأمن الدولة والوحدة الوطنية، ما أثار مخاوف من وجود نوايا للتصعيد ضد الصحفيين والنشطاء.
واتخذت هذه التعديلات، طابعا استعجاليا، ففي وقت قياسي، تم صياغتها والمصادقة عليها في مجلس الوزراء، ثم مناقشتها شكليا في البرلمان الذي صوتت فيه الأحزاب المحسوبة على الرئيس السابق، بالإجماع على تمريرها.
وارتأت الحكومة أن تشدد عقوبات المسّ بأمن الدولة والنظام العام، وتستحدث قانونا خاصا بمكافحة التمييز والكراهية، على الرغم من أن قانون العقوبات في شكله الحالي، يخصص أحكاما ثقيلة بالسجن، ضد من توجه له مثل هذه التهم.
مضمون التعديلات
ومما تنص عليه التعديلات الجديدة، معاقبة كل من ينشر أو يروج عمدا بأي وسيلة أخبارا كاذبة بين الجمهور من شأنها المساس بالأمن والنظام العموميين، وهذا بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات مع غرامة تتراوح ما بين 700 إلى 1000 دولار، على أن تضاعف العقوبة في حالة العود.
واللافت أن هذا النص يتقاطع مع ما يسمى جنح الصحافة التي لا تطبق عليها العقوبات السالبة للحرية وفق ما تنص عليه المادة 50 من الدستور الجزائري.
ويوجد حاليا ثلاثة صحفيين من جريدة "الصوت الآخر"، تحت الرقابة القضائية في انتظار محاكمتهم، بسبب نشر الصحيفة مقالا صحفيا يتحدث عن وجود أخطاء في تحاليل معهد باستور الخاصة بالمصابين بفيروس كورونا.
ووضعت للصحفيين المتابعين تهم المساس بالوحدة الوطنية ونشر ما يهدد المصلحة الوطنية، وهو ما يجعلهم في حال الإدانة مهددين بالحبس مع إمكانية أن تزيد مدة العقوبة في ظل التعديل الجديد.
ومن بين التعديلات المدرجة على قانون العقوبات، معاقبة أي شخص تلقّى أموالا من جهات داخل أو خارج الوطن بعقوبة من خمس إلى سبع سنوات وغرامة من 3 آلاف إلى 5 آلاف دولار.
وتسلط هذه العقوبة بمجرد تلقي الأموال بغض النظر عن تحقق الجريمة التي تلقى الأموال لأجل ارتكابها أو للتحريض عليها، وتضاعف العقوبة إذا ما تم تلقي الأموال في إطار جمعية أو منظمة مهما كان شكلها أو تسميتها.
وإذا تمت هذه الأفعال تنفيذا لخطة مدبرة داخل أو خارج الوطن تكون عقوبة الحبس من خمس إلى عشر سنوات مع معاقبة الفاعل بالعقوبات المقررة للجناية أو الجنحة المرتكبة إذا ترتب عن هذه الأفعال ارتكاب جناية أو جنحة.
تلقي الأموال من الخارج
وفي الأيام الأخيرة، اتهم وزير الاتصال موقعين "مغرب إمرجنت" و"راديو أم"، بتلقي تمويل خارجي، وذلك في تبريره لحجبهما عن الجمهور، على الرغم من ردّ الشركة المالكة للموقعين على ما اعتبرته مزاعم "غير مؤسسة".
وفي دفاعه عن هذه التعديلات، قال وزير العدل بلقاسم زغماتي، إنها تهدف لمحاربة بعض التصرفات التي برزت في السنوات الأخيرة، والتي أخذت حسبه، شكل انحرافات تهدد اللحمة الاجتماعية.
اقرأ أيضا : تغيير قادة المخابرات بالجزائر.. هل تحكّم تبون بالأجهزة الحساسة؟
وذكر الوزير أمام نواب البرلمان، أن بعض الجرائم تم ارتكابها من قبل أشخاص تلقوا أموالا من جهات داخل وخارج الوطن وهي أفعال لا تشكل جريمة مستقلة بذاتها وإنما تنضوي تحت أوصاف أخرى واردة في قانون العقوبات، وهو ما استوجب حسبه، تخصيصها بمواد جديدة.
أما الناطق الرسمي للرئاسة، محمد السعيد أوبلعيد، فقد ذكر أن حرية ممارسة الصحافة مضمونة ولا يوجد نية للحد منها، لكن يجب أن تمارس حسبه، في إطار احترام القانون وقواعد المهنة والآداب العامة.
جدل بين القانونيين
وفي تقييمه لهذه التعديلات، قال المحامي والقانوني، عمار خبابة، إن صدور مواد جديدة في قانون العقوبات، هو أمر تشريعي عادي، لا يمكن وصفه بأنه خطوة نحو الأحسن أو باتجاه الأسوأ.
وأوضح خبابة في تصريح لـ"عربي21"، أن مواد ونصوص قانون العقوبات، يُفترض أن تأتي كآخر حلّ، فكما يقال آخر الدواء الكيّ، فإن آخر حلّ لوضع حدّ لسلوك ضار هو الزجر والعقوبة.
وأضاف خبابة: "أنا أتساءل هل تلقي أموال أو هبات أو مزايا من دولة أجنبية أو من أي جهة أجنبية سواء كانت شخصا أو جمعية أو ما شابه ذلك، من أجل القيام بأفعال نتفق أو نختلف حول طبيعة مساسها بأمن الدولة واستقرار مؤسساتها ووحدتها الوطنية.. أتساءل إن كان هذا الفعل في حدّ ذاته مقبولا؟".
وفي اعتقاد الخبير القانوني، فإن مسألة التمويل الأجنبي مهما كانت غايته، يوجد حولها إجماع شعبي بالرفض، لكنها ظاهرة موجودة للأسف، حسبه، وقد زادت استفحالا في السنوات الأخيرة.
خلافا لهذا الرأي، يرى عبد الغني بادي رئيس مكتب العاصمة للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن التعديلات المتعلقة بالتمويل والهبات، الغرض منها ترك الساحة الجمعوية والتنظيمية للسلطة دون غيرها.
اقرأ أيضا : أنابيب الغطس تحولت لأجهزة تنفس صناعي في الجزائر
وأوضح بادي في تصريح لـ"عربي21"، أن قمع كل من له مشروع في إطار ثنائي دولي مصرح به وواضح الأهداف والمعالم، هو بمثابة انعزال عن العالم وغلق كل أبواب الشراكات والتعاون، بمبررات واهية.
واستغرب محامي نشطاء الحراك تعديل قوانين عقابية قبل الانتهاء من مشروع الدستور، مع أن المتعارف عليه أن القوانين لاسيما الجزائية منها توضع وفق الدستور ومراعية له وللمواثيق الدولية.
وحذّر بادي من أن النصوص المطاطة الفضفاضة، المتعلقة بالمساس بالوحدة الوطنية وأمن الدولة والنظام العام واستقرار المؤسسات والمصالح الأساسية، قد ترجع بالجزائر إلى سنوات ما قبل الدولة في التلاعب بالمصطلحات، ما دامت التعديلات لم تقدّم تعريفا دقيقا لهذه المصطلحات أو صور وقوع هذه الجرائم.
خلاف حول التوقيت
ومن بين المؤاخذات التي سجلها رئيس نادي القضاة، سعد الدين مرزوق، سوء اختيار التوقيت لعرض مشروع القانون على البرلمان في ظرف الجائحة التي تمر بها البلاد.
وقال مرزوق في مساهمة له، إن التعديلات لا تخلو من إيجابيات وسلبيات، لكن لم يكن ينبغي تمريرها دون إخضاعها للنقاش العام بين المختصين وخلق نقاش مجتمعي يساهم في إثراء الوعي الجمعي للمواطنين.
ومن الجانب السياسي، قال ناصر حمدادوش، الرئيس السابق للكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم، إن الإشكال في الجزائر هو دائما في الممارسات وليس في القوانين المجردة.
وذكر حمدادوش في تصريح لـ"عربي21"، أن هذه الجرائم المستحدثة التي تم بها تبرير التعديلات الجديدة، يمكن استيعابها وتكييفها مع القوانين السارية المفعول، ما يطرح تساؤلا حسبه، عن الصفة الاستعجالية لتمريرها مع مناقشة محدودة، وفي توقيت الكل مشغول فيه بأولوية مواجهة أزمة كورونا.
والغريب وفق النائب، أن هناك تعطيلا لعمل البرلمان بشكل يخالف الدستور وكأننا في حالة حرب أو طوارئ، لكن عند الحاجة لتمرير بعض القوانين، يتم اللجوء إليه بطريقة لا تسمح حتى بالمناقشة الكافية لمضمون ما يطرح عليه للتصويت.
تغيير قادة المخابرات بالجزائر.. هل تحكّم تبون بالأجهزة الحساسة؟
تعرف على معاناة ولاية "البليدة" الجزائرية بسبب كورونا
مرور عام دون بوتفليقة.. هل تغير النظام بتغيّر الرئيس؟