لا حفلات غنائية
ولا ملاعب كرة قدم ولا مباريات ملاكمة. يبذل محمد بن سلمان قصارى جهده لإيجاد
حكاية جديدة يقنع بها رعاياه المترددين بأنه منقذهم.
غدت المدينة ومكة
هادئتين وخاليتين تماماً من الحجاج، وأغلقت دور السينما وملاعب كرة القدم ومقرات
الحفلات الموسيقية.
وبات فيروس
كورونا يهدد حكاية الشرعية الجديدة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
فها هي رؤية 2030
ومشروع التحول الوطني اللذان جاء بهما يتعثران. وما انهيار أسعار النفط وتعليق
برامج التسلية والترفيه واختفاء السياحة إلا بعضاً من مشاكله، وجميعها ناجمة عن
إجراءات الإغلاق وحظر التجول والتباعد الاجتماعي التي فرضت كرد فعل على الوباء.
وبينما لا تزال
الأعداد الحقيقية للإصابات والوفيات داخل المملكة محل مراوغة، فإن القرار الأخير
بفرض حظر للتجول على المدينتين المقدستين يعكس الشعور المتنامي بالخطر، والذي
يتناقض مع ما كان يبث من دعاية في وقت سابق حول تمكن الحكومة من التغلب على
المشكلة ويفند الادعاء بأنها كانت مجرد مشكلة "شيعية".
طائفية سحيقة
في بداية انتشار
المرض، سارع محمد بن سلمان إلى إرسال قواته لمحاصرة القطيف، حيث تقطن أغلبية
شيعية، موجهاً بذلك رسالة قوية مفادها أن أولئك السعوديين الذين تحدوا حظراً
مبكراً على زيارة إيران هم الذين جلبوا معهم لدى عودتهم مرضاً خطيراً ومعدياً.
وهكذا تم ضرب طوق
عليهم داخل مدينتهم بينما ذهبت آلة الدعاية المملوكة للدولة تحول وباء فيروس
كورونا الذي اجتاح البلاد إلى شأن طائفي بحت. ولكن لم تمض سوى أيام قليلة حتى بدأت
تظهر العدوى بين السعوديين في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة.
والآن تواجه مكة
والمدينة حظراً صارماً للتجول، ويتوقع أن يظل قائماً إلى حين، مهدداً بذلك سياسة
كانت ترمي إلى توسيع عدد الحجيج، والذين يشار إليهم من حين لآخر بعبارة
"السياحة الدينية" كجزء من خطة تنويع موارد الاقتصاد.
قيل للمسلمين حول
العالم بألا يخططوا لأداء الحج هذا العام والذي يصادف شهر أغسطس / آب. أما العمرة،
فقد توقفت تماماً نظراً لإغلاق الحرم وتوقف الصلاة فيه. وكان قد طلب من أئمة
المسجد أن يذهبوا إلى بيوتهم.
نهاية سيرك
الولاء
يقوض فيروس
كورونا حالياً الأجندة الوطنية لولي العهد، تلك الأجندة التي تتطلب احتشاد الشباب
ليهللوا ويصفقوا في الحفلات الموسيقية وداخل مدرجات ملاعب كرة القدم وفي مباريات
الملاكمة. لقد اختفت كل هذه الفعاليات من المرافق التي أنشئت مؤخراً لهذا الغرض في
المدن الكبرى بما في ذلك قاعات الحفلات الموسيقية والمسارح ودور السينما.
كانت حفلات
الشوارع لحظة عابرة للهو والاسترخاء، ولكن الأهم من ذلك أنها كانت فرصاً للإشادة
بسيرك الترفيه الذي افتتحه مؤخراً محمد بن سلمان. أما الآن، فقد بات سيرك الولاء
الاستعراضي لولي العهد شيئاً من الماضي.
والآن صار لزاماً
على ولي العهد أن يوفر الخبز بدلاً من السيركات – إلا أن إيرادات المملكة العربية
السعودية المتناقصة بسبب انهيار أسعار النفط سوف تحد لا محالة من قدرة محمد بن
سلمان على شراء ولاء وطاعة رعاياه.
ولم يبق أمامه من
خيارات سوى السحب من الاحتياطي السيادي والاقتراض من الأسواق العالمية.
لقد تسبب فيروس كورونا
في طمس ذكر ولي العهد بعد أن هجر الناس مراكز التسوق والميادين والشوارع، ولم تبق
سوى لوحات صوره الصامتة التي زينت بها الأماكن التي أضحت فارغة. وتبذل آلته
الدعائية عبر الإنترنيت كل مساعيها جاهدة لتحويله إلى ما يشبه الأيقونة، إلى منقذ
من جائحة فيروس كورونا الخطرة.
في أوقات الأزمات
يختفي ولي العهد فجأة من أمام الناس. وقد حدث مثل ذلك من قبل مباشرة بعد جريمة قتل
جمال خاشقي في إسطنبول، حيث راح والده، الملك سلمان، يثبت وجوده في ظهور غير معتاد
في مختلف أرجاء البلاد، مساندة منه لولده المتهم.
الخبز قبل الدعاية
ومؤخراً، خاطب
الملك الأمة، واصفاً فيروس كورونا بالتحدي. وفيما بعد نصب شخصية مركزية في قمة
العشرين التي عقدت عن بعد ونظمها مؤخراً المركز الإعلامي للمملكة في الرياض. ومن
خلال الدعوة إلى التعاون الدولي لمحاربة فيروس كورونا، أريد لجهود الملك سلمان أن
تخدم آلة الدعاية، ولكنها لم تثمر سوى الضجيج.
ولكن قد لا يتمكن
ولي العهد من الاختباء في ظل والده طويلاً. فلقد مضى فيروس كورونا بجائحته يفضح
عجز حتى أكثر أنظمة الحكم انفتاحاً وديمقراطية ناهيك عن أولئك الحكام المركزيين
والمستبدين الذين ما عادات رواياتهم تطمئن شعوبهم القلقة.
مثلهم مثل بقية
الناس في العالم، أقفل السعوديون أبواب بيوتهم على أنفسهم طلباً للسلامة والعافية،
وراحوا يفكرون في مستقبل يصعب التكهن به، ومن خلفهم دولة ريعية آخذة في الانكماش
ما عادت قادرة على إنفاق المال على توفير رغد من العيش لهم، ولا توفير ما يلزمهم
من وظائف، ولا الإغداق عليهم بالرواتب السخية، ولا الخدمات الطبية، ولا المساكن
ولا الخدمات التعليمية.
بات الاقتصاد
القائم على النفط في حالة من الإجهاد الشديد وقد لا تعود الإيرادات إلى المستويات
التي كانت عليها في أوقات سابقة.
وقد لا يأتي
الحجاج في آب/أغسطس، مما يوجه ضربة أخرى لاقتصاد يجد صعوبة فائقة في تحرير نفسه
من الاعتماد على النفط. وبينما تتوقف عجلة الاقتصاد العالمي، يمكن أن تفوت المملكة
العربية السعودية الفرصة في أن تصبح وجهة مفضلة للاستثمارات الأجنبية.
سوف يستمر محمد
بن سلمان في البحث عن مصادر جديدة لشرعيته يحاول من خلالها إقناع رعاياه
المترددين. إن قدرته على إدارة أزمة فيروس كورونا هي التي ستثبت ما إذا كان هو ذلك
المنقذ الذي تصوره آلته الدعائية.
(ميدل إيست آي)