في خطوة مفاجئة؛ حتى لحركة "حماس"؛ أعلن عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة "الحوثي" اليمنية التي تسمّي نفسها "أنصار الله"؛ في محاكاة لحزب الله اللبناني، حتى في "الشعار".. أعلن استعداد حركته لمبادلة طيار سعودي أسير و4 ضباط آخرين بمعتقلين لحركة حماس في السعودية.
قبل المبادرة بيومين اثنين، كان عضو مكتب العلاقات الدولية لحركة "حماس"، الدكتور باسم نعيم، يقول لوكالة "الأناضول"، إن هناك اتصالات مباشرة وعبر وسطاء مع المملكة لإغلاق ملف المعتقلين قبل حلول شهر رمضان.
هل ثمة صلة بين عرض الحوثي، وبين التصريح المُشار إليه؟ من الصعب الجزم بذلك، لكن الأرجح أن المبادرة ستعقّد القضية، وقد لا تؤدي إلى الإفراج عن المعتقلين قبل رمضان الذي صار على الأبواب الآن، في ذات الوقت الذي يقول منطق السياسة إن السعودية لن تستجيب لعرض الحوثي لما ينطوي عليه ذلك من دلالات سياسية بالغة الخطورة على صلتها بالقضية الفلسطينية، ولما ينطوي عليه من مكاسب سياسية للحوثيين ولمرجعيتهم الإيرانية.
الحوثي بدوره يدرك أن من شبه المستحيل أن تستجيب السعودية لعرضه، كما أن المعتقلين إياهم ليسوا أسرى حتى يخرجوا بصفقة تبادل من هذا النوع.
والخلاصة أن مبادرته هي لعبة إعلامية لإظهار نفسه بمظهر الحريص على القضية الفلسطينية من جهة، ولإظهار الطرف الآخر بمظهر المناهض لها.
ثم إنه لو كان يريد الخير فعلا، لنسّق الأمر مسبقا مع "حماس"، أو قبل بصفقة سرية (عبر الحركة)، مع أن الموافقة عليها مستبعدة أيضا، تبعا لإدراك الرياض أنها ستتسرّب لاحقا؛ لكننا نتحدث في سياق فضح نوايا الحوثي.
نفتح قوسا كي نشير إلى أن المعتقلين (في حدود الستين شخصا) لم يُعتقلوا بتهمة العلاقة العادية مع حركة "حماس"، بل هناك تهمة محددة تتعلق بالملف المالي وجمع التبرعات تحديدا، الأمر الذي تمّ بناء على ضغوط أمريكية صهيونية تريد فكفكة هذا الملف، وإلا فإن بعض المعتقلين يعيشون في المملكة منذ عقدين، ومنهم منذ عقود، ويقومون بهذا الدور بعلم السلطات، كما أن أبرزهم (الدكتور محمد الخضري) كان معتمدا كمندوب (سابق) للحركة في المملكة.
اعتقال هؤلاء الأشخاص لا يعبر عن تدهور في العلاقة مع حركة "حماس"، بقدر ما يعبّر عن استجابة غير مسبوقة للرغبات الأمريكية الصهيونية في ظل علاقة خاصة بين ولي العهد وبين ترامب وصهره الصهيوني (كوشنر)، لكنهم في النهاية ليسوا أسرى، وكانوا برسم الإفراج، سواء صحّ كلام الدكتور باسم نعيم بشأن إطلاقهم قبل رمضان، أم بعد ذلك.
والنتيجة أن مبادرة الحوثي جاءت بمثابة إضرار بقضيتهم أكثر مما نفعتها، في ذات الوقت الذي قد تدفع العلاقة بين حماس والسعودية نحو مزيد من التدهور.
نفتح قوسا هنا كي نقول إن الرد السعودي الأقوى على الحوثي يتمثل في إطلاق سريع لسراح المعتقلين، بعد التجاهل لمبادرته.
ولكن لماذا رحّبت "حماس" بالمبادرة، وهي تدرك ما ذهبنا إليه آنفا؟
من الواضح أن الحركة قد فوجئت بالمبادرة، بدليل التردد لبعض الوقت قبل الرد الذي لا يُستبعد أنه جاء نتاج إلحاح إيراني، لا سيما أن الرفض يمثل ضربة للحوثي ولإيران معا، في وقت أصبحت فيه إيران أهم الداعمين، بخاصة فيما يتعلق بالسلاح لقطاع غزة، بل حتى بالمال بعد شحّ المصادر الأخرى، وإن حضرت قطر في الجانب الإنساني المتعلق بمساعدة سكان غزة على التعامل مع الحصار.
بيان الحركة يعكس التردد، فهو؛ وإن رحّب بالمبادرة، إلا أنه تحدث عن السعودية بروح الأخوة والاحترام.
والحقيقة أن "حماس" كانت دوما حريصة على العلاقة بالدولة العربية، ومصر والسعودية في مقدمتها، رغم الخلافات.
للأمر بُعد مثير آخر غير ما ذكرنا، فهو يشير إلى ما تفرضه الحالة القُطرية العربية من تناقضات بين القوى الإسلامية، حتى من ذات التيار، ففي حين يعتقل الحوثيون عددا كبيرا من قادة وكوادر "الإخوان" اليمنيين (أحدهم رئيس جمعية الأقصى التي كانت تجمع التبرعات لحماس)؛ يقومون بطرح مبادرة للإفراج عن "إخوان" فلسطينيين، ولذلك أمثلة كثيرة، ليس هنا مجال الخوض فيها.
هناك جانب آخر لقضية المبادرة، إذ إنها كانت حساسة لعموم العلاقة بين حماس وبين الشعب اليمني، ذلك أن انقلاب الحوثي لم يكن عدوانا على "تجمع الإصلاح"، أو على السعودية مثلا، بل كان عدوانا على غالبية الشعب اليمني. وهو انقلاب تمّ بالأكاذيب، وبوسع أي أحد أن يعود إلى تصريحات الحوثي، وتصريحات حسن نصر الله قبل الانقلاب، حين كانوا يتحدثون عن التحركات الحوثية الشعبية بوصفها احتجاجا سلميا ضد رفض رفع أسعار المحروقات، وليست مقدمة لانقلاب مسلح.
وما يجب أن نتذكّره هنا، هو أن "حماس" قد رفضت انقلاب الحوثي، وساندت "عاصفة الحزم". وقد فعلت ذلك رغم علاقتها الجيدة بإيران، مقابل العلاقة المتوترة مع النظام السعودي في ذلك الحين.
نعود إلى القول إن انقلاب الحوثي هو انقلاب إيراني لا صلة له بمصالح الشعب اليمني، وهو انقلاب أفضى إلى حريق دمّر كل شيء. وحين يتعامل أتباع إيران مع الصراع على أنه عدوان سعودي على اليمن، وكأن الانقلاب صار حقيقة مشروعة، فذلك جزء لا يتجزأ من الدعاية الساقطة، لأن الصراع في اليمن ليس بين السعودية وبين الحوثي، ولكن بين الغالبية وبين أقلية انقلبت على ثورة الشعب وسرقتها بالأكاذيب وبالسلاح الإيراني.
وحدث ذلك بينما كان الشعب يلملم جراحه بعد ثورة تعرّضت للإجهاض من قبل "الثورة المضادة" العربية عبر المبادرة الخليجية، وعبر تسهيل تقدم الحوثي على أمل الاشتباك مع "الإصلاح" وإضعاف الطرفين.
الآن يتبين أن دور التحالف، وتحديدا الغطاء الجوي، لم يكن في صالح الغالبية، بل في صالح الحوثي، بسبب ما ألحقه من خسائر ودمار، ولا تسأل عما جرى في عدن، وعموم التناقض بين الإمارات والسعودية في إدارة الملف.
ما نريد قوله في هذا الجزء، هو أن الحوثي اعتدى على غالبية اليمنيين، ودعاية إيران في هذا السياق دعاية ساقطة، وهذا ليس انحيازا للسعودية لأن موقفنا من سياساتها راهنا معروف، بل هو انحياز للحقيقة التي يُراد إخفاؤها وراء ركام من الأكاذيب التي لا يشتريها سوى أتباع "الولي الفقيه" فقط لا غير، ويرفضها حتى أولئك الذين تضرروا من التحالف ومن سياساته الفاشلة في إدارة المشهد؛ إن كان عسكريا، أم سياسيا، أم كليهما؛ باستمرار الموقف السلبي من "تجمع الإصلاح" بسبب نسبته للإخوان، وهو الموقف الذي كان سببا مباشرا في إعاقة الانتصار العسكري، كما أقر بذلك أكثر من رمز سياسي كبير، حتى من خارج "الإصلاح" كما هو حال نائب رئيس وزراء اليمن (سابقا)؛ عبد العزيز جباري، في عدة تصريحات، أخرها مقابلة قبل عام تقريبا مع قناة "سهيل" الفضائية.