طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، السبت، البدء، فورا، بتقديم دوائين للمصابين بفيروس كورونا الجديد، ما أثار جدلا إزاء تدخله في هذه القضية العملية.
وفي تغريدة عبر تويتر، قال ترامب إن تناول كل من "هيدروكسي كلوروكوين" و"أزيثرومايسين" بشكل متزامن "يمنح فرصة حقيقية لواحدة من أكبر تغيرات اللعبة في تاريخ الطب".
و"هيدروكسي كلوروكوين" مضاد للملاريا، أما "أزيثرومايسين" فهو مضاد حيوي يستخدم لعلاج عدد من الأمراض البكتيرية المعدية.
وتقدم الرئيس الأمريكي بالشكر لإدارة الغذاء والدواء بالبلاد، إزاء جهودها الكبيرة في هذا الإطار.
وقال: "نأمل أن يتم استخدام كليهما (هيدروكسي كلوروكوين يعمل بشكل أفضل مع أزيثرومايسين، بحسب المجلة الدولية لعوامل مضادات الميكروبات) على الفور. الناس يموتون، تحركوا بسرعة، وليبارك الله الجميع!".
وفي حديث لـ"عربي21"، قال أخصائي الرئة والجهاز التنفسي، أسامة أبو زينة، إن "أزيثرومايسين" هو "مجرد مضاد حيوي نستخدمه في الحالات المستعصية لدى وجود عدوى بكتيرية رفقة الفيروسات أو ما يطلق عليه Super Infection".
وأضاف أن هنالك دراسة واحدة فقط، بنيت على أساس تجريب إعطاء الدوائين معا، لكن ذلك لا يعد علميا "علاجا" للمرض، وإنما "مشاهدة مبنية على تجربة".
وتابع أن الصين جربت أكثر من 80 دواءا، ومعظم الدراسات التي أجريت عليها أظهرت نتائج إيجابية، لكن أيا منها لم يعتمد كعلاج، إذ إن المسار العلمي أكثر تعقيدا.
وفي وقت لاحق، السبت، أشار تقرير لشبكة "بي
بي سي" أن إدارة الأغذية والأدوية واضحة في القول بأن هذا استخدام الكلوريكين
"لا ينطبق على علاج الأشخاص المصابين بفيروس كوفيد– 19".
وأفادت إدارة الأغذية بأنه "لا توجد علاجات أو
أدوية معتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج كوفيد- 19 الوقاية منه".
وفي مؤتمر صحفي، علق "أنتوني فوسي"، مدير
المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، على تغريدة ترامب بالقول:
"لست متأكدا تماما مما يشير إليه الرئيس".
وأضاف: "هناك من يميل إلى درجة إعطاء الأمل
والقول: أعط هذا الشخص خيار الوصول إلى هذا الدواء.. لكنني كعالم أقول إن وظيفتي
هي أن تثبت في نهاية المطاف دون شك أن الدواء ليس آمنا فحسب، ولكنه يعمل بالفعل".
وكان ترامب قد أشار، الخميس، إلى "هيدروكسي كلوروكوين" كعلاج محتمل للفيروس، قبل أن ينتقده "فوسي"، خبيره الرئيسي في هذه "المعركة"، بحسب تقرير لصحيفة "الاندبندنت".
وقال ترامب، آنذاك: "أريد أن أقول- وهو شيء كبير بالنسبة لي- أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وافقت على الاستخدام الرحيم لعدد كبير من المرضى (لتجربة عقاقير محتملة). لدينا دواء يسمى الكلوروكين. الاشتقاق سيكون هيدروكسي كلوروكين ، والذي سمعت أنه الأفضل حتى الآن".
وأضاف: "إنه دواء شائع للملاريا، وقد كان متاحا، وبالتالي فإن مستوى الأمان الذي نفهمه جيد. لقد كان آمنا نسبيا، وقد أظهر نتائج مبكرة مشجعة للغاية".
لكن "فوسي" مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، أجاب في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، الجمعة، على سؤال عما إذا كان ذلك الدواء حلا واعدا "إن الجواب لا".
وقال: "إن الأدلة التي تتحدث عنها... هي أدلة قصصية".
وأضاف: "لم يتم ذلك في تجربة سريرية خاضعة للرقابة. لذا لا يمكنك حقا الإدلاء بأي تصريح نهائي بهذا الشأن".
اقرأ أيضا: هل اقترب العالم من إنتاج لقاح طبي مضاد لكورونا؟
بدوره، قال "أبو زينة" إن التصريح السابق لترامب تسبب بضغوط على الطلب على "هيدروكسي كلوروكوين" حول العالم، لافتا إلى أن الصين جربته إلى جانب أدوية أخرى، منذ اليوم الأول، ورغم ذلك سجلت عشرات آلاف الإصابات وأكثر من ثلاثة آلاف وفاة.
وشدد الطبيب المقيم في تركيا على أن حديث ترامب "ليس علميا.. ولا علاقة للرئيس الأمريكي بهذا الأمر.. ولا شيء ثابتا حتى الآن".
وعن ما إذا كان ترامب يسعى للترويج لتلك العقاقير، أوضح أبو زينة أن منتجات "أزيثرومايسين" متوفرة بكثرة وفي كل مكان، إذ إنه مضاد حيوي قديم، لا حقوق لملكيته وإنتاجه، ويستخدم بكثرة، إلى جانب مضادات حيوية أخرى، فيما تعود حقوق إنتاج "هيدروكسي كلوروكوين" لشركة "سانوفي" الفرنسية، ما يجعل هذا التفسير مستبعدا.
وفي تصريح لاحق أدلى به لشبكة "سي أن أن"، شدد فوسي على "عدم وجود عقار سحري" للفيروس.
وهذه ليست المرة الأولى خلال أزمة فيروس كورونا التي يشتبك فيها ترامب مع خبراء الصحة، فقد زعم مرارا، بحسب الاندبندنت، أنه يمكن تطوير لقاح في غضون أشهر، ما اضطر "فوسي" وآخرين إلى التأكيد على أن الأمر سيستغرق عاما على الأقل وربما أكثر من 18 شهرا.
كيف يتم إنتاج العلاج؟
أوضح "أبو زينة" في حديثه لـ"عربي21" أن الولايات المتحدة استخدمت مضاد وباء "إيبولا" مع أول حالة إصابة بـ"كورونا الجديد" لديها، وقد تماثلت للشفاء، ومع ذلك لم يتم إعلان أن علاج للمرض الجديد، رغم أن الصين جربته أيضا وثبت أنه الأنجع حتى الآن.
كما تم استخدام علاجات لفيروس نقص المناعة المكتسبة "إيدز"، وغيرها من العقاقير المضادة للفيروسات، فضلا عن طرق أخرى مثل الطب الشعبي الصيني والخلايا الجذعية ونقل عينات من دم من تماثلوا للشفاء، وجميعها نجحت إلى حد ما وبمستويات متباينة.
وتابع أن الإعلان عن التوصل لعلاج، فضلا عن إنتاجه، بهذه السرعة، غير وارد إطلاقا، إذ يتطلب الأمر تفكيك الشيفرة الوراثية للمرض، ومن ثم تطوير سبل تشخيصه، ثم إنتاج أدوية تقضي عليه وتجريبها على الحيوانات، وإجراء العديد من العينات ومراقبة النتائج والأعراض، قبل تجريبها على البشر بشكل حذر ومتكرر حتى ثبوت نجاعة العلاج بشكل كامل، قبل البدء بجمع التراخيص اللازمة والإنتاج.
وأضاف أن ثلاث دول حتى الآن تجاوزت مراحل التطوير والتجريب على الحيوانات، هي الصين وبريطانيا والولايات المتحدة.
وأكد أبو زينة وجود تعاون كبير مع الدول، إذ إن الصين فككت الشيفرة الوراثية خلال ثلاثة أيام، ووزعته على مختلف الدول، ما مكن فرنسا من إنتاج أول جهاز للتشخيص، وما يزال التعاون قائما بين الخبراء والأطباء والمسؤولين، دون أن ينكر وجود منافسة شديدة كذلك، قد تكون تصريحات ترامب ومواقفه الأكثر تعبيرا عنها، موضحا أن العمل يجري في عدة مسارات، أهمها تطوير وسائل التشخيص، وإنتاج اللقاح (التطعيم)، الذي يمنح المناعة لمن لم تصبهم العدوى، والعلاج للمصابين.