وثق حقوقي مصري حالات الاختفاء القسري التي تمارسها سلطات الانقلاب في مصر، كاشفا عن أرقام صادمة بين طلاب وموظفين وعمال ومحامين وصحفيين خلال شهرين فقط.
ونشر وشر الحقوقي أحمد العطار أسماء المختفين، وقال إن أعدادهم تجاوزت السبعمائة حالة اختفاء قسري على يد سلطات الانقلاب العسكري الحاكم، بينهم 54 من محافظة السويس صاحبة التظاهرات الواسعة ضد نظام عبدالفتاح السيسي، في 20 أيلول/ سبتمبر 2019.
ووصف العطار تلك الأرقام بأنها كارثية، موضحا أنها إحصائيات تسجل لأول مرة وتفضح كذب وادعاءات السلطات المصرية بأنه لا يوجد إلا حالات قليلة من الاختفاء القسري.
وقال عبر صفحته بـ"فيسبوك": "وثقنا ظهور 356 مواطنا مصريا عرضوا فعليا خلال شهر شباط/ فبراير الماضي، على نيابة أمن الدولة العليا بعد إخفائهم قسريا لفترات متفاوتة"، مشيرا إلى أن شهر كانون الثاني/ يناير الماضي شهد توثيق 368 حالة، بإجمالي 724 شابا منذ بداية العام 2020.
وأوضح الباحث الحقوقي، أنه "بمعدل 9 مواطنين يوميا تم فعليا اعتقالهم تعسفيا وإخفاؤهم قسريا لفترات متفاوتة تعرضوا خلالها لأبشع أنواع الانتهاكات البدنية والنفسية قبل ظهورهم والتحقيق معهم بنيابة أمن الدولة العليا وغيرها".
واتهم العطار، النائب العام المصري ووكلاءه بتجاهل استغاثات المعتقلين والمختفين قسريا واستغاثات ذويهم، لافتا إلى أنها جريمة ترتكبها السلطات المصرية بجميع أجهزتها في ظل غياب المحاسبة والرقابة، وأن النيابة شاركت بالجريمة بحبس من ظهروا بعد الاختفاء على ذمة قضايا مختلفة.
وفي تعليقه لـ"عربي21"، قال العطار، إن تلك الأرقام من المختفين قسريا والقائمة على منهجية الحصر لأعداد وأسماء الذين ظهروا من المعتقلين بالنيابات العامة بعد مدد اختفاء مختلفة، "أصابتني بالحزن والوجع الشديد".
وكانت آخر الشخصيات العامة والتي تمت بحقها جريمة الإخفاء القسري هي الصحفي بدر محمد بدر، الذي صدر بحقه قرار قضائي نهائي بإخلاء سبيله في 3 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وقامت الشرطة بإخفائه قسريا لمدة 83 يوما حتى ظهر بالنيابة العامة 25 شباط/ فبراير الماضي.
اقرأ أيضا: 6 منظمات مصرية تدين تعذيب باحث حقوقي وصعقه بالكهرباء
وأصدرت "منظمة العفو الدولية" في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، تقريرا يكشف تواطئ نيابة أمن الدولة العليا في مصر بحالات الاخفاء القسري، والحرمان التعسفي من الحرية، والتعذيب وسوء المعاملة، مؤكدة أن الآلاف احتجزوا لفترات طويلة لأسباب ملفقة، مع انتهاك حقوقهم بمحاكمة عادلة.
لا يأبه بأي فضيحة
وفي تعليقه، قال الحقوقي المصري الدكتور أشرف عبدالغفار، إن "النظام كاذب، وليس لديه مشكلة أن يعرف الناس بكذبه"، مشيرا إلى أن "اجتماع لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لمناقشة ملف مصر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حمل نحو أربعمائة سؤال، وما زال العالم ينتظر إجابة النظام".
عبدالغفار، أضاف لـ"عربي21"، أن "العمل قائم لفضح جرائم النظام وإثبات كذبه، ولكن التراخي الدولي المتعمد يجعله لا يأبه بأي نقد وفضيحة"، مؤكدا أن "الجريمة تتساوي تماما بين المجتمع الدولي وأنظمة السيسي وبشار وغيرهما".
وأوضح أنه "إذا كانت شعارات قوانين حقوق الإنسان لا تساوي شيئا ومن يخالفها لا يجد عقابا فهي مجرد شعارات بعالم عمه الظلم"، لافتا إلى أنه "على العالم الإسلامي أن يدرك أنه لا أمل في اللجوء لمن رحب واستقدم الطغاة ضد شعوب المسلمين".
قد تفيد بالمستقبل
وفي رؤيته قال الحقوقي المصري محمد زارع، إن "القبض على الأشخاص واحتجازهم بدون وجه حق ثم ظهورهم في النيابات مخالف للقانون، ويفترض أن من يتم القبض عليه يتم عرضه على جهات التحقيق، أما احتجازه لفترات طويلة ثم عرضه على التحقيق بعد الضغط عليه وربما تعرض التعذيب والتأثير عليه للاعتراف بجرائم لم يرتكبها كله مخالف للقانون والدستور".
رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أعلن عن أسفه بحديثه لـ"عربي21"، لأن "جهات التحقيق لا تأخذ بهذا النوع من الوقائع التي بها تهدر أية اعترافات، فلا تفتح النيابات تحقيقا مستقلا لتعرض المتهم للتعذيب أو الاختفاء القسري ضد السلطة التنفيذية رغم شيوع تلك الوقائع".
وأكد أن "الأخطر من ذلك أن المحاكم المصرية تنحو نحو النيابات، ولا تأخذ بالأسباب التي تهدر الاعترافات"، مشيرا لعدد من الفيديوهات التي ظهرت لمعتقلين بينهم الشاب محمود الأحمدي الذي تم إعدامه قبل عام في قضية النائب العام رغم تأكيده للقاضي أنه ومن معه تعرضوا للتعذيب والصعق بالكهرباء والاختفاء القسري وأنه اعترف بجريمة لم يرتكبها، ولكن القاضي لم يسمع له وأخذ بكل الاعترافات التي كانت بفترة احتجاز غير قانونية".
اقرأ أيضا: "إخفاء الأطفال قسريا" جريمة تضاف لانتهاكات الأمن المصري
ويعتقد زارع، المحامي بالنقض، أن "توثيق تلك الوقائع ومحاولة حصرها بشكل دقيق ربما يمثل مستقبلا وسيلة ضغط على وزارة الداخلية والجهات التي تحتجز الأشخاص وأية سلطات أخرى".
وتابع: "لكن لا أعتقد أن يؤتي هذا العمل بثمارة قريبا إلا بوجود إرادة سياسية حقيقية لتحسين واحترام حقوق الإنسان"، مؤكدا أن "التعويل على جهة ما داخل الدولة قضائية أو جهة تحقيق لن يؤتي ثماره، أيضا الآن".
وأضاف الحقوقي المصري أنه "ومع ذلك فلا بد للمنظمات من القيام بدورها بتوثيق تلك الحالات حتى وإن لم يكن منه جدوى الآن، لعله يأتي مستقبلا قضاة ووكلاء نيابة ومسوولون يحترمون تلك الوقائع وربما يتم مستقبلا احترام حقوق الإنسان وتكون تلك التقارير جزءا من مراجعات الماضي والتعهد بعدم تكراره وهو ما نأمله".
رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، ختم بقوله إن "هذا التوثيق ربما يكون مفيدا بإعداد ملفات ربما يتم الاستفادة منها أمام آليات دولية يتقدم فيها أشخاص محددون تعرضوا لانتهاكات محددة من مسؤولين محددين، وربما الآليات الدولية يتم تفعيلها يوما، ولذلك فالتوثيق شيء إيجابي ولو لم يؤت ثماره الآن".
ما بين وفاة مبارك ومرسي.. الدولة العميقة تطل برأسها مجددا
لهذه الأسباب منعت أوقاف مصر 1500 داعية من الخطابة
لماذا تشرعن "الإفتاء" المصرية القتل خارج القانون لـ"الداخلية"