نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لمدير برنامج التطرف في جامعة واشنطن، ومؤلف كتاب "الدائرة المغلقة: الانضمام إلى تنظيم الإخوان المسلمين في الغرب وتركه"، الذي سينشر قريبا، الأكاديمي لورنزو فيدينو، حول توجه الرئيس الفرنسي الجديد في محاربة الإسلاموية أو الإسلام السياسي.
وفيما يلي المقال كاملا، بحسب ما ترجمته "عربي21":
"يجب علينا ألا نقبل أبدا بأن القوانين الدينية يمكن أن تكون أسمى من قوانين الجمهورية".
بهذه الكلمات بدأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خطابه المهم في مدينة مولهاوس في 18 شباط/ فبراير، حيث أطلق استراتيجية حكومته ضد الإسلام السياسي، وقال: "الانفصالية الإسلامية لا تتماشى مع الحرية والمساواة.. ولا تتماشى مع عدم قابلية الجمهورية للتقسيم وضرورة وحدة الأمة (الفرنسية)".
خطاب مولهاوس ولغته القاسية لم يكونا مفاجئين لأي متابع للحوار الفرنسي حول الإسلاموية على مدى السنوات القليلة الماضية، فمصطلحات مثل "الانفصالية الإسلامية" و"الطائفية" و"الاستعلاء الإسلاموي" -التي كانت في السابق حصرا على لغة الجبهة الوطنية (حزب ماري لوبان الذي غيرت اسمه إلى التجمع الوطني)- أصبحت الآن كثيرة الانتشار.
كما أصبح مصطلح "fréro-salafiste" مصطلحا شائعا، ويغطي تيارين إسلاميين يزعم بأنهما يؤيدان الانفصالية في البلد: الإخوان المسلمين ذا الوجه المعتدل والأجندة الانقسامية، والسلفيين برفضهم القوي للمجتمع الفرنسي.
وكان ماكرون قال في خطاب آخر في شهر نيسان/ ابريل الماضي: "نتحدث عن انفصال تم تثبيته بدهاء لأن الجمهورية تركت أو لم تحافظ على وعودها، ونحن نتحدث عن أناس يسعون لإنجاز مشروع سياسي باسم الدين، عن الإسلام السياسي الذي يسعى للانفصال عن جمهوريتنا".
ولا شك أن ما أثار مخاوف فرنسا من الإسلاموية هو الإرهاب، فمنذ هجمات تشارلي إيبدو في كانون الثاني/ يناير عام 2015 بقيت البلد في الواقع في حالة تأهب دائم، وشهدت عدة هجمات كبيرة من هجمات تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 في باريس، وهجوم الشاحنة في تموز/ يوليو 2016 في مدينة نيس، والعديد من الهجمات المستمرة التي يقوم بها أشخاص على علاقة بتنظيم الدولة أو استلهموا تلك الهجمات منه، بالإضافة إلى أنها البلد الأوروبي التي سافر منها 2000 شخص إلى سوريا "للانضمام إلى تنظيم الدولة وغيره" بصفتهم مقاتلين أجانب.
والتقدير بين الكثير من الخبراء من داخل الحكومة وخارجها هو أن "الأراضي التي خسرتها الجمهورية"، وهو ما أصبح يطلق من قبل البعض على تلك المناطق "من فرنسا"، حيث سيطرة الحكومة ضعيفة، وحيث تنتعش الجريمة والإسلاموية، هي المناطق الخصبة لهذه الظاهرة.
وأوضح كتابان من تأليف هيوغو ميتشيرون وبرنارد روجيير، حازا على تغطية كبيرة، بوضوح أنه في الوقت الذي يعد فيه التهميش والجريمة والبطالة عوامل مهمة في التسبب بموجة التطرف في فرنسا، إلا أن الأكثر أهمية هو البيئة الانفصالية التي خلقها السلفيون والإخوان المسلمون، ويحتجون بأن الإسلاميين غير العنيفين يوفرون البيئة المناسبة التي تساعد المجموعات الجهادية على التجنيد، وهو موقف بالتأكيد ليس مسلما به من الجميع.
لكن مخاوف فرنسا من الإسلاموية تتجاوز الإرهاب، ويحتج المنتقدون لمجموعات الإسلام غير العنيف بأنه بالرغم من عملها في نطاق القانون، إلا أنها تنشر تفسيرا للإسلام يدق إسفينا بين المسلمين وغير المسلمين، فتساعد على الاستقطاب وتضر بالاندماج، فالأوروبيون قلقون من تأثير المجموعات الإسلامية التي تسعى لدفع المسلمين إلى الانفصال عن التيار الرئيسي للمجتمع -في الغالب من خلال الدعوة، لكن أيضا من خلال عدة أشكال من الضغط الاجتماعي والتخويف وأحيانا العنف- ويلجأون إلى أنظمة قانونية وتعليمية واجتماعية بديلة.
وقال ماكرون في مولهاوس: "في الجمهورية، لا يمكننا قبول أن نرفض مصافحة المرأة لأنها امرأة، وفي الجمهورية لا يمكننا أن نقبل أن يرفض أحد أن يعالج أو يتعلم من أحد لكونه امرأة، وفي الجمهورية لا يمكننا قبول ترك المدرسة لأسباب دينية أو عقدية، وفي الجمهورية، لا يمكن لأحد أن يطلب شهادة عذرية للزواج".
وكون ماكرون عدوا لدودا للشعبوية، لكنه قارئ جيد لعقلية شعبه فإنه يقوم بإبراز الأثر السلبي للإسلاموية على المجتمع الفرنسي، وهو ما يعد مؤشرا على توجه يمكن ملاحظته في أنحاء أوروبا، وكان الحوار حول الإسلاموية يأتي في درجة متأخرة مقارنة مع التجسيد العنيف للأيديولوجية.
ولأسباب واضحة تحظى الهجمات الإرهابية بالاهتمام كله من صناع القرار والأجهزة الأمنية والإعلام، وفي المقابل هناك ميل لإهمال أنشطة الإسلاميين غير العنيفين: فهي في غالبها قانونية، وقليل ما تنتج عنها أحداث درامية، وعادة ما تجلب تهما بالعنصرية والإسلاموفوبيا لم يبرزها، (وتلك التهم أحيانا مبررة وأخرى غير مبررة).
لكن الآن وفي أنحاء أوروبا هناك حوار دائر حول الإسلاموية وبانفتاح وتدقيق أكبر، وقال تقرير صادر عام 2018 عن الأجهزة الأمنية في ولاية شمال الراين – ويستفاليا في ألمانيا، وهي أكثر الولايات كثافة سكانية، إن "التهديد الذي تشكله الإسلاموية القانونية، على المدى الطويل، للنظام الديمقراطي الليبرالي أكبر من ذلك الذي تشكله الجهادية.. إنهم يسعون لنظام إسلامي، لكن لديهم استعداد للسماح لبعض عناصر الديمقراطية في ذلك الإطار، ولهذا السبب فإن تطرفهم في العادة بالكاد يمكن التعرف عليه من النظرة الأولى".
وظهور أمراء في السجون وتطرف بين المساجين يعني أن على الحكومات أن تكون منتبهة للسجناء، كما هي الحال بالنسبة للأصوليين في الشارع.
وهذه المخاوف ليست جديدة، لكن ما يستحق الملاحظة هو أنه لم يعد الحديث عنها حصرا على اليمين السياسي، لكن في كثير من الأحيان بشكل أكثر من الماضي من السياسيين والمعلقين من الطيف السياسي كله، ناهيك عن الأجهزة الأمنية.
ولم تتبن أي دولة أوروبية مقاربة لمواجهة الإسلاموية، وهي مهمة معقدة؛ لأن معظم الأنشطة التي يقوم بها الإسلاميون غير العنيفين تقع ضمن حدود القانون، واتخذت دول مختلفة إجراءات تهدف لمعالجة بعض الجوانب: منع التمويل الخارجي "كما فعلت النمسا"، أو تحديده "كما تناقش هولندا"، أو تدريب الأئمة "كما تفعل ألمانيا"، أو قطع التمويل عن منظمات مرتبطة بالشبكات الإسلامية لتنظيم أنشطة الاندماج ومكافحة الإسلاموفوبيا، ومنع التطرف "كما فعلت السويد حديثا مع مجموعة شباب تابعة للإخوان المسلمين لأنها (لم تحقق متطلبات الديمقراطية) الضرورية لتلقي العون".
وبالرغم من أنها تشير إلى توجه، إلا أن هذه الإجراءات بالكاد تمثل مقاربة شاملة، وحتى استراتيجية ماكرون فهي لا تغطي إلا بعض الجوانب، وتهدف إلى إنهاء نظام تعليم اللغات من بلدان الطلاب الأصلية في المدارس، وظاهرة "الأئمة المستقلين" الذين يرسلون من الخارج، واستبدالهم برجال دين مدربين في فرنسا، كما دعت إلى فحص دقيق لتمويل بيوت العبادة، "ولم يكن إلقاء ماكرون لخطابه في مدينة مولهاوس من قبيل الصدفة، فالمدينة تشهد بناء مسجد ضخم بتمويل قطري، ما أثار جدلا قوميا".
كما أن تطبيق الإجراءات سيكون إشكاليا أيضا، خاصة في بلد تجعل من فصل الدين عن الدولة أحد أسسها، لكن حتى لو تم تطبيقها فهي بالكاد تشكل استراتيجية اجتماعية ثقافية كبرى متعددة الجوانب، سواء كان ذلك في فرنسا أو غيرها.
وبالرغم من ضعف الإجراءات التي أعلن عنها ماكرون، إلا أن خطابه كان مهما؛ لأنه يشكل مؤشرا على الاتجاه الذي يسير فيه الحوار في أوروبا.
وبينما تناقش كل البلدان الأوروبية تحركاتها في هذا المجال، إلا أن هناك جوانب مشتركة على مستوى القارة.
ويعاني الحوار في البلدان كلها من إشكالية وجود نقيضين: الناشطين المتطرفين المعادين للإسلاموية "وعادة للإسلام ذاته" في اليمين، واليساريين المغمضين لأعينهم الذين يرفضون أي اتهام للإسلاميين باعتباره تلفيقات خرقاء بدافع الإسلاموفوبيا.
ويمثل ماكرون نشوء مقاربة وسط الطريق، تجمع بين القلق والتشكك الصحي تجاه الإسلاموية التي لا تنحدر إلى جنون العظمة، أو الخلط بين الأيديولوجية الإسلامية والإسلام.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
كاريكاتير ساخر للوموند ينتقد ابن سلمان وبيع السلاح للسعودية
سوريون يحرقون منازلهم قبل النزوح.. هذا حال الفارين من إدلب
FT: كيف تهز سياسة أردوغان الخارجية النظام الدولي؟