بعد مراجعاته الأخيرة.. ما الرسائل التي حملها "الجولاني"؟

أدلى زعيم هيئة تحرير الشام، بتصريحات حملت تراجعات مثيرة عن قرارات، وسياسات انتهجها خلال تزعمه أحد أكبر الفصائل الجهادية في المنطقة، منذ نحو ثمان سنوات.

الجولاني، وفي مقابلة مع "مجموعة الأزمات الدولية"، استمرت نحو أربع ساعات، أقر بارتكابه أخطاء خلال مسيرته التي بدأها منتدبا إلى سوريا من قبل تنظيم الدولة في العراق، قبل أن يقوم بعدة تحولات، أفضت به أخيرا إلى التخلي رسميا عن تنظيم القاعدة، مع تأكيده على أنه يستمد نهجه من الشريعة الإسلامية، وهو ما دفع البعض لاتهامه بمحاولة تسويق نفسه لدى الغرب.

وقال الجولاني إن هيئة تحرير الشام، تقدم نفسها اليوم على أنها مجموعة محلية مستقلة تماما عن تنظيم القاعدة، ولا يوجد لديها أي أجندة خارج سوريا.

وبحسب الجولاني، فإنه اشترط على تنظيم القاعدة عند مبايعة زعيمه أيمن الظواهري، على عدم استخدام سوريا كقاعدة انطلاق نحو العالم الخارجي، مضيفا أنه ألزم مجموعة "حراس الدين" المنشقة عنه، بعدم التحرك في عمليات خارج سوريا، علما أن تحرير الشام جرّدت "الحراس" من أسلحتهم، واعتقلت عددا من قياداتهم بشكل مؤقت قبل نحو عام.

وأقر الجولاني أنه أخطأ في جملة قرارات، أبرزها محاربته الفصائل في إدلب، وما حولها، إذ قامت تحرير الشام منذ سنوات بمحاربة فصائل "جبهة ثوار سوريا، أحرار الشام، نور الدين زنكي، الفرقة 13، حركة حزم"، علما أن الهيئة قاتلت أيضا تنظيم الدولة، و"جند الأقصى" الذي انبثق عنه لاحقا "لواء الأقصى".

إلا أنه أوضح أن الولايات المتحدة حاولت إنشاء فصائل موالية لها في شمال سوريا، وهو ما أفشلته تحرير الشام، في مسمياتها القديمة "جبهة النصرة"، "فتح الشام".

ورغم الاتهامات الموجهة له بالتخلي عن نهجه، وتياره من أجل تسويق نفسه للغرب، إلا أن الجولاني أكد أن المقاتلين الأجانب الذين لا يشكلون خطرا على إدلب، لا يمكنهم التخلي عنه، معطيا مثالا على ذلك بالحزب الإسلامي التركستاني، الذي يتكون من مقاتلين صينيين مسلمين.

وأضاف: "أخبرتهم أنهم مرحب بهم هنا طالما أنهم يلتزمون بقواعدنا"، في إشارة إلى عدم نقلهم المعركة إلى خارج سوريا. وأضاف: "نعلم أنه ليس باستطاعتنا حكم إدلب دون بقية الفصائل، والأخطاء التي اركتبناها نحاول إصلاحها، ونحن كبقية الفصائل التي أخطأت".

"براغماتي متذاكي"
خبير الجماعات الإسلامية، الباحث الأردني حسن أبو هنية، قال إن شخصية الجولاني "براغماتية تحاول التذاكي دائما".

وأوضح في حديث لـ"عربي21" أن الجولاني ومنذ انشقاقه عن تنظيم الدولة عام 2012، رغم بيعته لأبي بكر البغدادي، وأبو علي الأنباري، أظهر أنه شخصية مستعدة للتخلي عن وعودها من أجل الوصول لأهدافها.

وقال إن الجولاني دائما ما كان يعتقد أن بإمكانه كسب عدة أطراف في آن، مثل حصوله على الدعم الخارجي، وأيضا سياسته تجاه أجنحة تنظيمه، المتشددة وغير المتشددة، والأجنبية، والمحلية.

ولفت أبو هنية، إلى أن قرارات الجولاني دائما ما كانت تأتي متأخرة، مثل فك ارتباطه بتنظيم القاعدة، بعد تصنيف "جبهة النصرة"، على لائحة الإرهاب، ومحاولة فتح صفحة جديدة مع الفصائل، بعد حربه عليهم، وتجريدهم من أسلحتهم الثقيلة.

وقال إن الجولاني ومن خلال تصريحاته وأفعاله الأخيرة، يريد بعث رسالة تحت الضغط، إلى الولايات المتحدة، مفادها أن هيئة تحرير الشام جماعة محلية، مستعدة لقتال داعش، وضبط تنظيم حراس الدين.

وأضاف أن الحكومة التركية يهمها أن تندمج تحرير الشام بالجيش الوطني، من أجل إنجاز الحل السياسي في إدلب، إذ أن الطرف الروسي يرى في الهيئة جماعة إرهابية، ولا يمكن التقدم سياسيا بوجودها.

وشكك أبو هنية في تصريحات الجولاني حول المقاتلين الأجانب، قائلا إنه لا يمانع في تسوية سياسية تفضي بتسليهم إلى الخارج، ومغادرتهم سوريا.

اقرأ أيضا: التوتر التركي- الروسي وإمارة الجولاني في إدلب

مشروع خاص أو اندماج

الباحث السوري، عباس شريفة، قال إن ما صرّح به الجولاني من تراجعات "كان يعمل عليه منذ انشقاقه عن البغدادي، وإعلان بيعته للقاعدة، إذ كان يبحث من حينها عن مشروعه الخاص وفق ما دلت عليه سياسته على أرض الواقع من إقامة منبر إعلامي خاص به وتلقيب نفسه بـ(الفاتح)".

إضافة إلى "سلوك سياسة التغلب على الفصائل، وإبعاد الشخصيات المتشددة عن مواقع صنع القرار والتي انشقت في النهاية وأسست ما يسمى تنظيم حراس الدين".

وقال شريفة في حديث لـ"عربي21"، إن الجولاني "عمل كذلك على فتح قنوات تواصل مع عدد من الدول، وسعى بتوسيط بعضها لدى الأمريكان لرفع التصنيف عن تحرير الشام بعد أن أعلن فك ارتباطه بالقاعدة".

وتابع أن "الجولاني اليوم يعلن عن قطيعة نهائية مع فكر تنظيم القاعدة، بعد أن أعلن القطيعة معه تنظيميًا وسياسيًا من قبل باحثًا بذلك عن دور مستقبلي قد يضمن له من خلال التسويق لنفسه أنه يقوم بمحاربة الإرهاب وبذلك يكون قد عرض شراكة على الولايات المتحدة في هذه القضية بالتحديد  مقابل التعويم ورفع التصنيف والتبني وضمان استمرار تواجد تنظيمه خصوصا بعد الانهيارات السريعة الحاصلة اليوم على جبهات إدلب بعد الحملة الروسية على المنطقة".

إلا أن شريفة لم يستبعد خيار دمج هيئة تحرير الشام مع الجيش الوطني، مشيرا إلى أن ذلك لا يمكن أن يتم دون إبعاد قيادة الصف الأول للهيئة عن المشهد.

لا تنازلات

مقربون من هيئة تحرير الشام، رأوا بدورهم، أن ما صرّح به الجولاني، لا يعدو كونه "توضيحات" لا تحمل أي تنازلات على حد قولهم.

وذكرت حسابات مقربة من الهيئة، أن "الجولاني تحدث عن مشروع الهيئة، وأزال الغبار عنه على مبدأ تحييد الأعداء على قدر الاستطاعة"، بحسب ما غرد حساب يحمل اسم "مراقب".

ولفت الحساب إلى أن الجولاني نوه إلى نقطة تحول "هيئة تحرير الشام"  من فصيل سلفي جهادي، إلى "سنّي شامل".

وبارك أنصار الهيئة، ترحيب الجولاني بأي دعم دولي يسعى إلى إسقاط الأسد، رغم تصريح الجولاني على مدار سنوات بأن تركيا والنظام الدولي لا يمكن أن يقدموا دعما دون مقابل، ولا يمكن الوثوق بهم في إسقاط الأسد.

وفي وقت لاحق، نشر رئيس المجلس الشرعي في هيئة تحرير الشام، عبد الرحيم عطون "أبو عبد الله الشامي"، توضيحا حول مقابلة الجولاني.

وذكر الشامي، أن ما تحدث به الجولاني هو امتداد لرؤية الهيئة منذ نشأة "جبهة النصرة"، في عدم إخراج القضية السورية خارج نطاقها، ونظرتها تجاه المقاتلين الأجانب، وبقية الفصائل.

وأكد أن "الحال الراهنة هي حال ائتلاف ورص صف في مواجهة الحملة الراهنة، وأن مرحلة القتال أضحت جزءًا من ماض نتمنى أن لا يعود".

وأكد الشامي أن الهدف الأساس لهيئة تحرير الشام، هو قتال النظام، وتوحيد الجهود لذلك، وتجنب أي معارك مع أطراف أخرى.

اقرأ أيضا: FA: هذا هو الحل الأفضل لمواجهة الأزمة الإنسانية في إدلب

يشار إلى أن "أبا محمد الجولاني" يعد مطلوبا لدى الولايات المتحدة، ومصنفا على لائحة الإرهاب. وكان برنامج المكافآت التابع للخارجية الأمريكية، نشر إعلانا في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، رصد فيه مبلغ 10 ملايين دولار، لمن يدلي بمعلومة توصل إلى موقع الجولاني.

وترددت بعد ذلك شائعات عن احتمالية رفع الولايات المتحدة اسم "هيئة تحرير الشام" من لائحة العقوبات، على أن تقدم الأخيرة شكلا جديدا لسياساتها.