ربما يصبح السيناتور الأمريكي المستقل بيرني ساندرز في الأيام القليلة المقبلة في صدارة المتنافسين «الديمقراطيين» في السباق على مواجهة الرئيس ترامب. فقد أشارت استطلاعات رأي إلى أن سناتور فيرمونت، صاحب الميول اليسارية، يتصدر الساحة المزدحمة بالمتنافسين في انتخابات أيوا التمهيدية. وساندرز من بين الأوفر حظا في الانتخابات التمهيدية التالية في نيوهامبشير ونيفادا، مدعوما بقاعدة متحمسة لدعواته القوية إلى إصلاح جذري.
ساندرز وبعض من منافسيه «الديمقراطيين»، واضحون بشأن ما يريدون تغييره في الولايات المتحدة؛إنهم يطالبون ببناء دولة رعاية اجتماعية تستمد تمويلها إلى حد كبير من فرض ضرائب جديدة على فاحشي الثراء وعلى وول ستريت. وفي عصر يتميز باتساع عدم المساواة الاجتماعية والضجر من واقع الحال، ساعد جيل أصغر سنا في الدفع بنموذج ساندرز من «الديمقراطية الاشتراكية» إلى مضمار تيار السياسة الرئيسي. وساندرز شغوف بـ«النموذج الشمالي» المتمثل في برامج الرعاية الاجتماعية في دول مثل الدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا، التي تطبق ضرائب أعلى لتوفير خدمات عامة عالية الجودة، وإبقاء عدم المساواة عند مستوى أقل من السائد في الولايات المتحدة، وهو نموذج دأب ساندرز على الاستشهاد به ليبدد هجوم خصومه من اليمين بأنه ديماغوجي من أمريكا اللاتينية ينتظر الفرصة!
وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، هناك نصير واحد بارز على الأقل رحّب بتبني سياسيين أمريكيين للنموذج الشمالي. فقد صرحت «سانا مارين»، رئيسة الوزراء الفنلندية، في مقابلة مع «واشنطن بوست»، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، قائلة: «نشعر بأن النموذج الشمالي يمثل قصة نجاح». لكنها تدرك أن «حال كل دولة مختلف والمناخ السياسي لكل دولة مختلف أيضا»، ورغم هذا ربما يمثل النظام الفنلندي نموذجا تستطيع الولايات المتحدة الاسترشاد به. ومضت تقول: «أشعر أن الحلم الأمريكي يتحقق على أفضل ما يكون في الدول الشمالية التي يستطيع فيها كل طفل بصرف النظر عن خلفيته الأسرية أن يصبح ما يريد، لأن لدينا نظاما تعليميا جيدا للغاية، ولدينا نظام جيد للرعاية الصحية، ونظام جيد للرعاية الاجتماعية يسمح لأي شخص أن يصبح كما يريد. وهذا على الأرجح من الأسباب التي تجعل فنلندا تُصنف كأكثر دولة سعادة في العالم».
وهذه تحديدا هي الحجة التي يحاول اليساريون الأمريكيون الدفع بها. ولطالما أشاد ساندرز بالسياسات الاجتماعية لفنلندا.
وأدى صعود ساندرز في السنوات القليلة الماضية إلى تحفيز جدل كبير بشأن الدروس التي يمكن اقتباسها من الدول الشمالية التي يحتفي بها. ويشير معقلون وخبراء من اليسار إلى اتحادات العمال القوية للغاية في هذه الدول، التي تمثل حجر الأساس لمجتمعاتها. وكتب هارولد مايرسون في مجلة «أمريكان بروسبيكت»، العام الماضي، يقول: «الدول الشمالية هي ديمقراطية اشتراكية رأسمالية. والسبب في أنها رأسمالية هو أن أحزابها الديمقراطية الاشتراكية أنشأت مستويات غير مسبوقة من قوة العمال والرعاية الاجتماعية والمساواة في الدخول تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، ولديها القوة لتحافظ على هذه المستويات حتى اليوم».
وتبلغ مارين 34 عاما وهي أصغر رئيسة وزراء في العالم، وترى أن مهمة حكومتها الجديدة هي «جعل النموذج الشمالي جزءا من المستقبل المستدام بيئيا»، حيث يوفر التصدي لتغير المناخ «فرصة لخلق وظائف جديدة وتكنولوجيات جديدة وفرصا جديدة للجميع». ولا غرابة في أن تعبر مارين عن خيبة أملها في عدم مبالاة ترامب بشأن ضرورة التصدي لمشكلة المناخ. وترى مارين أننا «بحاجة إلى أهداف وأفعال طموحة، وإلى تطبيق السياسات الآن». وهي تدرك، باعتبارها ديمقراطية اشتراكية، التحدي المتصاعد من اليمين في دول الشمال التي اكتسبت فيها حركات التحيز لسكان البلاد الأصليين واليمين المتطرف، زخما في السنوات القليلة الماضية.
(الاتحاد الإماراتية)