ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير لمراسليها لورا بيتل في أنقرة، وهنري فوي في موسكو، وتشولي كورنيش في بيروت، أن العلاقات التركية الروسية تشهد لحظة امتحان حول سوريا وليبيا والغاز.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجد أفضل طريقة لإظهار غضبه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب مقتل ثمانية جنود أتراك في شمال سوريا، من خلال زيارة إلى أوكرانيا.
ويلفت الكتّاب إلى أن أردوغان هتف وسط استقبال حرس الشرف له في القصر الرئاسي في كييف هناك "المجد لأوكرانيا"، مشيرين إلى أن اختيار أردوغان لهذا الشعار كان مقصودا، فهو هتاف المطالبة بالحرية والمرتبط بالمشاعر المعادية ضد روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.
وترى الصحيفة أن كلمات أردوغان لجيش يقاتل انفصاليين تدعمهم روسيا هو توبيخ واضح للرئيس بوتين، فتعرض التحالف البراغماتي بين تركيا وروسيا في الشرق الأوسط لامتحان بالهجوم يوم الاثنين على الجنود الأتراك في شمال سوريا.
ويجد التقرير أن هذا الهجوم والتوترات في ليبيا وأسعار الغاز أوضحت أن العلاقة التي عبرت دول الناتو عن قلقها منها ليست مستقيمة كما تبدو.
وينقل الكتّاب عن مسؤول تركي، قوله: "من الإنصاف القول إنها ليست علاقة سهلة.. من السهل على بعض المسؤولين والمعلقين الغربيين القول إن تركيا أدارت ظهرها للغرب، مثلما أننا نصطف بالكامل مع الروس في كل شيء، فهذه ليست هي الحال".
وتفيد الصحيفة بأنه في رد على مقتل الجنود فإن تركيا ألغت الدوريات المشتركة مع القوات الروسية في سوريا، في وقت حملت فيه موسكو أنقرة مسؤولية قتل جنودها؛ لأنها لم تكشف عن مكان وجودهم.
ويورد التقرير نقلا عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي، قسنطين كوساتشيف، قوله: "هذا أمر لا يدعو للراحة.. هذا امتحان خطير لقوة الاتفاقيات القائمة بين الروس والأتراك".
وينوه الكتّاب إلى أن الحرب في سوريا، التي تدعم فيها تركيا المعارضة لبشار الأسد، فيما تقف روسيا مع نظامه، مثلت معضلة شائكة في العلاقات بين البلدين، فقبل خمسة أعوام أسقط الطيران التركي طائرة روسية من طراز سو-24 انحرفت عن الحدود السورية إلى داخل تركيا، بشكل أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين، لكن أردوغان وبوتين تصالحا لاحقا بعد سبعة أشهر.
وتذكر الصحيفة أن أردوغان وبوتين تعاونا منذ ذلك الوقت في عدد من الملفات، من إمدادات الطاقة والتجارة ونزاعي سوريا وليبيا، رغم دعمهما الأطراف المتحاربة، مشيرة إلى أن قرار أردوغان شراء منظومة الصواريخ الروسية "أس-400" كان محلا لانتقاد وشجب حلفاء تركيا الغربيين، وأدى إلى إلغاء مشاركة تركيا في برنامج مقاتلات "أف-35"، فيما يقول الأتراك إن العلاقة مع روسيا هي بمثابة حماية لمصالح البلاد في منطقة مضطربة.
وينقل التقرير عن المحلل في قناة "تي آر تي وورلد" يوسف إريم، قوله إن "تنويع العلاقات مع القوى العظمى" مهم لتركيا ضمن سياق نظام دولي متغير.
ويستدرك الكتّاب بأنه رغم المكالمات الهاتفية المتعددة بين الزعيمين، والظهور المرح لهما في الأماكن العامة، إلا أن هناك عددا من المجالات التي عبرت فيها تركيا عن غضبها من روسيا، فقامت روسيا بممارسة مقاطعة اقتصادية وحظر استيراد البندورة التركية بعد سقوط الطائرة الروسية، فيما منح تلفزيون "سبونتك" الناطق باللغة التركية التابع للقناة الروسية الرئيسية مساحة واسعة لنقاد أردوغان.
وتبين الصحيفة أنه رغم موافقة تركيا على استقبال خط إمدادات الغاز "تيرك ستريم" الذي يساعد روسيا على تجنب أوكرانيا، إلا أنها تدفع أسعارا مرتفعة لشركة الغاز الروسية "غازبروم" وأكثر مما تدفعه ألمانيا، بحسب المحلل للعلاقات التركية الروسية المقيم في موسكو، كريم هاس، الذي قال: "لم تستطع تركيا الحصول على خصم".
ويشير التقرير إلى أن أردوغان أعلن عن غضبه من رفض أمير الحرب الذي تدعمه روسيا خليفة حفتر توقيع وقف إطلاق النار الشهر الماضي، لافتا إلى أن إدلب تهدد بأن تتحول لأخطر أزمة في وقت تتدهور فيه الظروف لحوالي 3 ملايين مدني فيها يقفون على الحدود التركية، وحذر أردوغان، الذي استقبلت بلاده 3.5 مليون سوري، من أنه لن يستقبل أي موجات جديدة من اللاجئين.
ويورد الكتّاب نقلا عن هاس، قوله إن تركيا عانت من مشكلات في علاقاتها مع روسيا؛ لأن موقفها ضعيف في الكثير من الملفات، ما سمح لروسيا بمواصلة سياستها الحازمة.
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين في أنقرة، قولهم إن مهمة التصدي لروسيا في سوريا كانت صعبة بسبب غياب الدعم الغربي، ومع ذلك فإن لدى تركيا عددا من الأوراق للعبها، بما فيها التأثير على بقايا المعارضة السورية وسيطرتها على مناطق في شمال سوريا التي يريد الأسد استعادتها.
ويستدرك التقرير بأن تركيا تعتمد على روسيا لمنع موجات أكبر من اللاجئين للتوجه لحدودها، ولتحديد دور المليشيات الكردية والجماعات السياسية المرتبطة في المحادثات حول مستقبل سوريا، بالإضافة إلى توفير احتياجاتها من الغاز الروسي.
ويورد الكتّاب نقلا عن الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أصلي أيدن طاشباش، قولها: "ليس من صالح أنقرة تنفير روسيا منها"، مشيرة إلى أن العلاقات ستتجاوز التوتر الأخير حول إدلب، وأضافت: "تركيا ليست دولة تابعة لروسيا"، لكنها أصبحت مدينة لها ولا يمكنها أن تلغي كل شيء في أزمة واحدة.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن أردوغان عبر عن هذا الموقف، فوعد بالجلوس والحديث عن المبادرات التي تربط البلدين كلها دون غضب، مشيرا إلى مثل تركي يقول إن "الذي يقف غاضبا قد يجلس نادما".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)