يعمد البعض اليوم للتأكيد أن ما يجري في الصين من انتشار وباء انفلونزا الكورونا إنما هو عقاب إلهي للصين بسبب ممارساتها ضد شعب الإيغور المسلم الأعزل.
هذا النوع من التفكير السطحي الرغائبي ناهيك أنه لا يستند إلى أي دليل منطقي، إلا أنه يساهم من حيث لا يدري صاحبه في تقويض النظرية التي يحتمي بها لتبرير كل ما يجري في الكون على أنه هو مركزه، وما يعلم جنود ربك إلا هو، فهو الله الذي يدافع عن الذين آمنوا فندخل بذلك دون أن ندري في حلقة مفرغة من السفسطة الناشئة عن سببين، سوء فهم كتاب الله وآياته وسوء فهم الواقع الذي يكذِّب هذا التفكير الرغائبي.
ودون الخوض في سوء فهم كتاب الله وآياته فإن لذلك مجالا غير هذا، فإن قراءة بسيطة للواقع ستكشف لنا أن الفيروسات وغيرها من الأمراض المعدية لا تخضع لرغبة البعض لتفسير ما يحدث في الصين بأنه دفاع عن الإسلام والمسلمين.
فالكورونا فيروس شديد العدوى انتقل من الحيوان إلى الإنسان ثم من الإنسان إلى الإنسان غير مميز بين إنسان وآخر صيني أو غير صيني، بوذي أو مسلم أو ملحد أو مسيحي.
وكلما نقصت مناعة الإنسان المصاب كان الفيروس أشد فتكا وأكثر استعصاءً على العلاج. ومن نافلة القول إن السجون والمعتقلات من أهم أسباب تقويض المناعة عند الإنسان ما يعني أن انتشار الفيروس بين صفوف الإيغور المعتقلين لا سمح الله سيؤدي إلى كارثة لا تحمد عقباها وموت الآلاف منهم على أقل تقدير.
ماذا سنقول عندها؟ عقاب إلهي ضد الإيغور؟!
وبالعودة إلى التاريخ فقد ضرب الطاعون الأسود قلب أوروبا في منتصف القرن الرابع عشر، ومن ثَمَّ انتقل إلى ضفاف البحر المتوسط الجنوبية والشرقية فضرب مراكز الحضارة الإسلامية آنذاك، وتسبب بمقتل الملايين ممن كانوا يعيشون هناك. هل كان ذلك عقابا للأوروبيين بسبب الحروب الصليبية مثلا؟ وإذا كان عقابا لهم فلماذا انتشر في بلاد المسلمين وقتل الملايين؟
وماذا لو علمنا أن الطاعون الأسود لم يكن منشؤه الأصلي أوروبا، بل الصين عبر تجارة طريق الحرير ومنها انتقل لأوروبا فالعالم الإسلامي.
ماذا كان سيقول لنا تفكيرنا الرغائبي؟ إنه انتقام الله من المغول الآتين من الصين؟
لما ضرب الطاعون بلاد الشام إبان الفتح الاسلامي الراشد وكان فيهم القائد الكبير أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه الذي توفي هو نفسه بالطاعون، لم يفهم المسلمون الاوائل آنذاك أن ما حدث هو عقوبة لأهل بلاد الشام، بل تعاملوا مع الأمر كما يجب عبر سن قانون الحجر الصحي على المسلمين وغير المسلمين في منطقة الوباء. وربما كان هذا الفعل وحده ما أدى إلى إخماد جذوة الطاعون ثم انتهاؤه. وربما كان هذا الحجر الصحي العُمري نسبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أحد أسباب دخول أهل بلاد الشام في الإسلام؛ إذ لم يجدوا من المسلمين تفكيرا رغائبيا استئصاليا، بل تفكيرا واقعيا لحل مصيبة لا تفرق بين إنسان وآخر؛ فالإيمان ليس لقاحا ضد الأمراض المعدية.
يبقى أن نقول إن خطورة هذا النوع من التفكير مدمرة في معظم الأحيان، لأنها تصرف الناس عن النظر والتفكر في الأسباب الحقيقية للأمور، وتنشر بدل ذلك حالة من الركون المتخم جهلا يطلق أصحابه الآيات والأحاديث في غير موضعها بأسلوب أشبه بالكليشات الجاهزة، فهم كالنطاسي لديهم لكل مشكلة حل آني ولو كانت المشكلة عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر.
ففي حالة فيروس الكورونا تتم الإحالة على معاقبة الله للصين بدل العمل على هز أركان المجتمع الدولي بسبب وجود مليون إيغوري ذوي مناعة منخفضة بسبب اعتقال الصين لهم هم بمثابة قنبلة موقوتة فيما لو انتشر الكورونا بين أوصالهم، وبالتالي فإن العمل على إطلاق سراحهم وتقوية مناعتهم يجب أن تكون على رأس أولويات منظمة الصحة العالمية.
ما يفعله التفكير الرغائبي أنه يعطل هذا العمل حتى إذا ظهرت أولى الإصابات في صفوف الإيغور المعتقلين أصبح إطلاق سراحهم ضربا من الخيال، بل لأصبح إبقاؤهم في المعتقل مطلبا دوليا ليواجهوا وحدهم المصير الأسود ويكونوا شهداء هذا التفكير.