مقالات مختارة

عن إعلان المحكمة الجنائية الدولية

1300x600

«إن جميع المعايير القانونية التي ينص عليها ميثاق روما (الذي تأسست بموجبه محكمة الجنايات الدولية) توافرت وتسمح بـفتح تحقيق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب بالأراضي الفلسطينية».

هذه هي خلاصة ما أعلنته «بنسودا» المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية. وأضافت إلى ذلك:
«إن الفحص الأولي لجرائم الحرب الذي فتح عام 2015 (تاريخ تقدم دولة فلسطين للمحكمة) أسفر عن معلومات كافية تفي بجميع متطلبات فتح التحقيق». و»لدي قناعة بأن جرائم حرب ارتُكبت أو تُرتكب في الضفة الغربية وبما يشمل القدس وفي قطاع غزة».

و»إن المحكمة ستفتح تحقيقاً شاملاً في الأراضي الفلسطينية وتركز على مزاعم ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية».

ولأن أراضي دولة فلسطين ما زالت تحت الاحتلال، فقد أحالت المدعية العامة الموضوع إلى الدائرة التمهيدية لتقرر في شأن ولايتها القضائية.

هذا لا يقلل من قوة الإعلان وجديته وحظوظه شبه المضمونة بالتحقق.

يؤكد ذلك كل الأقوال والتأكيدات والإجراءات آنفة الذكر. ويؤكده أيضاً، اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بمكانة فلسطين كدولة مراقب، والذي حسم قضية الولاية المذكورة.

نتج عن الإعلان حالتان عامتان متقابلتان ومتضادتان:

الأولى، حالة فرح وابتهاج وتفاؤل عارمة لدى الجمهور الفلسطيني على اختلاف اتجاهاته وميوله وفي جميع أماكن تواجده.

لقد رأى الجمهور الفلسطيني في الإعلان المذكور انتصاراً هاماً حققته الدبلوماسية الفلسطينية بتخطيط علمي مدروس ومثابر. وبالاستناد إلى تأييد أهل الوطن، وصلابة تمسكهم بالأمل وبحقوقهم التاريخية والوطنية، وكما أقرها المجتمع الدولي.

كما رأى في الإعلان تأكيداً إضافياً لصحة العمل السياسي والدبلوماسي بتنوعه واتساعه وصواب الانخراط في كافة مجالاته وهيئاته، مهما تطلب ذلك من صبر وطول بال.

ومن الطبيعي والمتوقع أن تكون الجهة الفلسطينية المسؤولة عن المتابعة بأعلى درجات الجاهزية والاستعداد وان توظف كل إمكاناتها وخبراتها القانونية والدبلوماسية لهذه المعركة. ولا ضير في استعانته بخبرات قانونية عربية وعالمية.

الحالة الثانية، حالة هلع وهيجان وفقدان توازن عاشتها دولة الاحتلال كما عبر عنها أكثر من مسؤول أول، وأكثر من جهة رسمية ومجتمعية وإعلامية. وكأنّ إعلان الجنائية الدولية جاء صدمة غير متوقعة، وفي وقت أدمنت دولة الاحتلال لسنوات طوال العيش في حالة من الاسترخاء المطمئن. وأخرجت من حسابها إمكانية، أو حتى احتمالية، تحرك المجتمع الدولي ضدها وتجرؤه على محاكمتها بجرائمها.

نتنياهو، سارع في رسالة إلى زعماء العالم، إلى التنديد بإعلان النيابة العامة لمحكمة الجنايات الدولية التحقيق حول «جرائم حرب» إسرائيل.  قال فيها: هذا يوم أسود للحقيقة والعدالة، تحويل المحكمة الدولية إلى سلاح سياسي في الحرب ضد إسرائيل. وأضاف «إن ما يجري مجرد مسخرة لن تسمح حكومته بتمريرها».

 أما وزيره للمواصلات فقد قدم له اقتراحاً بإمهال السلطة الفلسطينية 48 ساعةً لسحب الدعوى المقدمة منها ضد إسرائيل وإلا إعلان انهيارها على الأرض. أما القناة العبرية الثانية، فقد توقعت أن يصبح الإعلان عن وجود أسباب للتحقيق ضد إسرائيل «أهم معركة قانونية دولية على الإطلاق بشأن القضية الفلسطينية»، «وأن فتح التحقيق سيكون بمثابة «زلزال»، وسيضع إسرائيل في مواجهة غير مسبوقة من أمواج تسونامي سياسية. بما في ذلك التحقيقات وأوامر اعتقال ضد كبار المسؤولين في البلاد».

يزيد من حالة الهلع لدى دولة الاحتلال أن إعلان المدعية العامة يأتي تقريباً في نفس توقيت إعلان» لجنة حقوق الإنسان» التابعة للأمم المتحدة أنها ستنشر الشهر المقبل قائمة الشركات العاملة في المستوطنات بالضفة الغربية وشرق القدس ومرتفعات الجولان.

وان النشر سيأتي تنفيذا لقرار محكمة العدل الأوروبية بمطالبة جميع دول الاتحاد الأوروبي تمييز منتجات المستوطنات.

من المؤكد، أن دولة الاحتلال سوف تستنفر كل قواها وشرورها في هذه المعركة، وأنها ستطلق أيضاً نداء استدعاء لاحتياطيها الدولي أيضاً.

 أول استجابة للنداء جاءتها، كما هو متوقع، من وزير الخارجية الأميركي بومبيو ومن مستشار الأمن القومي السابق بولتون، وكانت مشككة بصلاحية محكمة الجنايات الدولية وبنواياها وأهدافها ودفاعاً عن دولة الاحتلال.

هذه الاستجابة هي مجرد مؤشر ومقدمة لتدخل الدولة الأميركية بكامل ثقلها نصرة لحليفتها، وضغوطاً للدفاع عنها.

في مجال استنفار قواها ونشر شرورها، فإن منع إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في القدس سيأخذ بعداً وأهمية خاصة، ويضع إجراء كل الانتخابات المذكورة أمام تساؤلات واحتمالات مقلقة.

ولكن دولة الاحتلال، في المقابل، ستجد نفسها في وضع المضطر إلى تأجيل- وربما إلغاء - مشاريع احتلالية توسعية لها مثل إخلاء «الخان الأحمر» ومثل ضم الكتل الاستيطانية، وخاصة مشروع ضم غور الأردن وشمال البحر الميت.

إن دولة الاحتلال لم تجد نفسها يوماً في وضع المتهم على هذه الدرجة من الجدية، ومن قبل أعلى محكمة جنائية دولية.

إذا ما أخذت المحاكمة مداها الكامل والعادل، كما هو متوقع. وإذا ما توبعت وقائعها ونتائجها بشكل جدي ومثابر، فإن حال دولة الاحتلال لن يكون بعدها كما كان قبلها.

(الأيام الفلسطينية)