صحافة دولية

صحيفة إسبانية: فيروس الاحتجاج يجتاح العالم

خبير: المظلة الوحيدة التي تضم كامل الشعوب التي قررت الخروج للشارع تتمثّل في كراهية السلطة- أ ف ب

نشرت صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن موجة الاحتجاجات غير المسبوقة التي اجتاحت مختلف دول العالم، والتي نادى فيها المتظاهرون تقريبا بالحقوق والمطالب الشعبية نفسها.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن فيروس الاحتجاجات ينتقل من دولة إلى أخرى ويجوب قارات العالم أجمع. وقد اندلعت هذه الاحتجاجات لمناهضة الأنظمة الاستبدادية والدول الفاشلة والديمقراطيات التي لم تتخلص من الماضي الديكتاتوري والديمقراطيات الموحدة.

وذكرت الصحيفة أن العالم شهد في نهاية 2019 انفجارا للاحتجاجات حول العالم من الجزائر وبوليفيا وكتالونيا والتشيلي وكولومبيا والإكوادور، وصولا إلى مصر وفرنسا وجورجيا وغينيا وهونغ كونغ والعراق وإيران ولبنان والمملكة المتحدة، وتنضاف دول جديدة إلى هذه القائمة كل أسبوع.

وأوردت الصحيفة أن الخبراء يعتقدون أن الاحتجاجات العالمية الحالية تعتبر مماثلة تقريبا لما حدث في ثورة 1848 أو خلال فترة ستينيات القرن الماضي المضطربة. ولكن مشهد الشعوب التي عجّت بها الشوارع الآن، الذين يصرخون مطالبين بتحقيق أهداف مختلفة أمر لم يسبق له مثيل.

ثورة 1848 أو ستينيات القرن الماضي المضطربة هي السابقة الوحيدة القابلة للمقارنة
حسب جاكلين فان ستيكلنبورغ، الأستاذة في مجال التغيير الاجتماعي والصراع في جامعة أمستردام الحرة، فإن جميع البيانات تظهر زيادة مذهلة في عدد الاحتجاجات في العقد الماضي. وفي ظل عدم وجود قاعدة بيانات عالمية موثّقة، تشير ستيكلنبورغ إلى أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد أكدت أن بيانات سنة 2008 أثبتت أن مستوى الاحتجاجات في الستينيات سجّل رقما قياسيا منذ سنة 1900. وفي الواقع، تؤكد جميع المؤشرات أن موجة الاحتجاجات استمرت في التصاعد على الصعيد العالمي.

وأشارت الصحيفة إلى أن النهاية المأسوية لسنة 2019 تمثل ذروة الاتجاه الذي حاول علماء السياسة تحليله بشكل دقيق لبعض الوقت. وحيال هذا الشأن، قال ريتشارد يونجز، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن التطور الكبير هذه المرة يكمن في "أن هذه المرة الأولى التي تندلع فيها الاحتجاجات في جميع المناطق، وتحت جميع أنواع النظم السياسية من أغنى البلدان وأكثرها ديمقراطية مثل فرنسا، وصولا إلى أكثر الأنظمة استبدادا مثل فنزويلا أو إيران أو العراق".

الرابط المشترك بين الاحتجاجات يتجلى في الشعور بالإحباط من النخب السياسية، سواء في الدول التي تنعم بنظام ديمقراطي أو تلك التي تعتمد على الأنظمة الاستبدادية في الحكم.


أفادت الصحيفة بأن برانكو ميلانوفيتش، كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، يجري تحليلا حول مسألة الاحتجاجات التي شهدتها الكثير من الدول حول العالم. وقد أفاد ميلانوفيتش بأن المظلة الوحيدة التي تضم كامل الشعوب التي قررت الخروج للشارع تتمثّل في كراهية السلطة، وهو شعور ممزوج بشيء من السخرية المتزايدة تجاه السياسيين، خاصة بين الشباب، بالإضافة إلى الشعور بأن الحكام يحتقرون المواطن.

ونقلت الصحيفة عن ميلانوفيتش أن "تشكيك الشعوب في شرعية السلطة يعود إما لأن السياسيين استولوا على السلطة لفترة طويلة مثل ما فعل بوتفليقة في الجزائر، أو بسبب التورط في قضايا متعلقة بالفساد مثل السياسيين في لبنان، أو لأنهم يتجاهلون الفقراء مثل ما حصل في تشيلي وإيران. من الناحية السياسية، لا يوجد قواسم مشتركة بين النظام في إيران وتشيلي على الرغم من أن مطالب الاحتجاجات في كلتا الحالتين كانت متشابهة للغاية، كما في فرنسا".

يقول برانكو ميلانوفيتش، "إنها أول ثورة في عصر العولمة، ولكنها ليست ثورة ضد العولمة بل انبعثت منها".


ذكرت الصحيفة، نقلا عن جوناثان بينكني، الباحث في مجال اللاعنف في معهد السلام الأمريكي، أن شبكة الإنترنت أدت دورا محوريا في مسألة اندلاع الاحتجاجات في دول العالم. ويتمثّل دور الإنترنت في التغطية الإعلامية على المستوى العالمي والوصول السريع إلى كم كبير من المعلومات، الأمر الذي يتيح للمتظاهرين أن يستلهموا ما يحدث في الجانب الآخر من العالم.

وأضاف بينكني: "لقد حدث هذا الأمر بالفعل سنة 1989 حين ألهم سقوط الشيوعية الاحتجاجات في أفريقيا وجنوب شرق آسيا. ولكنه كان استثناء. في المقابل، ما نراه الآن هو أن الانتشار العالمي أصبح هو القاعدة ".

ونقلت الصحيفة عن ستيكلنبورغ أن مواقع التواصل الاجتماعي تسهّل عملية الاحتجاج لأنها تخلق مساحة لتبادل أفكار حول انتهاكات السلطة الحاكمة، وتسمح بالوصول إلى المزيد من الناس في وقت أقل وبتكلفة أقل أيضا، وهو ما يسرّع في تنظيم المظاهرات وغيرها من الأعمال.

الحركات، مثل هونغ كونغ وكتالونيا، ينظر بعضها إلى بعض ويتعلم بعضها من بعض.


أشارت الصحيفة إلى أن الاحتجاجات الحالية تندلع في كثير من الأحيان بسبب المطالبة بحقوق متواضعة للغاية تتعلق بسياسة محددة، ولكنها تنمو بسرعة لتنتهي بالتركيز على قضايا أكثر منهجية مثل الفساد وعدم المساواة أو الديمقراطية. وفي الواقع، لا يسيّر هذه الاحتجاجات قادة محددون، الأمر الذي يمنح الكثير من المرونة للاحتجاجات ويسمح للمحتجين بتصميم تكتيكات مبتكرة للغاية، لكن المشكلة تظهر ساعة اتخاذ القرارات. وقد حدث هذا السيناريو في مصر حيث تمكنت الثورة من الإطاحة بحسني مبارك، لكنها فشلت على المدى الطويل لأنهم لم يكونوا مستعدين لما حدث بعد ذلك.