يغلب على مجالس الفتوى في العالم الإسلامي، ومثيلاتها في أمريكا والدول الأوروبية خلوها من النساء الفقيهات، وهو ما يثير التساؤل حول أسباب عدم تعيينهن في تلك المجالس، إن كان عائدا إلى موانع شرعية تمنع ذلك وتحظره، أو أن الأمر لا يعدو أن يكون تقليدا موروثا درجت عليه تلك المجالس.
تغييب النساء عن مجالس الإفتاء، دائما ما يكون محل انتقاد جمعيات وهيئات نسوية عديدة، ووفقا لباحثات شرعيات فثمة تعمد لإقصاء النساء عن تلك المجالس، مع أن مصلحة النساء، خاصة في ما يتعلق بقضاياهن الشرعية تكمن في تولي مفتيات لبحث تلك المسائل، وإصدار الفتاوى المناسبة لها.
وبحسب أستاذ الفقه المقارن في الجامعات الأردنية، الدكتور جبر فضيلات "فليس ثمة موانع شرعية من حيث الأصل تمنع من تعيين مفتيات في مجالس الفتوى، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بفقه النساء من مسائل وقضايا".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "من الأفضل أن تشرف النساء المفتيات على قضايا النساء، لأن كثيرا من النساء يخجلن – في غالب الأحوال – من سؤال المفتين عن قضاياهن الخاصة، وفي الوقت نفسه فإن النساء الفقيهات أقدر على فهم تلك المسائل على وجهها الصحيح، وإفتاء المستفتيات على أسئلتهن الخاصة".
وتعليقا على خلو غالب مجالس الفتوى في الدول الإسلامية والأجنبية من العنصر النسائي، أرجع فضيلات ذلك إلى "توافر الرجال المفتين القادرين على سد المكان وملئه، وإن كان وجود النساء المفتيات أفضل في مسائلهن الخاصة بهن".
وأبدى فضيلات تخوفه من "الدعوات النسوية المتصاعدة لإقحام المرأة في كل شأن، والتي باتت تزاحم الرجال في كل شيء، وهي دعوات غالبا ما تصدر من الاتجاهات المطالبة بما يُعرف بحرية المرأة".
"محاولات إقصاء"
من جهتها رأت الباحثة السورية في الفقه وقضايا الأسرة، عابدة المؤيد أن "هناك محاولة لإقصاء النساء عن مجالس الفتوى، بحجة أن عقل المرأة قاصر وضعيف، وبناء عليه فإنها لا تصلح للفتوى"، وقالت: "استمعت قبل شهرين تقريبا إلى شيخ الأزهر في برنامج وثائقي يقول: إذا وُجدت نساء مؤهلات للفتوى، فأهلا بهن".
وأرجعت "توجهات إقصاء المرأة عن مجالس الفتوى" إلى "نسق الثقافة السائدة في مجتمعاتنا، والتي تجعل المكان الأليق بالمرأة هو بيتها، فواجبها الأول والأخير هو القيام على شؤونه، ورعاية أبنائها، ما أضعف مكانتها وحضورها في العمل العام".
وذكرت المؤيد لـ"عربي21" أنها لاحظت أن الكثيرين في مناقشاتهم العامة على مواقع التواصل الاجتماعي يحصرون دور المرأة المفتية فقط في مسائل النساء، وليس لهن أن يفتين في عموم المسائل والقضايا الفقهية".
وأكدّت المؤيد أنه "لا يوجد أي ممانعة شرعية لتولي النساء منصب الإفتاء في عموم المسائل والقضايا الفقهية، وإنما جاءت الممانعات في عصور متأخرة، وهذا من تأثير البيئة الثقافية على العقل الجمعي".
ولفتت إلى حالة باحثة شرعية، حيث تقيم حاليا في السعودية، تحمل درجة الدكتوراه في الفقه، والتي أعدت قبل مدة بحثا يتعلق بالسوائل التي تخرج من المرأة، وناقشت مسائله مطولا مع أطباء وطبيبات من ذوي الاختصاص، لكنها لم تستطع أن تنشر بحثها إلا بعد عرضه على لجنة من المفتين الرجال، متسائلة: "لماذا تضطر إلى ذلك، وهي الأقدر والأعلم بمثل هذه المسائل؟".
واستغربت المؤيد "ظهور شيخ (بل شيوخ) على شاشات الفضائيات للتفريق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، مع أننا نحن النساء لا نستطيع التفريق بينهما"، متسائلة: "فكيف يفعل ذلك وهو لم يحض في حياته، وكيف يفتي في مسألة هي من لب الطب، ومن اختصاص النساء؟".
"الموروث الاجتماعي والثقافي"
في السياق ذاته قال الداعية والباحث الشرعي المقيم في أمريكا، محمد الحايك: "بداية لا بد من الاعتراف بوجود خلل في مؤسسات الإفتاء، ومجامع الفقه الرسمية وغيرها في ما يتعلق بحضور المرأة بالنسبة للرجل".
وأضاف لـ"عربي21": "الواقع في الغرب لا يختلف عنه في العالم الإسلامي، فلم أجد سوى شخصية نسائية واحدة هي د. زينب طه جابر العلواني في مجمع الفقه الإسلامي لأمريكا الشمالية، في حين لا يوجد أية امرأة في المجمع الفقهي الآخر (AMJA)، وأما المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث فلا يضم في صفوفه أية امرأة".
وطبقا للحايك فإن "المسؤول عن هذا الواقع المختل هو الموروث الاجتماعي/ الثقافي الذي لا يزال حاضرا ومؤثرا في المشهد، والذي لا يرى في المرأة فقيهة مفتية كما يرى في الرجل، بمعنى أن المجتمع يرى الرجل أحق وأجدر من المرأة بهذه "السلطة"، وعليه فإنه لا ينظر إلى المرأة الفقيهة/ المفتية أو العالمة بذات الدرجة من الاحترام والتقدير والثقة".
وتابع: "ربما يسري هذا الشعور في التمييز الجنساني في أوساط النساء أنفسهن، ما يسهم كله في تكريس هذه الحالة من الاختلال".
وأشار الحايك إلى "بعد آخر لهذا الموروث الثقافي الاجتماعي، وهو أن التيار الغالب في القطاعات المحافظة والمتدينة في المجتمع الإسلامي لا يشجع حضور المرأة مع الرجال، ولا يتحمس لمشاركتها في المحافل العامة، وبخاصة مؤسسات الفقه والفتوى، بل يدعو إلى التحرج والتحفظ، متذرعا بأسباب اجتماعية كثيرة، وربما أخرى فقهية معروفة".
وواصل شرح فكرته بالتأكيد على أن "شيوع ذلك يجعل بعض النساء يحجمن أو يترددن في المشاركة، بالرغم من أهليتهن دفعا للحرج حتى ولو كانت ثمة اجتهادات فقهية أخرى لا ترى بأسا بهذه المشاركة".
وأكدّ الحايك في ختام حديثه على أنه "لا يرى مانعا شرعيا من إشراك المرأة في هذه المجالس، فمشاركتها ستؤدي إلى تطوير هذه المؤسسات، وستساهم في ترقية دورها المجتمعي، بما تقدمه المرأة الفقيهة من رؤى وتجارب قد لا يكون الرجل مستوعبا لجوانبها المختلفة" وفق وصفه.