حزين على المشروع الوطني الفلسطيني، فهو كما لو كان في الماضي رؤية رقيقة طاهرة أنهكها سوء التقدير والإدارة، حتى أصبحت هذه الرؤية واقعا ضعيفا وصديقة ورفيقة لحلم أتعب حالميه فأتعبهم.
ليس حبا واختيارا وإنما فشلا ذريعا افتقد للرؤية والاستراتيجية وتكالبت عليه ضباع الصحراء بعد أن وجد نفسه أو وجد فيها مقيد الأقدام و الإقدام.
فمن مشروع طموح عادل عنوانه تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني إلى استلام مقاصة وإرجاعها وتهافت خجول وانتظار فارغ لمباركة استقالة من هنا و هناك، دون أن ندري ما ينتظرنا هناك، مبعوث أمريكي أسوأ إلى الشرق الأوسط هناك.
فاستراتيجيتنا الفلسطينية ومنذ أوسلو ( 1993م) قائمة على مبدأ "بنشوف"
اعتراف بإسرائيل؟ سنعترف وبعدها "بنشوف". حكم ذاتي فلسطيني فقط؟ نوقع و"بنشوف". تأجيل قضايا القدس واللاجئين والحدود والاستيطان والدولة؟ نؤجل حتى "نشوف".
لن نأخذ أكثر من حكم ذاتي بحكم الأمر واقع؟ لا نقبل بهذا و"بنشوف". مجبرون على التنسيق الأمني. ننسق ولكن بعد ذلك "بنشوف". سيضمون أراضي جيم في الضفة الغربية؟ هذا لن نقبله، تا"نشوف" . لا أموال للشهداء والجرحي والأسرى؟ هذا كثير، لن نقبل بذلك بـ"نشوف".
صفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وهذا الموجود؟ هذا كثير جدا، أمامنا المستقبل سـ"نشوف". انتخابات إسرائيلية و فوز اليمين الإسرائيلي؟ لننتظر الانتخابات القادمة، دعونا "نشوف".
ألم يحن الوقت بعد لـ"نشوف" ونستقرأ القادم لوضع استراتيجية وطنية؟!!! ألم تكن سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية- الأمريكية منذ مؤتمر مدريد للسلام (1991) وحتى صفقة القرن (2019) تجاه القضية الفلسطينية قادرة على أن تضع بين أيدينا معطيات أكثر من كافية لـ"نشوف" رؤيتهم المشتركة لتصفية القضية ؟!!!
أفترض أن أهدافنا الوطنية الفلسطينية واضحة، وآمل أنها لم تخضع بعد لمبدأ "بنشوف"، و هي تقرير المصير، الاستقلال الوطني، حق العودة و القدس عاصمة الدولة المستقبلية.
وأفترض أيضا حسن نوايا القيادة السياسية الفلسطينية الرسمية والحزبية في البحث عن استراتيجية وطنية فلسطينية قادرة على مواجهة أخطر مخططات لتسوية القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948 بتكالب واضح بين يمين إسرائيلي وأمريكي هائج.
إن أية إستراتيجية طارئة واستثنائية فلسطينية ولكي تتمكن من تشكيل سد منيع أمام هذه المخاطر تحتاج التالية:
1- وحدة وطنية تحتاج إلى إعادة بناء مع إعادة بناء الأطر الوطنية الفلسطينية الجامعة والدفاع عنها
2- حكومة فلسطينية تجمع شمل البيت الفلسطيني بجميع أطيافه السياسية
3- إعادة هيكلة أدوار السلطة الفلسطينية والالتفاف على تحوير دورها الذي خلقته إسرائيل
4- إعادة الثقة بين مؤسسات السلطة الفلسطينية (المدنية منها و الأمنية) وبين المواطن الفلسطيني لكي يلتف حولها ويحميها ويحمي دورها القادم المقاوم للمخطط الإسرائيلي
5- إعادة أواصر النسيج البرامجي الوطني الفلسطيني كاملا: ضفة، غزة، فلسطييي 48، والشتات الفلسطيني
6- عودة التحالفات الدولية مع الشعوب المناصرة على الصعيدين العربي والدولي
7- لا شريك فلسطيني للمطامع الإسرائيلية لا على الصعيد الفردي ولا على الصعيد الرسمي
8- دور أكثر فاعلية للدبلوماسية الفلسطينية على كافة الصعد
صحيح أن الشعب الفلسطيني -وعندما تساق حول عنقه المؤامرات المفصلية الصعبة- يكون أوعى ألف ألف مرة من قيادته السياسية إلا أنه يستحق قيادة سياسية قادرة على وضع استراتيجية وطنية لمواجهة هذا الخطر الداهم، قادرة على استقراء القادم وواضعة أهدافه الوطنية نصب عينيها حتى تقر عينه، ومستثمرة جيدة لكل مقدراته حتى توصله إلى بر الأمان، بر إنهاء الاحتلال والانفكاك عنه وهو شعب عظيم جدا، جدا يستحق ذلك.