يفاجأ المواطن
المصري بين الحين والآخر بمشروعات
قومية لا تمثل أولوية له، بالمقارنة للمشكلات الحياتية المزمنة التي يعاني منها،
مما يشكل من جهة؛ هدرا للموارد المحدودة، وخفضا للميزانيات المرصودة للمشكلات ذات
الأولوية المتصلة بمجالات الصحة والتعليم والاسكان والنقل والمواصلات وغيرها، وبطأ
في تنفيذ المشروعات ذات الأهمية بالنسبة له، وعلى الجانب الآخر؛ إسراعا في تنفيذ
المشروعات التي لا تمثل أولوية، حتى الاهتمام الإعلامي تراجع بالنسبة للقضايا
الجماهيرية، حتى تكاد تخلو صفحات الجرائد (على كثرتها) من تلك المشكلات الجماهيرية،
بينما تزخر بالإشادة بالمشروعات غير ذات الأولوية.
ولهذا تعجب المواطنون من الإصرار على تنفيذ مشروع
تفريعة قناة السويس خلال عام واحد (في 2014)، رغم أن المتوسط اليومي لعدد السفن
المارة في القناة يبلغ 46 سفينة، في حين أن الطاقة الاستيعابية لها تسمح بمرور 78
سفينة يوميا، وهو المتوسط الذي بلغ في العام الماضي 50 سفينة يوميا، وبما يشير إلى
عدم تأثير التفريعة في تحقيق ما تم الإعلان عنه إعلاميا من إيرادات ضخمة للمشروع،
حيث ترتبط معدلات المرور بالقناة أساسا بأحوال التجارة العالمية؛ التي تمر حاليا
بحالة من التراجع بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وكذلك الإصرار على الإسراع ببناء عاصمة إدارية جديدة؛
تشير أسعار وحداتها الإسكانية إلى أنها مخصصة للصفوة والأغنياء، حتى أن الموظفين
المقرر نقلهم للعمل في مقار الأجهزة الحكومية فيها؛ تم تخصيص مساكن لهم في مدينة
بدر المجاورة للعاصمة الإدارية. وقد حفلت العاصمة الإدارية بالعديد من أوجه الاستفزار
لعموم المصريين.
افتتاح المطار قبل مجيء السكان
وقد تم افتتاح فندق فخم قبل إتمام إنشاء المدينة بنحو
عامين، ثم افتتاح ما قيل إنه أكبر مسجد؛ يمتد سوره لطول ستة كيلومترات، وأكبر
كاتدرائية على مساحة 15 فدانا، قبل إنشاء المدينة، أي أن المسجد والكنيسة بلا رواد
سوى ما يتم تنظيمه من رحلات لزيارتهما في المناسبات.. وإنشاء أطول برج في أفريقيا بارتفاع
390 مترا، من بين 20 برجا في المنطقة الإدارية وسط الصحراء.. والأوبرا الجديدة،
والنهر الأخضر كحديقة على مساحة ألف فدان تمتد بطول أكثر من عشرة كيلومترات، كذلك
افتتاح مطار العصمة الإدارية قبل أن يسكنها أحد بفترة طويلة.
وتكرر نفس الأمر في مدينة العلمين الجديدة، حيث يتم
إنشاء الأبراج السكنية على الشاطئ، بأسعار تخطت الثلاثين ألف جنيه للمتر الواحد،
وإقامة مقر صيفي للوزارات، أسوة بما كان موجودا أيام الحكم الملكي في مصر، وإقامة
دار أوبرا أخرى بخلاف دار أوبرا العاصمة الإدارية، وذلك بالطبع بخلاف الأوبرا
المصرية الموجودة بمنطقة الجزيرة وسط القاهرة، والتي يقتصر ارتيادها على الصفوة، حتى
ذكر أحد رؤسائها أنه كان يجلب طلاب جامعة القاهرة لشغل جانب من المقاعد الخالية.
حتى مدينة المنصورة الجديدة التي ربما تفاءل بها
سكان الدقهلية، بلغ سعر المتر في وحداتها السكنية حوالي الثلاثين ألف جنيه، مما
جعلها أيضا مقصورة على الأغنياء.
89 ألف وحدة سكنية شعبية في عام
وعلى الجانب الآخر، وفي بلد يعيش 57 في المئة من
سكانه في الريف، وهي النسبة التي تزيد في بعض المحافظات (82 في المئة بمحافظة المنيا
و81 في المئة بكل من قنا والبحيرة)، حيث يشتهر الريف بالبيوت الطينية، بخلاف سكان
العشوائيات حول ووسط المدن المصرية، حتى ذكرت بعض الإحصاءات أن 40 في المئة من
سكان المدن يقيمون في العشوائيات، مع تجنب الإحصاءات الرسمية ذكر عدد سكان
العشوائيات منذ سنوات، حتى التعداد الأخير للسكان عام 2017 خلا من عدد سكان
العشوائيات؛ بشكل ربما كان متعمدا، إلا أنه ذكر أن أكثر من ثمانية ملايين مواطن
يستخدمون حمامات مشتركة، بما يشير إلى إقامة مئات الآلاف من الأسر في المساكن المشتركة،
حيث تقيم أكثر من أسرة بشقة واحدة لتستخدم دورة المياه المشتركة.
ومن خلال نشرة إحصاءات الإسكان السنوية الصادرة عن
جهاز الإحصاء الرسمي، يتبين أن ما قامت الحكومة ببنائه من الإسكان منخفض التكاليف
بلغ 142 وحدة خلال العام المالي 2017/2018، وخلال ذلك العام بلغ عدد سكان الإسكان الاقتصادي
(الشعبي) الذي بنته الحكومة 89 ألف وحدة سكنية، مقابل 98 ألف وحدة خلال العام المالي
السابق، بينما بلغ عدد عقود الزواج ما يقرب من المليون عقد سنويا، بخلاف حالات
الطلاق.
وبلغ عدد الوحدات السكنية التي بناها صندوق تطوير العشوائيات
5357 وحدة سكنية، مقابل 592 وحدة فقط في العام المالي الأسبق، أي أقل من 600 وحدة.
وكان عدد الوحدات السكنية التي بنتها مديريات الإسكان التابعة للحكومة في المحافظات،
من كل نوعيات الإسكان (الاقتصادي والمتوسط) أقل من 11 ألف وحدة سكنية، مقابل حوالي
سبعة آلاف وحدة سكنية في العام المالي الأسبق، وكان عدد الوحدات التي بناها جهاز
الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة لا شىء.
الفصول الدراسية الجديدة لا تكفي المستجدين
وهكذا يبدو الفارق كبيرا بين عدد الوحدات السكنية
والفيلات والقصور، التي يتم إنشاؤها في العاصمة الجديدة وفي العلمين الجديدة
والمنصورة الجديدة، وبين ما يتم بناؤه في أنحاء المحافظات، مع الأخذ في الاعتبار
عدم ذهاب كثير من تلك الوحدات السكنية لمستحقيها، فمشروع الأسمرات الخاص بسكان
العشوائيات في منطقة المقطم بالقاهرة؛ حصل كثير من أمناء الشرطة والمحاسيب على
كثير من وحداته السكنية.
والطريف أنه وسط مشكلة النقص الحاد لإسكان الطبقة
الفقيرة، يهتم النظام الحاكم بطلاء واجهات المنازل، وتقوم جهات الحكم المحلي في المحافظات
بإيقاف توصيل المرافق للمنازل حتى تلتزم بقرار طلاء الواجهات، وهي المنازل التي تخلو
كثير منها من الطلاء الداخلي، بسبب الفقر الذي تذكر الإحصاءات الرسمية أن نسبته
32.5 في المئة، بينما تشير مصادر صحفية إلى أن تلك النسبة ليست صحيحة وأن النسبة
الحقيقية أعلى من ذلك.
وهكذا يدخل النظام المصري في مشروعات معينة بشكل
سريع، بينما يشوب خطواته البطء الشديد في مشروعات أكثر جدوى للمواطنين، حيث توسع
النظام في إقامة مشروعات لإنتاج الطاقة الكهربية بما يفوق الاحتياجات بأكثر من 21
ألف ميجاوات لا يتم استخدامها.
وبلغ عدد الفصول الدراسية التي تم بناؤها لمختلف
المراحل التعليمة بالعام الدراسي الأخير 2018/2019، نحو 5666 فصلا، مقابل 4257
فصلا دراسيا في العام المالي السابق، بينما كرر الجنرال في أكثر من مناسبة احتياج
البلاد إلى 100 ألف فصل دراسي لتقليل الكثافات في الفصول، وهو ما يعني الحاجة إلى حوالي
20 عاما لتحقيق المستهدف، يكون خلالها عدد التلاميذ قد زاد بما يفوق ذلك المستهدف،
حيث بلغت الكثافات في الفصول بالعام الدراسي الأخير أكثر من 51 تلميذا في بالفصل
بالمرحلة الابتدائية، و47 تلميذا في الفصل بالمرحلة الإعدادية، و43 تليمذا في الفصل
بالثانوي العام، و45 تلميذا بالثانوي الزراعي.
وفى ضوء وجود 345 ألف تلميذ مستجد في الصف الأول
بالعام المالي الأخير، فإنه بافتراض متوسط كثافة 40 تلميذا في الفصل، يحتاج هؤلاء
إلى 8625 فصلا، أي أن ما يتم بناؤه من فصول جيدة لا يكفي التلاميذ المستجدين، مما
يعني زيادة الكثافات القائمة وعدم خفضها لسنوات.
وهكذا يسمع المصريون عن مشروع هضبة الجلالة السياحي،
وشراء الطائرات الرئاسية الجديدة ومؤتمرات الشباب المصريين وغيرهم من أنحاء العالم،
بينما قضايا اجتماعية كثيرة مؤجلة. فملف الباعة الجائلين الذي يشمل الملايين من
المصريين؛ معطل، وملف التأمين على الفلاحين ومحاصيلهم معطل منذ سنوات رغم صدور
التأمين على الفلاحين، وملف الأمية لا يجد الاهتمام الكافي.
وعدد المستشفيات الحكومية يبلغ 676 مستشفى لنحو 100
مليون مواطن، وعدد الأطباء ثمانية أطباء لكل عشرة آلاف نسمة، وقانون الدعم النقدي
الخاص بمعاشات الأسر الفقيرة تأخر إقراره، ومشكلة الجوع وسوء التغذية في ضوء ارتفاع
أسعار الغذاء فوق قدرة ملايين الأسر؛ لا تجد من يتبناها.