خصصت مجلة "إيكونوميست" افتتاحية عددها الأخير للحديث عن الوضع في سوريا، تحت عنوان "انتصار الأسد الفارغ"، تقول فيها إن سوريا ستظل مصدرا للسموم في المنطقة ولسنوات قادمة.
وتقول الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، إن سيطرة النظام القريبة على محافظة إدلب لن تنهي الفوضى التي تسببت بها الحرب في الداخل والخارج، مشيرة إلى الشعار الذي طالما كتبته قوات الأسد أثناء الحرب الأهلية، الذي كان "الأسد أو نحرق البلد".
وتشير المجلة إلى أنه "عندما دفعت المعارضة النظام إلى حافة الانهيار، فإن الأسد تجاهل التهديدات الغربية الفارغة، واستعان بروسيا وإيران، ونفذ وعده، حيث طرد قوات المعارضة من معظم المدن والبلدات التي احتلتها، من خلال تدميرها، واستخدام الغاز السام، وتجويع المدن التي قاومت قواته، ولم يبق للمسلحين سوى محافظة إدلب التي ستنهار قريبا، واستطاع الشرير الانتصار خلافا للتوقعات كلها".
وتستدرك الافتتاحية بأنه "انتصار فارغ، فبدلا من تحقيق الأمن والنظام في البلاد فإنه جلب عليها الخراب، وشرد أهلها، ودمر الاقتصاد، وسقط نصف مليون سوري، وليس لدى الأسد أي شيء ليقدمه للشعب السوري، وستظل بلاده مستضعفة ومنقسمة، وستترك الحرب آثارها أبعد من حدود بلاده".
وتقول المجلة إن "اللحظة الدقيقة لانتصار الأسد ستتحدد في إدلب، التي يعيش فيها ثلاثة ملايين شخص، هرب معظمهم من مناطق حرب أخرى في البلاد، وتسيطر على المنطقة جماعات جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة، ولن تذهب بهدوء، وهذا هو إرث الشراسة التي اتسم بها الأسد، فأطلق سراح مئات الجهاديين من السجن عام 2011؛ أملا في أن يشوهوا سمعة الثورة المتعددة، التي شملت قطاعات المجتمع السوري، ويقوم النظام الآن بقصفهم إلى جانب المدنيين والمستشفيات، ولن تنتهي العملية سريعا وستكون دموية".
وترى الافتتاحية أنه "عندما يتوقف القتال فإن التوترات التي هددت النظام أصلا ستظل كما كانت، لكنها ستكون أسوأ من ذي قبل، بدءا من الدين، فحافظ الأسد، ابن الطائفة العلوية تمسك بالسلطة من خلال الموازنة بين الأديان في البلد، أما ابنه فصور معارضيه السنة بالأصوليين، كوسيلة لتعبئة الأقليات الدينية الأخرى، مثل المسيحيين والدروز والسوريين العلمانيين، لدعمه، وهرب ملايين السنة من البلاد، ما أدى إلى خلق ما تحدث عنه الأسد (مجتمع أكثر صحة وانسجاما)، ومع ذلك بقي ملايين السنة الذين شاهدوا بيوتهم تنهب وأملاكهم تصادر وأحياء تسيطر عليها الجماعات الموالية للأسد، ولهذا السبب سيظلون بسبب سخطهم واضطهادهم المصدر الرئيسي للمعارضة ضد النظام".
وتقول المجلة: "أما الأمر الثاني فهو مظالم الشعب السوري، ففي عام 2011 وحد الفقر وفساد النظام وغياب المساواة الاجتماعية السوريين، لكن الأمور أصبحت أسوأ من ذي قبل، وتعتقد الأمم المتحدة أن ثمانية من كل عشرة سوريين فقراء، أما البلد فمعظمه دمار وأنقاض، إلا أن خطط الحكومة لإعمار البلاد قد تؤدي إلى تمزيقه، وستكلف عملية الإعمار ما بين 250- 400 مليار دولار أمريكي، ولهذا ركز الأسد المصادر المتوفرة للإعمار في المناطق الموالية له، أما أحياء الفقر السنية، التي لم تحصل على مصادر، فقد تم إعادة تطويرها لتخدم البرجوازية الداعمة له، ويحصل أصدقاؤه على الأرباح في وقت تظهر فيه خطوط الصدع الدينية والطبقية وتتوسع أكثر".
وتضيف الافتتاحية: "ثم هناك شراسة الأسد، فعمل والده حافظ على الحفاظ على السلطة من خلال الشرطة السرية وحملات متفرقة للقتل، أما الابن، الذي كاد أن يخسر السلطة، فعمل على تعذيب وقتل أكثر من 14 ألف شخص على الأقل في شبكة النظام الواسعة من السجون السرية، وبحسب منظمة (هيومان رايتس ووتش) والمنظمات غير الحكومية، فإن هناك ما يزيد على 128 ألف معتقل لا يزالون في أقبية السجون، وهناك احتمال وفاة معظمهم، وحتى مع قرب احتمال نهاية الحرب لم يتوقف الإعدام، وفقد تقريبا كل سوري واحدا قريبا عليه في الحرب، ويتحدث المحللون النفسيون بتشاؤم عن انهيار المجتمع".
وتنوه المجلة إلى أن "آخر هذه الأمور هو دين الأسد لكل من روسيا وإيران، فهو مدين بنصره لهما، والدعم المالي والنصيحة واستعدادهما لدعم نظام مارق، ولهذا تتوقعان الحصول على المال مع فائدة".
وتجد الافتتاحية أنه "بالنسبة للسوريين فإن انتصاره يعد كارثة، لكنهم متعبون، ورغم ضعفه فإنه سيظل في السلطة لسنوات قادمة، وطالما بقي في الحكم سينتشر البؤس في المنطقة".
وتفيد المجلة بأن "الحرب السورية جرت عددا من القوى الإقليمية، لكنها قد تجلب قوات أخرى، فإيران تتعامل مع سوريا على أنها جبهة ثانية لمواجهة إسرائيل ودعم حزب الله، وكيلها في لبنان، وشنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على مواقع إيرانية أثناء الحرب، وفي شهر آب/ أغسطس شنت غارات بطائرات مسيرة على مقرات لحزب الله في بيروت، فيما تهدد تركيا، التي لديها قوات في شمال سوريا، بشن هجمات ضد الأكراد الذين ترى أنهم إرهابيون، ما قد يؤدي إلى مواجهة مع أمريكا، التي تدعم القوات الكردية وتحاول تهدئة تركيا".
وتشير الافتتاحية إلى أن "هناك مشكلة اللاجئين السوريين التي قد تزعزع استقرار جيران سوريا، فمن فروا من الأسد لا يريدون العودة، وبالتأكيد سيزيد عددهم، وطالما ظلوا في المخيمات تصبح إقامتهم دائمة ومشكلة للمنطقة، وتركوا أثرهم على عدد من الدول، مثل الأردن ولبنان وتركيا، حيث يتهمهم السكان المحليون بتجفيف مصادر البلاد وأخذ وظائفهم، وتقوم تركيا بترحيل البعض حتى لمناطق مثل إدلب، فهم مشردون من بلدهم وغير مرغوبين في الدول المضيفة، ما يجعلهم عرضة لخطر التشدد".
وتقول المجلة إن "أساليب الأسد القاسية تركت جزءا كبيرا من شعبه يشعر بالمرارة والتهميش، وستفرخ سجونه المتطرفين، وهي مكان جيد لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، الذي تقول أمريكا إنه أعاد تنظيم نفسه".
وتبين الافتتاحية أنه "بسبب فشل الدول الغربية في التحرك عندما كان يجب عليها ذلك في بداية الأزمة، فإنها لن تكون قادرة على تغيير المسار في سوريا، وهناك بعض الدول الأوروبية تعتقد أنه يجب التعاون مع الأسد والمساهمة في إعمار البلاد لعودة اللاجئين، وهذا تفكير مضلل، فلن يعود اللاجئون طوعا، والمساهمة في الإعمار لن تفيد سوى النظام وأمراء الحرب والأجانب، ويجب على إيران وروسيا دفع الفاتورة".
وتختم "إيكومونيست" افتتاحيتها بالقول إنه "بدلا من ذلك فإنه يجب على الغرب تقديم مساعدة إنسانية لتخفيف معاناة السوريين، والتهديد بالانتقام لو قام النظام بأعمال شنيعة مثل استخدام السلاح الكيماوي، ويجب على أمريكا البقاء حتى تمنع من ظهور تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، لقد عانى السوريون كثيرا وبقاء الأسد يعني استمرار بؤسهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
إيكونوميست: انتصار الأسد فارغ وسقوط إدلب لن ينهي الحرب
بلومبيرغ: حشود من المرتزقة الروس قرب إدلب استعدادا للهجوم
"صندي تايمز" ترصد شهادات حية من داخل مدينة إدلب المحاصرة