نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لكل من لويزا لوفلاك وسعاد مخنيت، تتحدثان فيه عن مخيم الهول في سوريا، مشيرتين إلى أن امرأة قالت لموظف الإغاثة إن ابنتها البالغة من العمر 14 عاما تعرضت لحادث ولم يكن بالإمكان فعل شيء.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن جسد الفتاة يروي قصة أخرى، فقد كسرت رقبتها من ثلاثة مواضع، ويقول الأطباء إنها ماتت ;عيونها مفتوحة، وكانت تعض شفتها وتحاول أخذ النفس، مشيرا إلى أن الصور والسجلات الطبية تظهران أنها ضربت في منطقة الجذع ثم تم خنقها، فكانت جريمة قتل وليست حادثا.
وتشير الكاتبتان إلى أن "هذه الفتاة المراهقة من أصول أذربيجانية، عاشت تحت حكم تنظيم الدولة حتى فترة قريبة، ويبدو أنها أرادت أن تخالف التعاليم وتنزع النقاب، بحسب سكان مخيم الهول للنازحين في شمال شرق سوريا، الذي أصبح غالبيته من عائلات تنظيم الدولة".
وتذكر الصحيفة أنه بعد نصف عام من هزيمة تنظيم الدولة، أصبحت معظم خيام مخيم الهول عبارة عن بؤرة للتطرف، فهناك حوالي 20 ألف امرأة و50 ألف طفل عاشوا تحت حكم التنظيم، ويعيشون الآن في ظروف صعبة في المخيم، الذي يديره ويحرسه 400 مسلح كردي تدعمهم أمريكا.
ويفيد التقرير بأنه في الوقت الذي يمكث فيه رجال تنظيم الدولة في السجون، فإن النساء داخل سياج المخيم يقمن بفرض قواعد التنظيم الصارمة وتطبيقها على من يعدون غير ملتزمين بالضرب والعنف وبأشكال أخرى، ويمددن ما يصفه السكان والسلطات المسؤولة عن المخيم فترة الرعب التي عاشها الناس تحت حكم تنظيم الدولة.
وتؤكد الكاتبتان أنه تم طعن عدد من حراس المخيم بسكاكين خبأتها النساء في ملابسهن، مشيرتين إلى أنه يتم تهديد النساء اللواتي يتصلن بمحامين يمكن لهم أن يخرجوهن من المخيم، أو للحديث مع ناس من الخارج، فقد قتلت امرأة إندونيسية حامل، بحسب المصادر الطبية، بعد أن تحدثت مع منظمة إعلامية غربية، وصور جسدها تدل على أنه تم جلدها.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول كبير في مخابرات المخيم، قوله: "إن ذلك يحصل ليلا وفي الخفاء، لكن لا أحد يخبر من هو الفاعل.. إنهم يخافون من بعضهم".
وبحسب التقرير، فإن 14 شخصا على علم مباشر بظروف المخيم وصفوا في مقابلات مدى الغضب المتزايد والعنف والتزمت الذي يتنامى وسط بيئة المخيم البائسة، مشيرا إلى أن هؤلاء الناس تضمنوا سكانا من المخيم، وعمال إغاثة ومسؤولين أكرادا، وكلهم تحدثوا بشرط عدم ذكر أسمائهم بسبب مخاوف أمنية.
وتورد الكاتبتان نقلا عن المسؤولين الأمنيين الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية، قولهم بأن لديهم قوات تحرس المخيم ولا تفعل أكثر من ذلك، وقال مسؤول المخابرات: "يمكن لنا احتواء النساء، لكن لا يمكن لنا أن نسيطر على أيديولجيتهم.. هنا أشكال مختلفة من الناس، لكن بعضهن كن أميرات في تنظيم الدولة، وهناك مساحات في المخيم هي بمثابة أكاديمية لهم الآن".
وتلفت الصحيفة إلى أن تقريرا صدر الشهر الماضي، حذر فيه مفتش وزارة الدفاع من أن عجز قوات سوريا الديمقراطية عن توفير أكثر من "الحد الأدنى من الأمن" في المخيم، سمح بانتشار أفكار تنظيم الدولة هناك دون تحد لها.
وينوه التقرير عن أنه في بعض الأماكن، فإن الأطفال، الذين يصل عددهم إلى 20 ألفا ولدوا تحت حكم تنظيم الدولة، هم الجمهور المأسور، مشيرا إلى أنه بالقرب من بوابة المخيم، قام الحرس بمصادرة لعب البنادق وغيرها من رموز تنظيم الدولة التي يلعب بها الأطفال، وتلك اللعب مصنوعة من أنابيب يتم إلصاقها بالأشرطة اللاصقة، والأعلام ملونة باليد وبتفاصيل دقيقة، لكن واضح أنها من صنع الأطفال.
وتورد الكاتبتان نقلا عن مسؤول المخابرات، قوله في الوقت الذي كان يرتب فيه كومة اللعب المصادرة: "الأطفال هنا بحاجة إلى مساعدة.. إنك تستطيع رؤية ذلك.. كيف يمكن لنا أن نمنعهم من أن يصبحوا مثل آبائهم؟".
وتقول الصحيفة إن "الظروف صعبة في المخيم القائم على جبل، وقد دخلت المياه العادمة إلى الخيام، وسكان المخيم يشربون الماء من خزانات تحتوي على الديدان، وكثير من النساء لا يعلمن ماذا حصل لأزواجهن أو أبنائهن، بعد أن تم اقتيادهم من قوات سوريا الديمقراطية، التي هزمت تنظيم الدولة، والتي تقوم بحراسة العديد من المخيمات والسجون".
ويشير التقرير إلى أن المخيم كان منذ بداية العام يضم أقل من 10 آلاف شخص، إلا أن حجم مخيم الهول زاد بشكل كبير، وتم تحويل الكثير من النساء والأطفال إلى المخيم بعد أن سقط آخر معقل لتنظيم الدولة في قرية باغوز السورية في يد قوات سوريا الحرة بدعم عسكري أمريكي.
وتلفت الكاتبتان إلى أنه يتم فصل السكان حاليا بحسب الجنسية، فمعظم أقسام المخيم يقطنها السوريون والعراقيون، في الوقت الذي يقطن فيه أكثر من 9 آلاف آخرين -من بينهم أكثر سكان المخيم تطرفا- وهم محصورون خلف سياج في منطقة من المخيم تدعى "الملحق"، التي يقطنها عرب وآسيويون وأفارقة وأوروبيون وغيرهم، مشيرتين إلى أن الحراس يدخلون تلك المنطقة بتوجس، فقد تعرض أحدهم الشهر الماضي لكسور في عظامه عندما وقع في كمين.
وتنقل الصحيفة عن امرأة أوروبية في العشرينيات من عمرها، وكانت عيونها الزرقاء تجول في أنحاء المخيم عندما تحدثت، قولها: "إنهم يستطيعون فعل كل شيء هنا"، فيما قالت ثلاثة من ساكنات المخيم بأنهن أوقفن من نساء قمن أولا بتعديل ملابسهن، ثم هددنهم بالعقوبة إن تم تكرار المخالفة.
ويورد التقرير نقلا عن قريب لامرأة أوروبية من سكان الملحق، ومعها ثلاثة أطفال، قوله بأنها خائفة أكثر من أي وقت مضى، مشيرا إلى أن هذه المرأة قامت بتغيير خيمتها عدة مرات بسبب تهديد نساء تونسيات وأندونيسيات لها، بعد أن علمن بأن محامي العائلة يحاول إعادتها إلى بلدها، وأضاف القريب: "يهددون النساء الأخريات اللواتي يجرين مقابلات، ويقلن (في المقابلات) إنهن لم يعدن مؤيدات لتنظيم الدولة".
وتنقل الكاتبتان عن طبيبين، قولهما إن المرضى من المخيم يرفضون حضور مواعيد مراجعة لهم في المرافق التي تديرها السلطات الكردية أو المنظمات الدولية، "يقولون لنا (لا نستطيع الحضور).. يقولون: (إن حضرنا إليكم يعتدي علينا (المتطرفون) بالضرب أو أسوأ من ذلك)".
وتقول الصحيفة إن هذا التهديد المتنامي ليس محصورا في مخيم الهول، فعمال الإغاثة من مخيم الروج، الذي هو أصغر من مخيم الهول، ويبعد عنه حوالي ساعة في السيارة، يصفون الخلافات المتكررة بين السكان العراقيين والأجانب، ففي إحدى الحالات، تم منع امرأة عراقية من الحديث مع جيرانها بعد أن أزاحت النقاب، وفي حالة أخرى قام أطفال مقاتلين مع تنظيم الدولة بدفن طفل عراقي حيا.
ويجد التقرير أنه في الوقت الذي تسوء فيه الظروف، يبقى السكان في حالة ضياع، فبعض النساء يردن العودة إلى بلدانهن، لكن القليل من الدول الأجنبية متحمسة لذلك؛ وذلك خوفا من التهديد الذي قد يشكله أعضاء تنظيم الدولة الذين لم يتخلوا عن فكرهم، ولكون الأدلة ضدهم قد لا تصمد أمام محكمة.
وتورد الكاتبتان نقلا عن قوات سوريا الديمقراطية، قولها إنه لا يمكن الاعتماد عليها لابقاء سكان المخيم إلى الأبد، مشيرتين إلى أن أمريكا التي تملك السلطة في المنطقة من سوريا، لم تقدم هي ولا حلفاؤها الأوروبيون أو العرب حلا عمليا للمشكلة.
وتنقل الصحيفة عن مسؤول مخابرات عربي، قوله: "على اعتبار أن تنظيم الدولة كانت لديه وحدات نسائية، وتم تعليمهن كيف أن عليهن نشر فكر تنظيم الدولة عندما يعدن إلى بلدانهن الأصلية، فإنهن يشكلن خطرا كبيرا على المجتمع، وكذلك أطفالهن".
ويشير التقرير إلى أن العراق لا يزال لم يعد آلاف مواطنيه، فيما تأخذ الحكومات الأخرى مواطنيها بـ"القطارة"، فلم تتم إعادة سوى 8 مواطنين أمريكيين من المخيم في حزيران/ يونيو، وقد حث الرئيس ترامب الدول الأوروبية على القيام "بأخذ" مواطنيها ومحاكمتهم.
وتورد الكاتبتان نقلا عن أحد مسؤولي المخابرات الأوروبيين، قوله إن المقاربة يجب أن تكون "براغماتية"، وأن يتم تقييم "كل حالة على حدة"، وأضاف: "علينا أن ندرس: ممن كانت هذه المرأة متزوجة؟ وماذا كان دورها داخل تنظيم الدولة؟ وهل هي فعلا مستعدة للتخلي عن فكرها؟".
وتستدرك الصحيفة بأن المؤسسات الإغاثية تصر على أنه ليس لدى المجتمع الدولي الوقت، وتستشهد بالمخاطر في مخيم الهول للأطفال المضطرين للعيش فيه.
وينقل التقرير عن بعض عمال الإغاثة من منظمة "سيف ذي تشلدرن"، وهي إحدى أكبر المنظمات العاملة مع الأطفال في المخيمات في شمال شرق سوريا، قولهم إن الأطفال يظهرون أحيانا مؤشرا على صدمات عميقة، فالأولاد تحديدا، يمكن أن يكونوا عدوانيين، فيما تواجه البنات الزواج المبكر والعنف الجنسي.
وتورد الكاتبتان نقلا عن مديرة "سيف ذي تشلدرن" في سوريا سونيا خوش، قولها: "الأطفال المصابون بالصدمة بسبب العيش خلال هذه الظروف كلها يحتاجون إلى أكثر مما نستطيع تقديمه في المخيم"، وأضافت: "ليس الأمر متعلقا فقط بعدم حضورهم المدارس.. إنه العنف الذي تعرض له كل من النساء والأطفال، ويتحدث الناس عن رؤية عمليات قطع الرؤوس، ويتحدثون عن رؤية الرؤوس المقطوعة تتدحرج".
وتقول الصحيفة إن بعض النساء اللواتي تمت مقابلتهن يقلن إنهن لم يعدن مؤمنات حقيقيات، فيما تقول بعضهن إنهن لم يكن مؤمنات حقيقيات أصلا، ولكنهن أجبرن على الذهاب لأراضي تنظيم الدولة من أزواجهن المتطرفين، في الوقت الذي تقول فيه أخريات إنهن يبقين فخورات بانضمامهن إلى تنظيم يتبنى ما يصفنه بالجنة الإسلامية.
ويلفت التقرير إلى أن فيديو تم نشره في تموز/ يوليو، أظهر عدة نساء يرتدين النقاب ويحملن أعلام تنظيم الدولة السوداء قمن بإرسال ما قلن إنه رسالة من مخيم الهول، وقالت إحداهن: "أيها الأخوة.. أشعلوا نار الجهاد وحررونا من هذه السجون".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن المرأة وجهت خطابها بعدها إلى "أعداء الله"، قائلة: "لكم نقول، نحن نساء المجاهدين: تظنون أنكم تسجنونا في مخيمكم العفن، لكننا قنبلة مؤقتة، انتظروا وسترون".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
نيويورك تايمز: هكذا تبدو الأوضاع في مخيم الهول السوري
فورين بوليسي: تنظيم الدولة لم يهزم وباق لمدة طويلة
دراسات جديدة تثبت عودة تنظيم الدولة إلى ساحة سوريا والعراق