أظهر تنصيب ما يعرف بـ"لجنة الحكماء" التي سيكون لها دور استشاري في إدارة الحوار في الجزائر، تباينا عميقا بين رؤية مختلف الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية والحراك الشعبي لحل الأزمة المستفحلة في البلاد.
وشهدت عملية تنصيب "لجنة الحكماء" التي أطلقت عليها تسمية "المجلس الاستشاري للهيئة الوطنية للحوار والوساطة"، اقتحام عدد من الطلبة والنشطاء للقاعة رفضا لأي حوار يتم مع من يصفونهم بـ"العصابات" وهو مصطلح يطلق على الواجهة المدنية للحكم حاليا في البلاد ممثلة في رئيس الدولة والوزير الأول (رئيس الحكومة).
وبدا من عملية الاقتحام أن الطلبة أرادوا إسماع صوتهم في "رفض أي انقلاب على مطالب الحراك، بعد أن ضاقوا ذرعا بالتعتيم الإعلامي الممارس على مظاهراتهم المستمرة منذ أشهر كل يوم ثلاثاء".
اقرأ أيضا: مصدر لـ"عربي21": رئاسيات الجزائر قد تتأخر إلى نيسان 2020
وسُمع أحد الطلبة وهو يوجه اتهاما لمنسق هيئة الحوار كريم يونس، بأنه معين من قبل السلطة، وهو ما ردّ عليه الأخير بالنفي، مشيرا إلى أنه "تحدث مع رئيس الدولة قبل البدء في مهمته حول إطلاق سجناء الحراك وذهاب الحكومة".
خلاف على الآليات
ويرى فريد بن يحيى الخبير الاقتصادي وعضو "لجنة الحكماء"، أن ثمة خلافات فعلا موجودة بين عدة تيارات وأفكار، لكنها تبقى مقتصرة على الآليات وليس الهدف الذي هناك حوله.
وقال في حديث لـ"عربي21" إن "الخلاف هو حول الذهاب إلى مرحلة انتقالية أو انتخابات رئاسية، وبالتالي هو على الطريقة وليس على ضرورة التغيير الذي يجمع كل الجزائريين عليه".
ويعتقد ابن يحيى أن الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية "هو الطريقة الأمثل، على أن تكون فترة الرئيس المقبل بمثابة مرحلة انتقالية تتم فيها كل الإصلاحات التي يطالب بها الحراك الشعبي".
اقرأ أيضا: تشكيل "لجنة حكماء" بالجزائر من 41 شخصية.. هذه مهامها
وأوضح أن "المجلس الاستشاري لهيئة الحوار، يضم في صفوفه نشطاء من الحراك وممثلين عن نقابات الأطباء والأساتذة وخبراء في الميدان الاقتصادي والدستوري والعلمي، ما يجعله مكسبا ثمينا في إطار الدفع إلى حلّ الأزمة".
دور لجنة الحكماء
وعن مهامهم في الفترة المقبلة قال ابن يحيى: "سيتمثل دورنا في هندسة آليات الحوار وإتمامها في غضون الشهرين القادمين والبحث عن التوافقات النسبية بين كل الكتل الاجتماعية الممثلة للشعب، من أجل تهيئة الأجواء وإعداد القوانين التي تساعد في تنظيم انتخابات رئاسية تعبر حقيقة عن إرادة الجزائريين الحرة".
من جانبها، لفتت عضوة الهيئة المديرة للحوار، فتيحة بن عبو، إلى أن هذا المجلس "سيكون مساعدا للهيئة في تقييم عملها ومساعدتها بالخبرة اللازمة في تسيير الحوار وضبط مخرجاته".
وقالت بن عبو في حديثها لـ"عربي21"، إن "المجلس يضم حاليا 47 عضوا، ويمكن توسيعه إلى خبرات جديدة، إذا وجدت الهيئة حاجة لذلك ولمست رغبة في الانضمام لدى شخصيات جديدة".
وذكرت أن المجلس "يضم أسماء محترمة مثل الخبير الدستوري السعيد بوشعير ورئيس الجمعية الوطنية للمحكوم عليهم بالإعدام خلال الثورة الجزائرية مصطفى بودينة والوزير السابق مولدي عيساوي وعدد من الخبراء المعروفين في مجالاتهم ورجال أعمال ونقابيين".
وعن الاتهامات الموجهة لهيئة الحوار بأنها ضمت أسماء من النظام السابق، قالت بن عبو إنها "ترفض منطق المحاكمة الجاري حاليا، ولا ترى حرجا في الاستعانة بأي خبرة يمكنها أن تقدم إضافة".
وتابعت بأنه "خارج رؤوس العصابة، فإن الكل مرحب به في الحوار من أجل الوصول إلى حل للأزمة التي طال أمدها".
"منطق مرفوض"
في المقابل، يرى سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن هيئة الحوار "تحوّلت إلى ناطق باسم السلطة الحالية".
وذكر صالحي في تصريح لـ"عربي 21"، أن هيئة الحوار "أثبتت أنها لا تريد سماع صوت الشباب والطلبة الذين يمثلون القلب النابض للحراك رغم ادعائها ذلك".
ولفت صالحي الذي يعد من نشطاء الحراك الشعبي، إلى أن هيئة الحوار "فقدت تماما مصداقيتها وعليها أن تعترف اليوم بفشلها بعد أن ضمت بقايا النظام في محاولة لإنقاذ السلطة الغارقة بفعل قوة الحراك الشعبي".
ضبط الأجندة
وحيال هذا الجدل، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة بوحنية قوي إن إنشاء لجنة حكماء منبثقة عن هيئة حوار، "هو عملية استنساخ لهياكل من شأنها أن تطيل الأزمة لا أن تدفع إلى الحل"، مستشهدا بالمثل الذي يقول "إذا أردت أن تقتل أي عمل شكّل له لجنة".
وأوضح بوحنية في حديثه مع "عربي21"، أن الحوار "يبقى مهما في هذه المرحلة لكن في حالة عدم ضبط الأجندة بشكل دقيق فإن ذلك سيعيق حل الأزمة"، وتساءل عن "معايير تعيين هؤلاء الحكماء وخطر تحول اللجنة التي تضمهم إلى هيئة فوق دستورية".
وأشار العضو السابق في هيئة مراقبة الانتخابات، إلى أنه "كان من الأفضل النزول إلى الولايات للوقوف على مخاطر التزوير وكوارث الإدارة التي تسبب فيها ولاة الجمهورية وليس مخاطبة الجماهير من علٍ، فاللجان تتشكل ولائيا وليس مركزيا والحراك وجد وقوده واستمرارية من مختلف الولايات وليس من العاصمة فقط".
مصدر لـ"عربي21": رئاسيات الجزائر قد تتأخر إلى نيسان 2020
حصري.. قضية "بوضياف" للواجهة مجددا ضد رؤوس كبيرة بالجزائر
وزير دفاع جزائري أسبق يحرض الجيش على التمرد.. تفاصيل