من يتابع بعض وسائل الإعلام الخليجية يُدرك أن ثمة حملة منظمة وممنهجة تهدف للتحريض على الفلسطينيين، والإساءة لهم والتجييش ضدهم، وهي حملة على الأغلب يديرها مسؤول حكومي واحد، أو معه مجموعة قليلة من المساعدين، ذلك أنها تردد الأفكار المحدودة والمكررة نفسها، فضلاً عن أن كل الصحف والمواقع المشاركة فيها مملوكة للحكومة في تلك الدولة الخليجية، ما يؤكد أن الحملة تتم بأوامر تلك الحكومة ومسؤولي تلك الدولة.
أن تُنفذ الصحف حملة إعلامية في بلد يُراقب التغريدات على «تويتر» والتدوينات على «فيسبوك» ولا يستطيع الناشطون التغريد على الإنترنت، إلا بإذن من السلطات وإلا كان مصيرهم السجن، أن تشهد الصحف الحكومية في تلك الدولة حملة إعلامية، فهذا يعني أن الحملة تتم بأوامر من أعلى المستويات، ويديرها مسؤولون متخصصون في توجيه الإعلام، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم.
لسنا بحاجة لكثير من الأدلة والعناء من أجل أن نثبت أن الحملات الإعلامية في دول القمع تتم بأوامر حكومية مباشرة، فالأمر معروف ومعلوم، بل في بعض الدول العربية لا يتركون للصحيفة حرية اختيار الصورة التي تنشرها للرئيس أو الملك، وإنما يتدخلون في اختيار الصورة وفي حجمها على الصفحة الأولى، ومن نافلة القول هنا إن أي حملة إعلامية لا يمكن أن تتم إلا بأوامر مباشرة من أجهزة الأمن وسلطات اتخاذ القرار في تلك الدول، لكن السؤال المهم هنا، هو لماذا يستهدفون الفلسطينيين ويحرضون عليهم، وهم لا ناقة لهم ولا جمل في كل الصراعات التي تشهدها المنطقة، إذ إن الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون مع الاحتلال عمره سبعة عقود، أي أنه أقدم من بعض الدول العربية، وبدأ قبل أن تنشأ هذه الدول أو ترى النور؟
الهدف من الحملة التي تستهدف الفلسطينيين حالياً في بعض دول الخليج يمكن إجماله في التالي:
أولا: رفض السلطة الفلسطينية لــ»صفقة القرن» التي وافقت عليها بعض العواصم الخليجية والعربية، وفي هذا السياق تمارس دول عربية وخليجية ضغوطاً على الرئيس محمود عباس، عبر وقف المساعدات المالية ومحاصرته سياسياً، من أجل أن يوافق على ما وافقت عليه، لكن السلطة لا تزال حتى اللحظة صامدة في رفضها، رغم أزمتها المالية وحصارها السياسي، وهو ما دفع إلى توسيع الضغوط عبر شن حملات إعلامية تستهدف الفلسطينيين وتوسعهم شتائم وسُبابا واتهامات لا أساس لها من الصحة.
ثانيا: ترى الدول العربية الداعمة للثورات المضادة والمعادية للحرية، أن الشعب الفلسطيني كان على مدار العقود الماضية ملهماً للشعوب العربية في مجال النضال من أجل الحرية، لا بل يتحدث كثيرون عن أن الصمود الأسطوري للفلسطينيين في غزة أمام آلة الحرب الإسرائيلية كان أحد أهم الروافع لثورات «الربيع العربي»، إذ رفع الصمود الفلسطيني من معنويات العرب من المحيط إلى الخليج، وأعطاهم أملا بأن الشعب الأعزل يمكن أن يحقق أمانيه بالحرية والاستقلال والتصدي للظلم والعدوان.. ولذلك نلاحظ أن الحملات التي تستهدف الفلسطينيين تُركز على التقليل من صمودهم، وتحاول «تخوين» الفلسطيني في محاولة لإزالة الصورة الذهنية السائدة عنه بأنه مناضل وحُر.
ثالثا: أصبح واضحاً أن بعض دول الخليج تتجه لإقامة علاقات صداقة مباشرة مع إسرائيل، ومن أجل إتمام ذلك يتوجب أن ترمي وراء ظهرها فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، وقضية الشعب المشرد منذ سبعين عاماً، وحتى تتمكن من ذلك فعليها أن تنسف عقيدة شعوبها بأن «فلسطين هي قضية العرب الأولى» عبر الترويج بأنه «ماذا استفدنا من دعم الفلسطينيين؟»، وأن تنسف عقيدة أن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، عبر الترويج أنه «مجرد مسجد يساوي أي مسجد آخر».. إلى آخر ما في ذلك من محاولات لنسف العقيدة العربية المتعلقة بقضية فلسطين.
خلاصة القول، إن حملة التحريض على الفلسطينيين، التي تشنها صحف وقنوات حكومية، مدعومة بجيش إلكتروني على الإنترنت، ليست سوى تمهيد للانخراط في مصالحة مع إسرائيل، وتمهيد لـ«صفقة القرن» التي يرفضها الفلسطينيون، كما أنها محاولة لممارسة مزيد من الضغط على الفلسطينيين.
عن جريدة القدس العربي اللندنية