يبدو أن وقفات الفلسطينيين البطولية كما حدث في عيد الأضحى لحماية المسجد الأقصى المبارك بحدها الأدنى وهو الحفاظ على الوضع القائم ومنع المزيد من الاختراقات والاعتداءات الإسرائيلية لا تكفي وحدها، وعليه فلا يمكن الامتناع عن الاستنتاج بضرورة إعادة توجيه الجهود الفلسطينية ومراكمة المزيد من عوامل وأوراق الضغط بكل أنواعها المشروعة لإجبار حكومة الاحتلال على التراجع عن نواياها وسياساتها الأخيرة، وتغيير الوضع القائم الهش والمس بمكانة المسجد الأقصى الدينية و التاريخية والقانونية، فكيف يمكن أن يتم ذلك.
لقد أظهرت أحداث يوم عيد الاضحى كمثال مدى الخطورة التي يمر بها المسجد الاقصى، ففي موقف علني ونادر وفي غفلة من عيون العرب و المسلمين الساهرة، أعلن وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال جلعاد اردان أنه قد خطط مع رئيس الوزراء نتنياهو لخداع وتضليل المسلمين يوم الأضحى من خلال عدم الإعلان المسبق نيتهم السماح لمئات المستوطنين لاقتحام الأقصى في اختراق واضح للوضع القائم القاضي بمنع اقتحام اليهود للأقصى يوم عيد الأضحى، كي لا يستنفر هذا الإعلان المزيد من أعداد المسلمين أو أن يصروا على البقاء في المسجد بعد صلاة العيد.
وأكثر من ذلك فقد أعلن وزير الاحتلال اردان وعبر تصريحات لافتة له في راديو إسرائيل أن أحداث يوم عيد الأضحى تأتي في إطار سياسة الحكومة القاضية بتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، منتقدا بشدة اقتصار الاقتحامات على الزيارة دون الصلاة، مبررا ذلك بمواقفه اليمينية والقومية، معلنا مخالفته أيضا للفتوى الدينية التي أصدرتها الحاخامية العليا لإسرائيل عشية عيد الأضحى، والتي تذكر اليهود بحرمة زيارة الاقصى لأسباب دينية مبنية على تداعيات الزيارة – الاقتحام الامنية، يأتي موقف اردان هذا بخلاف ما نشرته هآرتس 12-8 من أن مجموعة يهودية يمينية متطرفة استغلت فترة الانتخابات كي تملي مواقفها على المستوى المهني والسياسي في إسرائيل، وتسمح باقتحام الأقصى .
تطرح اعتداءات حكومة الاحتلال الاسرائيلي على المسجد الأقصى يوم عيد الاضحى المبارك أسئلة حول الأداء الفلسطيني، وخصوصا الرسمي في القدس وتحديدا ضعف وتراجع التأثير وغياب آليات عمل ضرورية وملحة بتنفيذ الكثير من السياسات التي تبنتها السلطة الفلسطينية بعدما أجرت العديد من الدراسات الهامة والهادفة لتحديد استراتيجية عمل السلطة في القدس، ومن أهم ذلك على سبيل المثال: إيجاد مرجعية سياسية جامعة لقوى ومؤسسات القدس الوطنية والإسلامية، وهذا هو أضعف الإيمان.
فالمطلوب على الأقل جعل القدس والمساس بالأقصى قضية أكثر قداسة من التنسيق الأمني العبثي مع دولة الاحتلال، فلماذا لا تستخدم السلطة هذه الورقة – إن صح التعبير – للضغط من أجل حماية الوضع القائم في القدس؟
قد تقتضي الواقعية السياسية، وخاصة في ظل حالة الضعف العربي والانقسام الفلسطيني والعربدة الأمريكية الإسرائيلية أن يكون الحفاظ على الوضع القائم –مع كل التحفظات عليه- في قضايا وطنية معينة كقضية المسجد الأقصى وقضية الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال هدفا تكتيكيا لكلٍ من المقاومة والسلطة الفلسطينية، كل بأدواته المتوفرة لحين نجاح الفلسطينيين في تغيير موازين القوى المختلة الحالية، فإذا علمت حكومة الاحتلال أن الاعتداء على الأقصى والأسرى سيؤدي الى ان تدفع ثمنا أمنيا باهظا، فلن تجرؤ على المساس به .
وهكذا قد يتم منع تراجع بعض القضايا الوطنية الحساسة .